عندما يُفكّر المستثمر في توظيف أمواله، يجد نفسه أمام مجموعة واسعة من الأدوات الاستثمارية، مثل الأسهم، والسندات، والذهب، والودائع البنكية، وتكمن الحيرة في المفاضلة بين هذه الخيارات بما يضمن تحقيق عائد مجزٍ مع الحفاظ على رأس المال. ومن أبرز التساؤلات التي تطرح نفسها: أيهما أنسب للاستثمار، الودائع البنكية أم الأسهم؟
تختلف الإجابة عن هذا السؤال بحسب توجهات المستثمر ومدى استعداده لتحمّل المخاطر؛ فالبعض يطمح إلى عوائد مرتفعة حتى لو كانت مصحوبة بدرجات أعلى من التقلبات والمخاطر، بينما يفضّل آخرون الاستقرار والأمان المالي ولو على حساب انخفاض العوائد، وبالتالي فإن تحديد الأداة الأنسب يعتمد على ميولك الاستثمارية وقدرتك على تحمل الخسارة.
تأثير أسعار الفائدة على قرارات الاستثمار
في بيئة السوق، تتسبب أسعار الفائدة المرتفعة في زيادة تكلفة الاقتراض، ما ينعكس سلبًا على الإنفاق الاستثماري سواء من الأفراد أو الشركات، وتكون القطاعات التي تعتمد بشكل أساسي على إنفاق المستهلكين، مثل تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق، الأكثر تأثرًا بهذا التحول؛ فعندما ترتفع أسعار الفائدة يميل المستهلكون إلى تقليل إنفاقهم والتركيز على الادخار، ما يترتب عليه تراجع الإيرادات والأرباح للعديد من الشركات.
هذا التغير في سلوك المستهلكين ينعكس بشكل مباشر على أسعار الأسهم، حيث تصبح الاستثمارات في الأسهم أقل جاذبية نظرًا للمخاطر المرتبطة بها، ومع انخفاض الطلب على الأسهم تنخفض أسعارها، مما يجعلها خيارًا غير مغرٍ للمستثمرين في بيئة ذات أسعار فائدة مرتفعة.
في ظل هذه الظروف، تصبح الأسهم أقل جاذبية بسبب ما تحمله من تقلبات ومخاطر، ويتراجع الطلب عليها، ما يؤدي إلى انخفاض أسعارها، كما تواجه الشركات تحديات في الحصول على التمويل اللازم للتوسع بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض، مما ينعكس سلبًا على أرباحها وقيمتها السوقية. وفي المقابل، تستفيد البنوك من البيئة المرتفعة للفائدة، حيث تستطيع جذب ودائع العملاء من خلال تقديم عروض منافسة.
كما أن ارتفاع تكاليف القروض قد تمنع الشركات من الحصول على التمويل اللازم لتوسيع أعمالها، وفي حال تأثرت أرباح الشركات سلباً بسبب ارتفاع تكاليف الدين أو انخفاض الإيرادات فإن التدفقات النقدية ستنخفض، مما يؤثر على قيمتها السوقية.
مزايا الاستثمار في الوديعة البنكية
الودائع البنكية تُعتبر خيارًا جذابًا لفئات واسعة من المستثمرين، ويعود ذلك إلى المزايا الآتية:
- توفر عوائد أعلى من حسابات التوفير التقليدية.
- معدل الفائدة ثابت طوال مدة الوديعة، ما يوفر وضوحًا وتوقعًا دقيقًا للعائد.
- مرونة في فترات الربط، من أشهر قليلة إلى سنوات، بحسب رغبة المودع.
- بساطة الإجراءات وسهولة فتح وإدارة الوديعة دون الحاجة إلى خبرة مالية.
- تعتبر من أكثر الأدوات الاستثمارية أمانًا كونها مدعومة بضمانات حكومية ضد إفلاس البنوك.
