إيران تقترب من قنبلة نووية.. وترمب يلوّح باتفاق

تقرير: باسل محمود

في خضم تصعيد جديد بين واشنطن وطهران، تُطرح مجددًا واحدة من أخطر الأسئلة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، فهل أصبحت إيران على بُعد خطوات من امتلاك سلاح نووي؟ وما مستقبل التوترات في ظل سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وإصراره على قلب الطاولة بإحياء اتفاق نووي جديد، مدعومًا بسياسة “الضغط الأقصى” التي سبق وأن شلّت اقتصاد إيران قبل خمس سنوات؟

الملف النووي الإيراني، المحكوم منذ عقودٍ بالتجاذب بين مسارات دبلوماسية وهواجس أمنية، يعود إلى الواجهة اليوم، لكن هذه المرة، تُدار المعركة على أكثر من جبهة، في منشآت التخصيب المحصّنة تحت الأرض، وعلى طاولة المفاوضات العمانية.

من الانسحاب إلى إعادة التفاوض

بدأ كل شيء عندما انسحب ترمب من الاتفاق النووي الموقّع عام 2015، مُعيدًا فرض عقوبات قاسية على طهران في عام 2018. وبحسب بلومبرج، منذ ذلك الحين، تصاعدت أنشطة إيران النووية بوتيرة غير مسبوقة، لتصل اليوم إلى نقطة حرجة، أصبحت فيها قادرة على إنتاج الكمية اللازمة من المواد الانشطارية لصنع قنبلة خلال أقل من أسبوع.

ورغم إعلان ترمب في فبراير 2025 عن رغبته في التوصل إلى “اتفاق سلام نووي موثَّق”، فإن خطواته الميدانية تسير في الاتجاه المعاكس، إذ واصل التصعيد من خلال فرض عقوبات نفطية مشددة، وإطلاق تصريحات لم تستبعد “الخيار العسكري” من الطاولة، حتى أنّه بعث ترمب برسالة مباشرة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، في مارس، يُمهله فيها شهرين لإبرام اتفاق.

تلا ذلك لقاء غير مسبوق في أبريل بين مبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مسقط، ما فتح الباب أمام جولة جديدة من المفاوضات، وسط تشكيك حاد في دوافعها وجدواها.

أمريكا تُشدد الخناق على إيران.. عقوبات جديدة تستهدف “أسطول النفط الخفي”!

إيران: برنامج نووي يتسارع في الظل

رغم القيود التي نص عليها الاتفاق النووي السابق –وعلى رأسها حدّ تخصيب اليورانيوم عند 3.67%– فإن إيران تجاوزت هذه النسبة منذ سنوات، ووصلت إلى 60%، وهي خطوة واحدة فقط دون مستوى النقاء العسكري البالغ 90%.

البيانات الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تؤكد أن مخزون إيران من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60% بلغ 275 كيلوغرامًا، أي ما يكفي لإنتاج رأس نووي بدائي خلال أسابيع، إذا تم تحويله بنجاح إلى وقود عالي الانفجار، هذا يعني أنّ طهران باتت تنتج قنبلة نووية “افتراضية” شهريًا.

أما المنشآت النووية التي تقود هذا البرنامج، فهي منشآت شديدة التحصين تحت الأرض في “نطنز” و”فوردو”، تجعل من فكرة استهدافها عبر غارات جوية أمرًا بالغ التعقيد، ما يزيد من كلفة أي عمل عسكري محتمل ضدها.

العقوبات.. سلاح لا يُصيب دائمًا

ترمب أعاد تفعيل سياسة “الضغط الأقصى”، معلنًا عن تشديد العقوبات مجددًا، خاصة تلك التي تستهدف صادرات النفط الإيراني، ورغم أنّ هذه السياسة كانت قد خفّضت صادرات طهران من أكثر من مليوني برميل يوميًا إلى أقل من 400 ألف في ولايته الأولى، لكنها عادت وارتفعت في عهد بايدن إلى 1.6 مليون برميل يوميًا.

