شراكة مصرية إماراتية لتطوير “كيزاد شرق بورسعيد” بقيادة موانئ أبوظبي

في خطوة استراتيجية تعكس عمق التعاون المصري الإماراتي في مجالات التنمية الاقتصادية، وقّعت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، يوم الأحد، اتفاقية جديدة مع مجموعة موانئ أبوظبي الإماراتية، لتطوير وتشغيل منطقة صناعية ولوجستية تحت اسم “كيزاد – شرق بورسعيد”، وذلك على مساحة 20 كيلومترًا مربعًا.

وتمثل هذه الاتفاقية أحد أبرز المشاريع التنموية التي تسعى الحكومة المصرية من خلالها إلى تحقيق طفرة نوعية في المجال الصناعي واللوجستي ضمن نطاق المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والتي تُعد من أهم المناطق الواعدة التي تستهدف الدولة تحويلها إلى مركز اقتصادي عالمي متكامل.

تفاصيل مشروع “كيزاد شرق بورسعيد”

بحسب تصريحات الدكتور وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، فإن المشروع الجديد بين قناة السويس وموانئ أبوظبي يشغل نحو ثلث المساحة الإجمالية للمنطقة الصناعية بشرق بورسعيد، ما يبرز أهمية هذا التوجه من حيث المساحة والاستراتيجية.

وتنص الاتفاقية على منح شركة موانئ أبوظبي حق انتفاع لمدة 50 عامًا قابلة للتجديد، بما يمكّنها من تطوير البنية التحتية للمشروع وتشغيله بالكامل كمطور صناعي رئيسي، وهو ما يعني أنَّها ستتولى جميع أعمال الترفيق الداخلي من طرق، وشبكات كهرباء، وصرف صحي، ومياه، وغيرها من الخدمات، ما يخلق بيئة صناعية مؤهلة لاستقبال الاستثمارات المحلية والأجنبية في مختلف القطاعات.

استثمارات إماراتية تتخطى الملياري دولار

وفقًا لتقديرات مبدئية صرّح بها رئيس الهيئة، من المتوقع أن تصل قيمة الاستثمارات التي ستضخها مجموعة موانئ أبوظبي في البنية التحتية فقط إلى ما بين مليار وملياري دولار، مما يعكس حجم الالتزام والجدية من الجانب الإماراتي، وكذلك ثقتهم في مناخ الاستثمار في مصر، خاصة في ظل الحوافز والتسهيلات التي توفرها الدولة للمستثمرين.

من الجوانب المهمة في هذه الاتفاقية أنَّ مصر ستحصل على نسبة مباشرة من العوائد التي تحققها شركة موانئ أبوظبي من هذا المشروع، وقد تم تحديد هذه النسبة بـ15% من إجمالي إيرادات الشركة الإماراتية المُشغلة للمنطقة الصناعية. وهذا يضمن دخلًا مستمرًا للجانب المصري دون تحمل أعباء مالية إضافية، وهو ما وصفه خبراء اقتصاديون بأنه نموذج مثالي للشراكة الذكية بين الحكومات والمطورين الصناعيين الدوليين.

اقرأ أيضًا: كيف يعزز مشروع ازدواج قناة السويس أهميتها في حركة الملاحة العالمية؟

التزامات كاملة على المطور الإماراتي

بحسب تصريحات الدكتور وليد جمال الدين، فإن جميع الالتزامات التعاقدية تجاه المستثمرين الذين سيتقدمون للحصول على وحدات داخل المنطقة ستكون من مسؤولية مجموعة موانئ أبوظبي، ويشمل ذلك توفير المرافق والخدمات والبنية التحتية اللازمة، وهو ما يعفي الدولة المصرية من تحمل أي أعباء إضافية تتعلق بالإنشاء أو التشغيل، ويعزز من كفاءة إدارة المشروع.

من النقاط التي تم التأكيد عليها أن المستثمرين سيستفيدون من حزمة واسعة من الحوافز الضريبية، سواء المباشرة أو غير المباشرة، التي تقدمها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. إلى جانب ذلك، فإن مصر ترتبط بعدد من الاتفاقيات التجارية الدولية مع الأسواق الإقليمية والعالمية، ما يمنح المنتجات المصنعة داخل هذه المنطقة قدرة تنافسية عالية في التصدير، ويوسّع نطاق الفرص التسويقية والاستثمارية.

قناة السويس.. فرص استثمارية ضخمة

توقّع رئيس الهيئة أن يجذب المشروع استثمارات تتجاوز عدة مليارات من الدولارات خلال السنوات القادمة، نظرًا لموقعه الاستراتيجي في شرق بورسعيد، وقربه من ميناء شرق بورسعيد، الذي يُعد من أهم الموانئ المصرية على البحر المتوسط.

وأشار إلى أن هناك اهتمامًا من قبل مجموعة موانئ أبوظبي بتطوير أرصفة داخل الميناء، ما يفتح الباب أمام تحقيق تكامل لوجستي غير مسبوق بين الميناء والمنطقة الصناعية، وهو ما يحقق فائدة مزدوجة تتمثل في تقليل تكلفة النقل، وتسريع حركة التجارة والتصدير.

