اضطرابات البحر الأحمر.. تهديد متصاعد للاقتصاد العالمي وقناة السويس
مع تصاعد الاضطرابات في البحر الأحمر واستمرار الهجمات التي تنفّذها جماعة الحوثي على السفن التجارية، تتزايد المخاوف بشأن التداعيات الاقتصادية العالمية، لا سيَّما على قطاع الملاحة البحرية وإيرادات قناة السويس؛ إذ تجد شركات الشحن نفسها مضطرة للبحث عن مسارات أكثر أمانًا، مثل طريق رأس الرجاء الصالح، مما يفاقم التحديات التي تواجه أحد أهم الممرات المائية في العالم.
هذا التحول قد يؤدي إلى انخفاض إيرادات القناة، وارتفاع تكاليف الشحن، وتأثيرات مباشرة على حركة التجارة الدولية، مما يزيد الضغوط على سلاسل الإمداد العالمية ويُهدد بتباطؤ اقتصادي في بعض القطاعات الحيوية.
اضطرابات البحر الأحمر وتأثيرها على الملاحة البحرية
من جانبه، أكَّد الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، أنَّ التوترات الحالية في البحر الأحمر والهجمات التي تشنُّها جماعة الحوثي تؤثِّر بشكل مباشر على الملاحة البحرية وعائدات قناة السويس، مشيرًا إلى أنَّ عامي 2024 و2025 شهدا تصاعدًا في التحديات التي تواجه الممرات البحرية الاستراتيجية.
وأوضح أنَّ استمرار الاعتداءات على السفن التجارية دفع العديد من الخطوط الملاحية إلى اتِّخاذ مسارات بديلة عبر رأس الرجاء الصالح، رغم ارتفاع تكلفة هذا الخيار، لافتًا إلى أنَّ هذا التوجه جاء نتيجة عدم استقرار الأوضاع الأمنية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
وأضاف أنَّ انخفاض أسعار النفط، التي تدور حول 70 دولارًا للبرميل، أسهم في استمرار هذا التحول، حيث لم تعد شركات الشحن مضطرة إلى المجازفة بالمرور عبر قناة السويس في ظل التهديدات القائمة.
التداعيات الاقتصادية والتصعيد العسكري
أشار الدكتور محمد أنيس إلى أنَّ التصعيد العسكري بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران وجماعة الحوثي من جهة أخرى، قد يزيد من المخاطر الاقتصادية، لافتًا إلى أنَّ الحرب التجارية التي تقودها إدارة ترامب، واحتمالية تباطؤ الاقتصاد الأمريكي والعالمي في عام 2025، تعد من العوامل التي تزيد الضغوط على التجارة الدولية وحركة الشحن البحري.
وفي هذا السياق، قال أنيس: “التأثير السلبي على الملاحة في البحر الأحمر ينعكس مباشرة على الاقتصاد المصري، حيث تعتمد قناة السويس على الاستقرار الإقليمي لضمان تدفق التجارة العالمية، وأيّ تصعيد عسكري أو استمرار للتهديدات سيؤثر على عائداتها بشكل كبير”.
كما أشار إلى أنَّ عودة حركة الملاحة عبر قناة السويس إلى طبيعتها تتوقف على إزالة التهديدات العسكرية التي تواجه السفن التجارية، مؤكِّدًا أن الحل الوحيد لاستعادة الثقة في الممرات البحرية هو تحييد القدرات الهجومية لجماعة الحوثي في البحر الأحمر.
وأضاف: “لا يمكن لأي تخفيضات أو حوافز مالية أن تُعَوِّض مخاطر أمنية تهدد رؤوس الأموال في قطاع الشحن البحري؛ فالشركات لن تخاطر بسفنها وأطقمها طالما أن التهديدات مستمرة”.
هل تعود أزمة البحر الأحمر لتتفاقم من جديد؟ اقرأ التحليل الكامل!
البدائل الممكنة ومستقبل التجارة البحرية
أكَّد الدكتور محمد أنيس أنَّ البدائل الحالية، مثل الممرات التجارية عبر الهند والدول العربية وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط، ما زالت غير قادرة على تعويض قناة السويس بشكل كامل، لكنَّها قد تمثل تحديًا طويل الأمد إذا لم تتم معالجة الأزمة الأمنية في البحر الأحمر.
كما شدَّد الخبير على أهمية التعاون الدولي لضمان أمن الممرات البحرية، مشيرًا إلى أنَّ مبادرات مثل عملية “حارس الازدهار” يمكن أن تساعد في تعزيز الاستقرار، لكنَّه يرى أنَّ الحل الأمثل يكمن في إشراك الدول المتضررة من هذه الأزمة، وليس الاقتصار على الجهود الأمريكية وحدها.
وفي ختام تصريحاته، قال: “التعامل مع التحديات الاقتصادية الناجمة عن الأوضاع في البحر الأحمر يتطلب حلولًا شاملة تشمل الجوانب الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية، لضمان استقرار التجارة الدولية واستمرار دور قناة السويس كممر استراتيجي حيوي”.
واتفق الدكتور هاني حافظ، الخبير الاقتصادي، مع رأي أنيس مؤكداً أنَّ الأزمة في البحر الأحمر تُشَكِّل تحديًا خطيرًا للتجارة العالمية؛ حيث تؤثر الاضطرابات البحرية على تكاليف الشحن والتأمين وأسعار الطاقة، مما ينعكس سلبًا على الأسواق الدولية.
الخسائر الاقتصادية للدول المطلة على البحر الأحمر
أوضح حافظ أنَّ تكلفة التأمين على الشحن عبر البحر الأحمر ارتفعت بنسبة 300% بسبب المخاطر الأمنية، مما أدى إلى زيادة أسعار الوقود وارتفاع تكاليف التشغيل، وهو أحد العوامل التي ساهمت في موجة التضخم العالمي لعامي 2023-2024.
وأشار إلى أنَّ مصر تتكبد خسائر شهرية تصل إلى 800 مليون دولار نتيجة تراجع إيرادات قناة السويس، وذلك بسبب تحوّل بعض السفن إلى طرق بديلة أكثر أمانًا، كما أنَّ الاقتصادات الإقليمية الأخرى، مثل موانئ فلسطين والهند، تعرَّضت لخسائر بمليارات الدولارات نتيجة تراجع حركة الشحن البحري.
التأثير على أسعار الطاقة والتضخم
شدَّد حافظ على أنَّ الدول التي تعتمد على تصدير النفط عبر هذا الممر الاستراتيجي تواجه تحديات كبيرة في إيجاد بدائل فعالة للملاحة عبر البحر الأحمر، حيث إنَّ عقود تصدير النفط عادةً ما تكون طويلة الأجل تمتد لعشرين أو ثلاثين عامًا، ما يجعل البحث عن طرق بديلة أمرًا معقدًا ومكلفًا.
وبالتالي، فإنّ اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر أدَّت إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا، حيث اضطرت العديد من الدول وشركات الطاقة الكبرى إلى إيجاد بدائل مؤقتة لنقل النفط والغاز، لكنَّها لم تكن بنفس الكفاءة من حيث التكلفة والجودة وسرعة النقل.
وأضاف الخبير أنَّ أسعار النفط قد تستمر في الارتفاع إذا تصاعدت حدة التوترات، مشيرًا إلى أنَّ إغلاق البحر الأحمر أو استهداف المزيد من السفن قد يدفع الأسعار إلى مستويات قياسية تتجاوز 100 دولار للبرميل.
تداعيات على سلاسل الإمداد
أوضح حافظ أنَّ الشركات الكبرى، وخاصة في قطاع الشحن والطاقة، اضطرت إلى تغيير مسارات سفنها، مما أدّى إلى ارتفاع تكلفة النقل وتفاقم أزمات سلاسل الإمداد؛ حيث لجأت بعض الشركات إلى تحمُّل المخاطر والملاحة في البحر الأحمر رغم التهديدات الأمنية، في حين فضَّلت شركات أخرى تجنُّب المنطقة تمامًا.
وأشار إلى أنَّ التأثير الأكبر كان على تكاليف التأمين والوقود، حيث ارتفعت تكلفة التأمين بنسبة 600%، بينما ارتفعت تكاليف الوقود بسبب الحاجة إلى الإبحار عبر مسارات أطول وأكثر استهلاكًا للطاقة.
اطّلع أيضًا على تكلفة حرب غزة على التجارة في البحر الأحمر.. أرقام صادمة!
مستقبل الأمن البحري في البحر الأحمر
أشار الدكتور هاني حافظ إلى أنَّ أسعار النفط ستظل مرهونة بالتطورات السياسية والعسكرية في المنطقة، مؤكِّدًا أن أي تصعيد جديد في البحر الأحمر قد يؤدي إلى ارتفاعات إضافية في الأسعار، في حين أن أي اتفاقات دولية لخفض التوتر قد تساهم في استقرار الأسواق.
وأضاف: “الوضع في البحر الأحمر حساس للغاية، والأسواق تترقب يومًا بعد يوم، وفي حال استمرَّت الهجمات على السفن، فقد نشهد قفزات جديدة في أسعار النفط والتأمين، مما سيؤثر على التضخم العالمي بشكل أوسع”.
وختم حافظ حديثه بالتأكيد على أنَّ الاقتصادات العالمية تحتاج إلى حلول طويلة الأجل لتعزيز أمن الملاحة في البحر الأحمر، مشيرًا إلى أهمية التعاون الدولي لتخفيف تداعيات الأزمة على التجارة وسلاسل الإمداد.
اقرأ أيضًا: كيف هزت أزمة الشحن في البحر الأحمر التجارة العالمية؟