هل تعود أزمة البحر الأحمر؟ تداعيات تصريحات ترامب على الملاحة
تقرير: باسل محمود
لم تَكَد صناعة الشحن البحري تلتقط أنفاسها بعد أكثر من عام من الاضطرابات في ممر البحر الأحمر الحيوي، حتى جاء اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالاستيلاء على غزة، ليُعيد خلط الأوراق ويُغَذّي المخاوف من تصاعد التوترات مجددًا، بحسب فايننشال تايمز.
لم يَكُن إعلان ترامب، الذي جاء بشكل مفاجئ، مجرَّد تصريح سياسيٍّ عابر، بل كان له أثر بالغ على ديناميكية الملاحة العالمية، حيث ألقى بظلاله على آمال استئناف حركة الشحن بسلاسة في هذا الممر الاستراتيجي، فقلب المشهد رأساً على عقب، وأعاد أجواء التوتر وعدم اليقين إلى المنطقة، مما أثار مخاوف من عودة التهديدات الحوثية للسفن التجارية. فهل كانت بوادر الانفراج مجرد سراب في صحراء الأزمات السياسية؟
اقتراح ترامب يعيد أزمة البحر الأحمر
أثار إعلان ترامب هذا الأسبوع قلقاً واسعاً بين المسؤولين التنفيذيين في قطاع الشحن البحري، حيث قال جان ريندبو، الرئيس التنفيذي لمجموعة “نوردن” لشحن السلع، إنَّ خطة ترامب زادت من تعقيد الأوضاع في الشرق الأوسط، وأطالت من أمد أزمة البحر الأحمر.
وأضاف أنَّ هذا الاقتراح أعاد إلى الأذهان سيناريوهات عدم الاستقرار، وربما يدفع الحوثيين إلى التراجع عن تعهداتهم الأخيرة بوقف الهجمات، كما أنّ الشركات بدأت بالفعل تتلمس تبعات هذا الاقتراح.
وفي سياق متصل، قال لارس ينسن، الرئيس التنفيذي لشركة “Vespucci Maritime”، إنَّ “الآمال التي بدأت تتشكل لاستئناف الملاحة عبر البحر الأحمر تلاشت سريعاً”.
وتابع: “قبل أسبوع فقط، كنا نرى بصيص أمل في نهاية النفق، لكن الآن يبدو أنَّ العودة إلى المسار الطبيعي أصبحت بعيدة المنال”.
الحوثيون يعيدون ترتيب أوراقهم
في 19 يناير 2025، أعلن الحوثيون رفع العقوبات عن معظم السفن باستثناء تلك المسجلة أو المملوكة لكيانات إسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى زيادة طفيفة في الشحنات العابرة من محيط اليمن، وقد شهد مضيق باب المندب مرور 223 سفينة في الأسبوع التالي، وفقاً لبيانات “Lloyd’s List Intelligence”.
لكن مع اقتراح ترامب، بدأت المخاوف تتصاعد مجدداً، حيث أوضحت المحللة البحرية بريجيت دياكون أنَّ “عددًا قليلاً من السفن عادوا للمرور عبر البحر الأحمر، لكن الكثير منهم لا يزال ينتظر دلائل على استقرار الأوضاع”.
ويتوقّع المسؤولون التنفيذيون في قطاع الشحن الآن أن تعود جماعة الحوثيين إلى تهديد السفن، وهذا سيُعيد المنطقة إلى دائرة الخطر مجددًا.
تأثير الأزمة على حركة التجارة العالمية
لم تتوقف تداعيات الأزمة عند الحدود الإقليمية، بل امتدت إلى سلاسل الإمداد العالمية؛ فمنذ بدء الهجمات الحوثية في أواخر 2023 دعماً للفلسطينيين في غزة، اضطرت العديد من السفن لتجنُّب البحر الأحمر وسلوك طرق أطول حول رأس الرجاء الصالح. هذه التحويلات أدت إلى زيادة كبيرة في أوقات الشحن وتكاليفه، ما أثر بشكل مباشر على حركة التجارة بين أوروبا وآسيا.
وعلى الرغم من إعلان الحوثيين عن وقف استهداف السفن، لا تزال الشركات الكبرى مثل “AP Møller-Maersk” مترددة في استئناف المرور عبر البحر الأحمر؛ حيث توقّعت الشركة أن تعود التجارة عبر هذا الممر الحيوي في أفضل الأحوال بحلول منتصف 2025، وفي أسوأ السيناريوهات قد تظل مقيَّدة حتى نهاية العام.
ناقلات الغاز وتحديات المرور عبر البحر الأحمر
وسط هذا المشهد المتقلب، كانت هناك محاولات حذرة لاستئناف حركة الشحن، وقد أفادت شركة “ICIS” المتخصصة في بيانات السلع بأنَّ ناقلة الغاز الطبيعي المسال “Salalah LNG” التي غادرت عمان مؤخراً، كانت في طريقها إلى ميناء تركي، لتصبح أوَّل شحنة غاز غير روسي تمر عبر البحر الأحمر منذ أكثر من عام.
هذه الخطوة كانت بمثابة اختبار حقيقي لمستوى الأمان في المنطقة، لكنَّها ظلت محفوفة بالمخاطر في ظل تصاعد التوترات.
ومن جانبه، أوضح الرئيس التنفيذي لشركة “Maersk”، فينسنت كليرك، أنَّ العودة إلى استخدام قناة السويس ليست قراراً بسيطاً، فهي “عملية معقدة للغاية، وعلينا التأكد من أنّنا لن نعود لفترة قصيرة فقط، لأنّ العملاء لا يريدون تقلبات مستمرة”، على حدّ تعبيره.
تداعيات الأزمة على الاقتصاد العالمي
تعليقاً على الوضع الحالي، أشار كليرك إلى أنَّ استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تحقيق أرباح تشغيلية تُقَدَّر بـ3 مليارات دولار لشركته بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، لكنّه أكَّد أنَّ هذا الربح لا يعوض الخسائر على مستوى استقرار السوق وثقة العملاء.
ويتفق المحللون على أنَّ أيّ تصعيد جديد في البحر الأحمر سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي، خصوصاً مع تزايد الاعتماد على هذا الممر لنقل السلع الحيوية مثل النفط والغاز. وفي ظل هذه الأجواء، يتعيَّن على الشركات والحكومات مراقبة الأوضاع من كثب واتخاذ تدابير احترازية لضمان استقرار سلاسل الإمداد.
بين بوادر الأمل وإشارات الخطر، يقف قطاع الشحن البحري في منطقة البحر الأحمر على مفترق طرق، حيث كان لاقتراح ترامب أثر مباشر على حركة التجارة العالمية، خاصةً أنّه أعاد فتح جراح منطقة لم تندمل بعد.
ويبدو أنَّ طريق العودة إلى الاستقرار لن يكون سهلاً ولا سريعاً، فبينما تنتظر الشركات دلائل على الهدوء، تبقى سلاسل الإمداد العالمية رهينة لمتغيرات سياسية وعسكرية يصعب التنبؤ بمآلاتها.
اقرأ أيضًا: كيف يؤثر وقف الحرب في غزة على الاقتصاد العالمي؟