وحول ما إذا كانت الدولة المصرية بحاجة إلى ضخ مزيد من الاستثمارات في المشروع، أكد الدكتور وليد جمال الدين أن مصر قامت بالفعل بتوفير البنية الأساسية الضرورية، من طرق رئيسية وشبكات كهرباء ومياه وصرف وموانئ، وبالتالي فإن الأرض باتت مهيأة تمامًا لبدء التنفيذ الفوري للمشروع من قبل الشركة الإماراتية دون أي عوائق.

قد يهمّك أيضًا: تصريحات ترامب حول المرور المجاني بقناة السويس تثير جدلًا واسعًا

كيزاد شرق بورسعيد كنقطة انطلاق للنهوض بالصناعة المصرية

من جهته، أعرب الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن أهمية هذا الاتفاق في إطار الخطة القومية الشاملة لتعزيز التنمية الصناعية واللوجستية في مصر، مشددًا على أن منطقة شرق بورسعيد تمثل إحدى ركائز التطوير في مشروع تنمية محور قناة السويس، والتي ستسهم في مضاعفة الناتج المحلي، وتعزيز الصادرات، وتوفير فرص العمل للشباب، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.

يُنظر إلى مشروع “كيزاد – شرق بورسعيد” باعتباره نقلة نوعية في ملف الاستثمار الصناعي في مصر، إذ يجمع بين عناصر النجاح كافة، بما في ذلك:

  • تمويل أجنبي مباشر.
  • إدارة وتشغيل من قبل كيان عالمي يمتلك الخبرات في مجال المناطق الصناعية واللوجستية.
  • موقع جغرافي استثنائي يطل على ممرات ملاحية دولية.
  • الإرادة السياسية والدعم الحكومي القوي.

فرص عمل وتحفيز للقطاعات الإنتاجية

يأمل القائمون على المشروع المرتقب بين قناة السويس وموانئ أبوظبي، أن يسهم في توليد الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، خاصة مع دخول صناعات متنوعة إلى المنطقة مثل الصناعات الثقيلة، والمعدات، والأدوية، والمواد الغذائية، والإلكترونيات. كما يتوقع أن يدفع المشروع نحو تطوير سلاسل الإمداد المحلية وتحفيز القطاعات الإنتاجية الأخرى المرتبطة به.

تكامل الخدمات اللوجستية والمرافق

من جانبه، أكد الدكتور رمزي الجرم، الخبير الاقتصادي، أنَّ هناك اهتمامًا واضحًا من الجانب الإماراتي بالأرصفة والمرافق اللوجستية في ميناء شرق بورسعيد، وهو ما سيُعزز من التكامل بين الخدمات الصناعية واللوجستية، ويُحوّل منطقة شرق بورسعيد إلى مركز متكامل للإنتاج والتوزيع، بما يُقلل من تكلفة النقل، ويرفع من كفاءة التصدير، ويُزيد من قدرة المنتجات المصرية على المنافسة إقليميًا ودوليًا.

انعكاسات إيجابية على الناتج المحلي والتشغيل

لفت الخبير إلى  أنَّ المشروع سيساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي من خلال رفع مساهمة القطاع الصناعي، إلى جانب خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وتطوير المهارات الفنية والتقنية للعمالة المصرية، بما يتماشى مع رؤية الدولة في تحقيق التنمية المستدامة وتوطين التكنولوجيا.

دور استراتيجي في رؤية مصر 2030

وأشار الدكتور رمزي الجرم إلى أنَّ مشروع “كيزاد شرق بورسعيد” يُعد نموذجًا حقيقيًا لما تسعى إليه الدولة المصرية من خلال رؤيتها للتنمية المستدامة 2030، والتي تستهدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي وعالمي للتجارة والخدمات والصناعة، مشيرًا إلى أن المشروع يُعزز قدرة الدولة على استغلال موقعها الجغرافي وتكامل البنية التحتية لخدمة الاقتصاد الوطني.

وعن مدى جاهزية الأرض والبنية الأساسية، أكد أن الدولة المصرية قد أنجزت بالفعل أغلب شبكات المرافق من طرق وكهرباء وصرف ومياه، وهو ما يعني أن المشروع يمكن أن يبدأ تنفيذه خلال فترة زمنية قصيرة دون الحاجة إلى ضخ استثمارات حكومية إضافية، وهو ما يعكس نجاح الدولة في توفير بيئة استثمارية محفزة.

وشدد الجرم على أن المشروع يُمثل فرصة حقيقية لزيادة حجم الصادرات الصناعية، لا سيما في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، ما يُساعد في تقليص عجز الميزان التجاري، وتحقيق معدلات نمو أكثر استقرارًا على المدى المتوسط والطويل.

اقرأ أيضًا: ما أهمية قناة السويس للتجارة العالمية؟

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة