اشتعال المواجهة بين ترامب وإيلون ماسك.. من التحالف إلى التهديد
تجددت حدة الخلاف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس، عقب إقرار مجلس الشيوخ، مساء الثلاثاء، لما بات يعرف بـ“قانون ترامب الكبير الجميل”، الذي يُعد أبرز إنجاز تشريعي لترامب منذ انطلاق حملته الانتخابية.
القانون الجديد يتضمن تخفيضات ضريبية ضخمة، واقتطاعات واسعة في مجالات الرعاية الصحية، ورفع سقف الدين الأمريكي بمقدار خمسة تريليونات دولار، وقد حظي القانون بالتمرير بعد تصويت نائب الرئيس جيدي فانس، الذي كسر التعادل في مجلس الشيوخ، لتُعاد الحزمة الآن إلى مجلس النواب للنظر النهائي فيها.
سجالات حادة بين الطرفين
لم يُخفِ إيلون ماسك معارضته الشديدة لهذا المشروع الذي اعتبره “توسعًا غير مقبول في الدين الفيدرالي”، واصفًا إياه في تصريحات عبر منصة “إكس” بأنه “انتحار سياسي” و”جنوني ومدمر تمامًا”، وأضاف أن القانون يمنح امتيازات للصناعات التقليدية، بينما يضر بصناعات المستقبل مثل الطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة.
وقال في منشور آخر له إنَّ القانون “سيضيف 3.3 تريليون دولار إلى العجز المالي الأمريكي خلال العقد القادم”، مشيرًا إلى أنه يقلل من دعم التأمين الصحي وبرامج الغذاء الموجهة للأسر ذات الدخل المنخفض، في الوقت الذي يرفع فيه الإنفاق على الأمن والدفاع.
من جانبه، هاجم ترامب ماسك بشدة عبر منشور على منصته “تروث سوشال”، منتقدًا الدعم الفيدرالي الذي تلّقته شركاته، خصوصًا في قطاع السيارات الكهربائية، وقال: “بدون هذا الدعم، سيضطر ماسك على الأرجح إلى إغلاق أعماله والعودة إلى جنوب أفريقيا”، وحين سُئل عما إذا كان سيفكر في ترحيل ماسك، رد ترامب: “سيتعين علينا البحث”.
من داعم ترامب إلى مؤسس حزب جديد
تأتي هذه التطورات رغم أن ماسك كان أحد أبرز داعمي حملة ترامب الرئاسية لعام 2024، إذ أنفق أكثر من 196 مليون دولار لدعم ترشحه، لكن الخلاف حول القانون الجديد قلب المعادلة، ودفع ماسك إلى التلويح بفكرة تأسيس حزب سياسي جديد تحت اسم “حزب أمريكا”، في إشارة إلى رغبته في خلق بديل للمنظومة الحزبية الحالية التي يراها مقيدة وغير معبرة عن المستقبل.
اطّلع على تفاصيل الخلافات السابقة بين ترامب وإيلون ماسك حول الرسوم الجمركية
صراع النفوذ بين ترامب وإيلون ماسك
يُشير هذا الخلاف المتجدد بين ترامب وماسك إلى تصدع العلاقة بين اثنين من أكثر الشخصيات نفوذًا في المشهدين السياسي والاقتصادي الأمريكي، وبينما يرى ترامب أن مشروعه التشريعي انتصار للحكومة القوية والاقتصاد التقليدي، يراه ماسك تهديدًا مباشرًا للابتكار والإصلاحات المستقبلية، ما يفتح الباب أمام معركة ممتدة قد تُعيد تشكيل موازين القوى في الداخل الأمريكي.
وفي هذا الصدد، علّقت الدكتورة مروى خضر، الخبيرة في الشأن الاقتصادي، أنَّ ما يجري “أبعد من مجرد خلاف شخصي، فهو صدام استراتيجي يمس جوهر النظام السياسي الأمريكي وتوزيع النفوذ المالي”.
