لماذا وقعت مصر اتفاقية حماية الاستثمارات السعودية؟ 

في سبتمبر الجاري، أعلن رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي عن إبرام اتفاقية لحماية الاستثمارات السعودية في مصر، حيث تهدف هذه الاتفاقية إلى حماية المستثمرين من المخاطر القانونية والإدارية، مما يعزز ثقتهم ويزيد من حجم الاستثمارات. ويُتوقع أن يتم تفعيل الاتفاقية في غضون شهرين على الأكثر، وبحلول نهاية عام 2024، سيتم حل ما تبقى من قضايا تعيق الاستثمار.

تعتبر اتفاقية حماية الاستثمارات السعودية في مصر خطوة استراتيجية تعكس الإرادة المشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين من خلال توفير بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار، إذ يمكن لهذه الاتفاقية أن تلعب دورًا محوريًا في دعم التنمية الاقتصادية وتحقيق الأهداف المشتركة، مما يعزز من مكانة البلدين على الصعيدين الإقليمي والدولي.

تتضمن اتفاقيات حماية الاستثمارات، والالتزام بمعاملة منصفة وعادلة للاستثمارات، وتقليل المتطلبات المتعلقة بإنشاء وتوسعة وصيانة الاستثمارات، وضمان حماية الاستثمارات في حالات مثل الحرب أو النزاع أو حالات الطوارئ والاضطرابات. كما أنّها تشمل حماية الاستثمارات من أي إجراءات تمس ملكيتها أو تجرد مستثمريها كليًا أو جزئيًا من حقوقهم، مع منع التأميم أو نزع الملكية أو إخضاعها لسيطرة جهات أخرى.

خطوة محورية لتعزيز التعاون الاقتصادي

يقول الدكتور حسين العسيلي، الخبير الاقتصادي، إن اتفاقية حماية الاستثمارات السعودية في مصر تعد خطوة محورية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث تتضمن العديد من الأبعاد الاقتصادية والمالية، كما أنّها تهدف بشكل رئيسي إلى زيادة الاستثمارات من خلال حماية قانونية تمنح الاستثمارات السعودية في مصر ضمانات ضد التغيرات غير المتوقعة في القوانين أو الإجراءات، إضافة إلى دعم القطاعات الاستراتيجية مثل البنية التحتية، والزراعة، والطاقة، والعقارات، والصناعة التحويلية.

وأضاف الخبير في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia أن المملكة العربية السعودية تُعد واحدة من أكبر المستثمرين في مصر، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في العامين 2022 و2023 نحو 124 مليار ريال سعودي، كما بلغ عدد التراخيص الممنوحة للمستثمرين المصريين في السعودية 5767 رخصة حتى عام 2024، مما يعكس عمق العلاقات التجارية بين البلدين.

من المتوقع أن تسهم الاتفاقية في زيادة حجم الاستثمارات السعودية في مصر، خاصة في القطاعات الرئيسية مثل البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والسياحة، هذا وتلعب الشركة السعودية المصرية للاستثمار (Saudi Egyptian Investment Company – SEIC)، التي أُطلقت في أغسطس 2022 بواسطة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، دوراً حاسماً في الاتفاقية، حيث تستهدف استثمارات كبيرة في قطاعات البنية التحتية، والزراعة، والرعاية الصحية، والصناعات التحويلية.

اقرأ أيضًا: كيف يؤثر تحويل الودائع السعودية إلى استثمارات على الاقتصاد المصري؟

مصلحة مشتركة بين البلدين

شدد العسيلي على أهمية هذه الاتفاقية من منظور المصلحة المشتركة للبلدين، فمن الجانب المصري، ستحل هذه الاتفاقية جزءاً كبيراً من مشاكل البيروقراطية والإجراءات المعقدة التي كانت تعيق الاستثمارات السعودية، وستقدم ضمانات قانونية قوية. أما من الجانب السعودي، فتمثل الاتفاقية نموذجاً متميزاً للتعاون العربي، وتعزز الثقة المتبادلة بين الدولتين الشقيقتين.

من وجهة نظر العسيلي، ستكون هذه الاتفاقية نموذجاً يُحتذى به لعقد اتفاقيات مشابهة مع دول أخرى في المنطقة، ما يفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات الأجنبية في مصر مع تعزيز الاستقرار المالي والقانوني، كما يتوقع أن تشهد مصر زيادة ملحوظة في الاستثمارات السعودية، خاصة مع تطور مشروعات حالية مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومشروعات البنية التحتية والطاقة المتجددة.

وأكدت الدكتورة شيماء وجيه أن هذه الاتفاقية تهدف إلى ضخ مزيد من الأموال في السوق المصري، ووفقاً لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تعهدت المملكة بضخ 10 مليارات دولار في استثمارات داخل مصر، بالإضافة إلى ودائع البنك المركزي المصري، وتشمل هذه الاستثمارات مشاريع جديدة وودائع دولارية، الأمر الذي سيُسهم في إنعاش الاقتصاد.

تضمن الاتفاقية حماية الاستثمارات السعودية من تكرار المشكلات السابقة التي حدثت في عامي 2022 و2023، وبالتالي تقليل المخاوف المتعلقة بأي اضطرابات سياسية أو اقتصادية، كما تضمن معاملة المستثمرين السعوديين بشكل مماثل للمستثمرين المحليين، مما يضمن حماية استثماراتهم وتأمينهم من المخاطر المستقبلية.

تأثير اتفاقية حماية الاستثمارات السعودية في مصر

أضافت وجيه في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia أنّ هذه الاتفاقية تُسهم في زيادة حجم الاستثمارات السعودية في مصر، مما يساعد على تعزيز الاقتصاد المصري، وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي للدولة. كما تؤدي هذه الاستثمارات إلى زيادة الطلب على العمالة، مما يسهم في تقليل معدلات البطالة وزيادة معدلات التبادل التجاري بين مصر والسعودية، وزيادة النمو الاقتصادي ومعدلات التوظيف، وتقليل التضخم، وفي حال نجاح المشاريع وتحقيق الأرباح المستهدفة، سيزداد حجم الاستثمارات على غرار هذه المشاريع.

من المتوقع أن تتوسع المشروعات لتشمل دولاً خليجية أخرى في حال نجاح التجربة مع الجانب السعودي، ونجاح الاستثمارات في تحقيق نتائج إيجابية للسوق المصري؛ بما في ذلك القطاع المصرفي عبر ودائع البنك المركزي المصري. وفي تلك الحالة، يمكن أن تتوسع هذه الاتفاقية مع دول أخرى مثل قطر والكويت، وربما تدخل فيها دول أجنبية أخرى، مما يعزز ضخ المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية في السوق المصرية بشكل غير مسبوق.

كما شددت الخبيرة على ضرورة إصلاح البنية الأساسية المصرية من خلال بناء قاعدة استثمارية قوية وقوانين تحمي المستثمر الأجنبي وتوفر له البيئة المناسبة، وهو ما بدأت فيه مصر بالفعل من خلال دعم شبكة الطرق والصناعات المختلفة، مما يُحوِّل مصر إلى حقل للعديد من الاستثمارات في المستقبل، سواء كانت عربية أو أوروبية.

كما أشارت إلى ضرورة توفير حوافز للاستثمار وتسهيلات للمستثمرين لزيادة حجم الاستثمارات، فمن خلال هذه التسهيلات وتوفير دليل استثماري يوجه المستثمرين إلى مشروعات بعينها يمكن زيادة معدلات الاستثمار وتعزيز الثقة في السوق المصرية، وبالتالي زيادة حجم الاستثمارات.

حماية قانونية للاستثمارات

من جانبها، قالت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، إن اتفاقية حماية الاستثمارات السعودية مع مصر ستعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين وتُثري الشراكة الاستثمارية وتُوفِّر بيئة ملائمة للمستثمرين، كما تهدف إلى تقديم الضمانات اللازمة لحماية الاستثمارات، وتعزيز الثقة بين المستثمرين والمستضيفين، مما يعكس التزام البلدين بتعزيز الروابط الاقتصادية.

وقد أوضحت الحماقي أن الاتفاقية تهدف إلى توفير حماية قانونية للاستثمارات السعودية في مصر، مما يضمن حقوق المستثمرين، ويقلل من المخاطر المحتملة التي قد تواجههم، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات من خلال تقديم بيئة استثمارية آمنة، مما يسهم في تنمية الاقتصاد المصري وتعزيز العلاقات التجارية.

كما تهدف الاتفاقية إلى تسهيل الإجراءات البيروقراطية المتعلقة بالاستثمار، مما يمكن المستثمرين من ممارسة أنشطتهم التجارية بكل سلاسة ويسر. فضلًا عن ذلك، أشارت الحماقي إلى أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، نظرًا لأهمية السعودية باعتبارها واحدة من أكبر المستثمرين في مصر، وهذا يعكس التعاون المستمر لتعزيز التنمية الاقتصادية.

زيادة تدفق الاستثمارات في مصر

اتفقت الحماقي مع شيماء وجيه في رأيها المتعلق بدور الاتفاقية في زيادة فرص العمل، فمن المتوقع أن تخلق الاتفاقية مزيدًا من فرص العمل في مصر، مما يسهم في تحسين مستويات المعيشة وتقليل معدلات البطالة. كما أنّ هذه الاتفاقية تحقق حمايةً للاستثمارات السعودية في مصر، الأمر الذي يُسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير بيئة استثمارية جاذبة.

علاوة على ذلك، تشجع هذه الاتفاقية المستثمرين السعوديين على الاستثمار في مصر من خلال توفير حماية قانونية ومالية ضد التقلبات أو المخاطر غير المتوقعة، مما يزيد من تدفق الاستثمارات السعودية، لا سيما في قطاعات حيوية مثل الطاقة والزراعة والصناعة والتكنولوجيا، ويعزز الاقتصاد المصري. بالإضافة إلى تعزيز ثقة المستثمرين بتوفير بيئة آمنة ومحميّة، وعندما يطمئن المستثمرون إلى أن أموالهم محميّة بموجب اتفاقيات دولية يزداد إقبالهم على استثمار مبالغ أكبر وأطول أجلًا، مما يؤدي إلى تنمية مشاريع اقتصادية ضخمة.

تحفيز النمو الاقتصادي

من جانبه يرى الدكتور أحمد سليمان الخبير المصرفي، أن الاتفاقية ستساهم في جذب استثمارات جديدة، مما يساعد في تحفيز النمو الاقتصادي، وقد أكّد أن زيادة الاستثمارات في مصر ستتم ترجمتها إلى مشروعات جديدة في مجالات تطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات العامة، ما يؤدي إلى تنمية شاملة لمختلف قطاعات الاقتصاد المصري.

وأضاف الخبير في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia أنّ هذه الاتفاقية تُساعد على خلق فرص عمل جديدة، مما يساعد على تقليل معدلات البطالة وزيادة دخول الأسر، وبالتالي تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

ووفقًا للخبير، تساهم الاستثمارات السعودية في نقل التكنولوجيا المتقدمة والخبرات الإدارية إلى السوق المصري، مما يمكّن الشركات المصرية من تحسين جودة الإنتاج وتطوير الكفاءات المحلية، وبالتالي رفع مستوى التنافسية للإنتاج المصري على المستويين الإقليمي والدولي.

كما تشجع الاتفاقية على استثمار سعودي أكبر في القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والزراعة، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة لمصر، وتعزيز قدراتها الإنتاجية.

تعزيز العلاقات التجارية بين مصر والسعودية

تساهم الاتفاقية المصرية السعودية في تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، مما يفتح المجال لزيادة الصادرات المصرية إلى السعودية ودول الخليج، مما يعزز من مكانة مصر كوجهة استثمارية وتجارية رائدة في المنطقة.

وخلاصة الأمر أنّ هذه الاتفاقية ستُساعد في توفير الاستقرار المالي للحكومة المصرية من خلال تأمين مصادر تمويل مستدامة، وتقليل الاعتماد على القروض الدولية، وتعزيز التدفقات النقدية من الاستثمارات الأجنبية. ومن خلال الاستثمارات السعودية في مشروعات البنية التحتية، مثل الطرق والموانئ والكهرباء، يمكن لمصر تحسين بنيتها التحتية، ودعم النمو الاقتصادي في البلاد، وزيادة كفاءة التجارة. 

اختتم الخبير موضّحًا أنّ الاتفاقية تدعم التكامل الاقتصادي الإقليمي بين مصر والسعودية عبر توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، مما يساعد في تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، ويقوي من تأثيرهما في القضايا الإقليمية والدولية.

اقرأ أيضًا: كيف تدعم صفقة رأس بناس الاقتصاد المصري؟

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

أخبار ذات صلة