قد ترغب في التعرّف إلى أنواع الودائع والحسابات الاستثمارية في البنوك الإسلامية
مزايا الاستثمار في الأسهم
رغم ما تحمله من مخاطرة، إلا أن الأسهم تُتيح فرص نمو كبيرة للمستثمرين، فهي تتيح المزايا الآتية:
- الاستفادة من النمو الاقتصادي
عندما يشهد الاقتصاد نموًا، تزداد أرباح الشركات بفضل ارتفاع معدلات التوظيف وتحسّن الدخول، ما يعزز القوة الشرائية للمستهلكين، ويؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على المنتجات والخدمات، وبالتالي ارتفاع إيرادات الشركات المدرجة في السوق المالي، مما ينعكس إيجابًا على قيمة أسهمها.
- سهولة الوصول إلى سوق الأسهم
يُعد الاستثمار في الأسهم من أسهل طرق الاستثمار، حيث يمكن شراء أسهم الشركات خلال دقائق عبر وسيط مالي، أو مستشار استثماري، أو حتى من خلال المنصات الإلكترونية المتاحة للمستثمرين الأفراد.
- تحقيق الأرباح
يهدف معظم المستثمرين إلى شراء الأسهم بسعر منخفض وبيعها بسعر أعلى لتحقيق مكاسب رأسمالية، في حين يُفضّل البعض الآخر الاستثمار طويل الأجل في شركات واعدة تحقق نموًا مستدامًا، ما يؤدي إلى ارتفاع أرباحها وأسعار أسهمها تدريجيًا، وكلا النهجين يمكن أن يكونا مُجدِيَين بحسب أهداف المستثمر واستراتيجيته.
- السيولة العالية
تتميّز الأسهم بسيولتها العالية، إذ يمكن بيعها وتحويلها إلى نقد في أي وقت تقريبًا وبسهولة، وهو ما يمنح المستثمر مرونة كبيرة في إدارة أمواله مقارنةً بأنواع استثمارية أخرى تتطلب وقتًا أطول لإتمام عمليات البيع والشراء.
استكشف أيضًا مؤشرات سوق الأسهم الأمريكية وكيفية التداول
عيوب الوديعة البنكية
إليك مجموعة من العيوب الخاصة بالاستثمار بالودائع البنكية:
- في حالة السحب المبكر لأموالك من الودائع، قد تجد نفسك محملاً بالغرامات الشديدة التي يفرضها البنك.
- قد تكون العوائد المقدمة من الودائع البنكية محدودة بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يطمحون لعوائد أعلى.
- على الرغم من كون الوديعة البنكية وسيلة مضمونة للحفاظ على أموالك، فإن هذا لا يعني أنها محمية من التضخم.
- غالباً ما تأتي الوديعة البنكية بنسبة ربح ثابتة تحددها البنوك، والتي قد تكون أقل من معدلات العائد في الأسواق المالية.
- عند اختيار تثبيت أموالك بالوديعة البنكية تكون ملزماً بفترة الربط، ما يعني عدم إمكانية الحصول على أموالك حتى نهاية الفترة.
اقرأ أيضًا: الفرق بين الودائع في البنوك الإسلامية والتقليدية
أهم المخاطر التي يجب أن تعرفها قبل الاستثمار في الأسهم
في حال كنت تخطط للاستثمار في الأسهم، عليك أن تكون على دراية مسبقة بمخاطر هذا القرار، وهي كما يأتي:
- التفكير المبالغ فيه في الربح
يعتبر الربح هدفًا أساسيًا للاستثمار في الأسهم، ولكن ينبغي ضبط توقعاتك وعدم الاستعجال في البيع أو الشراء لتحقيق الأرباح في أسرع وقت ممكن؛ إذ إنّ عدم الالتزام بقواعد الاستثمار الجيدة والتحكم في النفس قد يؤدي إلى خسارة المال.
- تقلبات سوق الأسهم
يتأثر سوق الأسهم بالكثير من العوامل الخارجية مثل الأحداث السياسية والاقتصادية والطبيعية، وهذا يعني أن الأسهم تتحرك وفقًا لأخبار اليوم، وعلى الرغم من أن السوق يمكن أن يكون مربحًا في المدى الطويل، إلا أنه يمكن أن يكون مؤرقًا للمستثمرين الذين يريدون الحصول على الأرباح في المدى القصير.
- عدم التنوع
ينبغي على المستثمر التنويع في الاستثمار في الأسهم لتحقيق الربح وخفض المخاطر، إذ إن الاستثمار في سهم واحد أو عدد قليل من الأسهم يزيد من خطر الخسارة، خاصة إذا كانت تلك الأسهم تحمل مخاطر عالية.
- الرسوم الخاصة بالإدارة
يتم تحصيل الرسوم من خلال صناديق الأسهم، وهي تعتمد على حجم الاستثمار وعدد الأسهم التي يمتلكها المستثمر، ورغم أنّها قد تكون مقبولة عندما تكون الأرباح عالية إلا أنّها قد تصبح مشكلة كبيرة في حالة الخسائر المفاجئة.
- تأخر تحقيق الأرباح
أحيانا تستغرق الأسهم فترة طويلة حتى تجني ثمار استثمارك فيها، ويمكن أن تستغرق هذه العملية بضع سنوات لتحقيق النمو المطلوب، وهذه لا يناسب الأشخاص الذين يبحثون عن العوائد قصيرة المدى.
تعرّف إلى دورة سوق الأسهم واكتسب فهمًا عميقًا للأسواق الصاعدة والهابطة
نصائح لاختيار طريقة الاستثمار الأنسب
سواء كنت مستثمرًا مبتدئًا أو تبحث عن تعزيز استراتيجيتك المالية، فإن اختيار طريقة الاستثمار المناسبة يتطلب فهمًا واضحًا لأهدافك، وقدرتك على تحمل المخاطر، وطبيعة كل خيار استثماري.وإليك بعض النصائح:
- كن مستعدًا لمفاجآت السوق
يمكن أن يشهد سوق الأسهم تقلبات حادة في أي وقت، نتيجة أحداث غير متوقعة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو حتى مرتبطة بالشركات نفسها، وقد تؤدي هذه التقلبات إلى خسائر مفاجئة، لهذا من الضروري أن تكون مستعدًا دائمًا، عبر اتخاذ الاحتياطات اللازمة ووضع خطط بديلة تساعدك على تجاوز الأوقات الصعبة بأقل الخسائر الممكنة.
- القرار بين الأسهم والودائع يعود لك
في نهاية المطاف، يعتمد اختيارك بين الاستثمار في الأسهم أو الودائع البنكية على مدى تقبلك للمخاطرة، ومدى حاجتك للسيولة؛ فالمستثمر الذي يبحث عن الاستقرار وراحة البال قد يجد في الودائع خيارًا مناسبًا، بينما من يسعى لتحقيق عوائد أعلى قد يفضّل الأسهم رغم ما تحمله من تقلبات.
- قاعدة ذهبية: لا تضع كل البيض في سلة واحدة
من أشهر النصائح في عالم الاستثمار، والتي تثبت أهميتها في كل الأوقات، هي: “لا تضع جميع البيض في سلة واحدة”؛ أي أن تنويع محفظتك الاستثمارية، بين الأسهم والسندات والودائع والذهب، يُعد خطوة ذكية لحماية أموالك من المخاطر غير المتوقعة، ويمنحك توازنًا بين العائد والمخاطرة.
كما ذكرنا سابقًا، الاختيار بين الأسهم والودائع البنكية يعتمد على عدة عوامل، والحاصل أنّك إذا كنت تبحث عن الأمان والاستقرار فقد تكون الودائع البنكية خيارًا مناسبًا، أما إن كنت تطمح إلى تحقيق نمو أعلى في رأس المال ولديك استعداد للتقلبات فقد تكون الأسهم هي الطريق الأنسب، المهم أن تكون واعيًا لمزايا وعيوب كلتا الطريقتين قبل الاختيار.
قد يهمّك أيضًا: الفرق بين السندات وأذون القروض