وقالت: “الرئيس ترامب ألمح صراحة إلى ضرورة مراجعة الدعم الفيدرالي الذي تتلقاه شركات ماسك مثل تسلا وسبيس إكس، بهدف تقليص الإنفاق الحكومي، وذهب إلى أبعد من ذلك حين صرح أنَّ إيلون ماسك قد يكون أكثر شخص تلقى دعمًا في التاريخ، وأنه دون هذا الدعم سيضطر إلى التوقف عن العمل والعودة إلى جنوب أفريقيا”.
وأضافت: “قال ترامب أيضًا في تصريحات تحمل لهجة تصعيدية إنه لن يكون هناك مزيد من إطلاق الصواريخ أو إنتاج السيارات الكهربائية، ولعلّ هذا يعد محاولةً مباشرةً لتقويض منظومة أعمال ماسك، الأمر الذي يشكل تهديدًا واضحًا لبنية الابتكار التكنولوجي في الولايات المتحدة“.
وحول رد فعل ماسك، أوضحت خضر أنّ إيلون ماسك لم يكتف بالرد الاقتصادي، بل أعلن عبر منصة (إكس) أنه “في حال تمرير مشروع قانون الإنفاق المدعوم من ترامب، فسيتم الإعلان في اليوم التالي عن تشكيل حزب سياسي جديد يحمل اسم (حزب أمريكا)، ليكون بديلاً عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري”.
وأضافت: “ماسك قال بوضوح إن كل عضو في الكونغرس سيصوّت لصالح مشروع قانون ترامب، سيخسر مقعده في انتخابات التجديد النصفي 2026، ما يكشف عن طموح سياسي متنامٍ لدى الرجل قد يغير من معادلة الحكم التقليدية في الولايات المتحدة”.
تشكيك في شرعية ماسك كمواطن أمريكي
لفتت الخبيرة الاقتصادية إلى أنّ ترامب ومحيطوه، في تطور خطير، بدؤوا بالتشكيك بشرعية ماسك كمواطن أمريكي، خاصة أنه وُلد في جنوب أفريقيا، وكان يحمل الجنسية الكندية قبل حصوله على الجنسية الأمريكية، وهذا يُعد مؤشرًا على سعي ترامب إلى نزع الشرعية الأخلاقية والسياسية عن ماسك، تمهيدًا لعزله شعبيًا”.
وقالت خضر إنّ ما سبق من تصريحات الرئيس الأمريكي يشير إلى أنه يحاول “شيطنة ماسك إعلاميًا وسياسيًا” قبل أن يتمكن الأخير من بلورة كيان سياسي فعلي؛ فقد سبق لماسك أن هاجم ترامب ثم عاد واعتذر، إلا أن لغة الهجوم هذه المرة أشد وضوحًا وحِدة، غير أنّها تستهدف التأثير على طموحات ماسك المستقبلية.
وأضافت: “ماسك، رغم ثروته الهائلة، ليس محبوبًا على الصعيد الشعبي، كما أنَّ المؤسسة السياسية الأمريكية، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، لا تنظر إليه على أنه شريك موثوق، وقد سبق أن اصطدم مع عدة مؤسسات حكومية خلال عمله في إدارة الكفاءة، ما جعله مكروهًا داخل أروقة السلطة”.
واختتمت الخبيرة حديثها بالتأكيد على جدية المحاولات لتقويض الإمبراطورية الاقتصادية التي بناها ماسك، سواء عبر الضغط القانوني أو من خلال الحملات الإعلامية، أو حتى عبر تقليص الدعم الذي تعتمد عليه قطاعات مثل ستارلينك وتيسلا، خاصة أنّ ترامب اليوم لا يتحرك باعتباره رئيسًا فحسب، بل كمنافس أدرك خطورة صعود ماسك كلاعب سياسي محتمل.
قد يهمّك أيضًا: تفاصيل الاتفاق التجاري بين أمريكا والصين وتأثيره على الاقتصاد العالمي