اليوم، يسعى البيت الأبيض إلى تقليص هذا الرقم مجددًا، إذ قد تؤدي الإجراءات الجديدة إلى خفض العائدات السنوية التي تصل إلى 53 مليار دولار، وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، لكن في عالم يشهد تزايدًا في أنشطة التهرّب من العقوبات، ليس من المؤكد أن هذا النهج سيُثمر بنفس التأثير السابق.

منشآت محصّنة وصواريخ بعيدة المدى

تحقيق القدرة النووية لا يقتصر على تخصيب اليورانيوم، فإلى جانب المادة الانشطارية، تحتاج إيران إلى آلية تفجير دقيقة ورأس حربي صغير يُمكن تركيبه على صاروخ باليستي.

وبينما تشير تقارير استخباراتية إلى أن طهران لا تُطوّر رأسًا نوويًا حاليًا، فإنها تحتفظ ببنية تحتية ومعرفة تقنية قد تُتيح لها ذلك خلال فترة قصيرة، قد تتراوح -بحسب الخبراء- بين أربعة أشهر إلى سنتين، وفق وتيرة التطوير والدعم الفني المتاح.

ويُعتقد أن الصواريخ الإيرانية القادرة على الوصول إلى مدى يتجاوز 5000 كيلومتر، باتت تضع معظم العواصم الأوروبية داخل النطاق التهديدي، مما يُعيد إلى الأذهان سيناريوهات الردع النووي في الحرب الباردة.

اقرأ أيضًا: أين تنتشر المفاعلات النووية في العالم؟

إسرائيل.. تقف على الحافة

منذ عام 2010، نُسبت إلى إسرائيل سلسلة عمليات تخريب واغتيالات استهدفت برنامج إيران النووي، بما في ذلك تفجير منشآت، واغتيال علماء بارزين. وبينما تصر تل أبيب على أن امتلاك إيران للقنبلة النووية خط أحمر “وجودي”، فإنها تدرس الآن سيناريوهات الضربات الوقائية.

ووفق تقارير أمنية، أجرت إسرائيل مناورات عسكرية عام 2022 لمحاكاة ضرب منشآت نووية في إيران، لكن تنفيذ هذا السيناريو على الأرض يُعدّ تحديًا عملياتيًا هائلًا، في ظل تحصينات طهران، وبعد المسافة، وغياب الدعم العلني من واشنطن.

رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، عبّر مرارًا عن قلقه، من أي تحرّك عسكري، قائلًا: “المطلوب اليوم هو أقصى درجات ضبط النفس، لأن أي هجوم سيُشعل المنطقة”.

اقرأ أيضًا: كيف أثر الصراع الإيراني الإسرائيلي على التصنيف الائتماني لدول المنطقة؟

هل يكون الاتفاق هو المخرج؟

رغم التصعيد، هناك نافذة صغيرة للحل، فترامب يسعى –نظريًا– إلى اتفاق “مُحكم وشامل”، لكنه مختلف تمامًا عن اتفاق 2015، إذ إنّ تركيزه ينصب الآن على الحد من التخصيب ونزع الصواريخ الباليستية دون تفكيك كامل للبنية التحتية النووية، ما قد يُرضي الوسطاء لكنه يُغضب التيارات المتشددة في واشنطن وتل أبيب.

الكرة الآن في ملعب المفاوضات الجارية في سلطنة عُمان، وسط دعم أوروبي ووساطة إقليمية هادئة، لكن إذا فشلت فإن كل الأطراف تستعد لـ”اليوم التالي”: واشنطن عبر العقوبات، تل أبيب عبر الخطط العسكرية، وطهران عبر المزيد من التخصيب.

قد يهمّك أيضًا: الأوضاع في إيران تتفاقم.. أزمة اقتصادية واستقالات تعصف بالحكومة

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة