الإمارات تنافس أوروبا في القارة الإفريقية

تقرير: باسل محمود

الإمارات منافس قوي لأوروبا وتهدد نفوذها في القارة الإفريقية، خلاصة دراسة لمجلس العلاقات الخارجية الأوروبي.

الدراسة اوضحت أنه منذ عام 2020، وسعت الإمارات بشكل استراتيجي مشاركتها في إفريقيا، مما يمثل تحولاً كبيراً في سياستها الخارجية ويجعلها قوة متوسطة التأثير في القارة السمراء قادرة على منافسة أوروبا.

ركزت الإمارات بشكل خاص، على قطاعات الطاقة في إفريقيا، وزادت من استثماراتها في النفط والغاز والطاقة المتجددة، والمعادن الحيوية.

تقدم هذه المشاركة تحديات لأوروبا، حيث تستحوذ الإمارات على حصص في السوق الإفريقية وتروج لنموذج انتقال أخضر، يتماشى أكثر مع احتياجات وأيديولوجية الدول الإفريقية.

ومع ذلك، تشترك أوروبا في بعض الأهداف مع الإمارات وإفريقيا، مثل انتشار الطاقة المتجددة والوصول إلى الطاقة في البلدان الإفريقية.

لذلك ينبغي على أوروبا اتباع استراتيجية “التعاون التنافسي” تجاه الإمارات، للموازنة بين المنافسة في المجالات التي تمتلك فيها مزايا نسبية والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

ومن خلال التعاون مع الإمارات، يمكن للاتحاد الأوروبي المساعدة في تسريع تنفيذ مبادرات خضراء في إفريقيا، والترويج لحلول عملية للانتقال الطاقي، مما قد يعزز جاذبيته كشريك شامل في الجنوب العالمي.

الإمارات لاعب قوي منافس لأوروبا

يؤثر عدد من القوى المتوسطة، مثل الهند وتركيا إلى دول الخليج، على مشاركة أوروبا في جميع أنحاء إفريقيا.

هذه القوى المتوسطة، وسعت مشاركتها في السياسة والأمن والاقتصاد والطاقة والمناخ في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، مستغلة المنافسة بين القوى العظمى، وتجزئة النظام العالمي لصالحها.

اقرأ أيضا: الدول الخليجية تنافس بقوة في إفريقيا

وبحسب مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي، لا تميل هذه القوى إلى العمل وفقًا لمنطق التحالفات الثابتة، بل تتفاعل مع شركاء رئيسيين من الشمال والجنوب العالمي في مختلف القضايا على الرغم من الاختلافات.

وتشكل نظامًا عالميًا متزايدًا في الطابع التجاري، والذي لم يكن الأوروبيون مستعدين له.

الإمارات قوة نشطة في إفريقيا

بحسب المجلس، برزت الإمارات كقوة متوسطة نشطة بشكل استثنائي في إفريقيا خلال العقد الماضي.

ومنذ عام 2020، وسعت الإمارات نفوذها الاقتصادي وقوتها من مناطقها التقليدية في شمال وشرق إفريقيا إلى جميع أنحاء القارة، معتمدة نهجًا أكثر مركزية واستراتيجيًا جغرافيًا من أي وقت مضى.

وعلى وجه الخصوص، ركزت الإمارات اهتمامًا كبيرًا على الطاقة غير المستغلة في إفريقيا، وزادت استثماراتها في النفط والغاز والطاقة المتجددة، وكذلك في قطاع المعادن الحيوية.

وتعد الإمارات شريكًا جذابًا للدول الإفريقية في هذا الصدد، بفضل جيوبها العميقة ودعمها للمواقف الإفريقية تجاه الانتقال الطاقي.

المجلس أوضح أن تفضيل الإمارات الانتقال التدريجي للطاقة بعيدًا عن الوقود الأحفوري، يتماشى مع المطالب الإفريقية لتحقيق التوازن بين الأجندة الخضراء والاهداف الاقتصادية والاجتماعية.

أكبر الاستثمارات في إفريقيا

ريادة إماراتية في إفريقيا

يقول خبير النفط والطاقة العالمي، الدكتور ممدوح سلامة، في تصريحات خاصة لـ”Econ-Pedia”، إن الامارات بالغة الأهمية، خاصة أنها في طريق التحول إلى دولة متقدمة.

ومن هذه الزاوية، تسعى دولة الإمارات إلى استثمارات عالمية في مختلف أنحاء العالم، لتقوية اقتصادها، وتخفيف اعتمادها على النفط.

وأضاف: “من هنا تأتي أهمية استثمارات الإمارات بالطاقة في إفريقيا، إذ أنه سيساعد القارة التي تعوم على كميات واحتياطات ضخمة من النفط والغاز، في تطوير هذه الطاقة”.

وأوضح أيضا “نعلم أن إفريقيا هي أفقر القارات في العالم من حيث الطاقة، بمعنى أن الشعوب الإفريقية لا تستفيد من الاحتياطي الضخم من الغاز والنفط الموجود تحت أراضيها، مما يؤثر على نموها الاقتصادي”.. بحسب سلامة.

وافقته الرأي مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لوري هايتيان، التي قالت لـ”Econ-Pedia”، إن الإمارات دولة قوية اقتصاديا، ولديها شركات ومؤسسات تمكنها من لعب دورا في مساعدة اقتصادها، ورؤيتها لعلاقتها الخارجية، وفي هذا الإطار، نرى اليوم السعي الإماراتي عبر الشركات والمؤسسات التي لديها، بالاستثمار خارج البلاد لأهدافها الاقتصادية والسياسية وغيرها.

وأضافت: “هذا ما نراه منذ فترة يحدث في الاستثمارات في القارة الإفريقية، وبالتالي اليوم الإمارات لاعب جديد في العديد من القطاعات الرئيسية مثل الطاقة والطاقة المتجددة والمعادن“.

وأوضحت أن الفرص الاقتصادية والمالية للإمارات بحد ذاتها تأتي أولا، وبالشراكة مع الآخرين، على أمل أن تكون هذه شراكات مربحة للطرفين في المستقبل.

توسع الإمارات في إفريقيا خطر على أوروبا

المجلس الأوروبي حذر من أنه لا يمكن لصناع السياسات الأوروبيين تجاهل الوجود المتزايد للإمارات في إفريقيا

قائلا إن قوة الإمارات المالية، إلى جانب حاجتها الوجودية لتنويع إيراداتها بعيدًا عن النفط والغاز، والشبكة اللوجستية المتوسعة في القارة، وطموحاتها الجيوسياسية تمكنه الإمارات من أن تصبح رائدة في قطاعات الطاقة المتجددة، وتجعل من أبوظبي مخاطرة محتملة لنفوذ أوروبا في إفريقيا.

اقرأ أيضا: سباق النفوذ بين الصين والغرب في إفريقيا.. من سيبسط سيطرته؟

وفي مواجهة هذه العوامل، قد ترى أوروبا بسرعة فقدان الوصول إلى الأسواق والسيطرة على طرق التجارة.

علاوة على ذلك، من خلال المساهمة النشطة في كهربة أفريقيا وربطها، وتصوير نفسها كلاعب عالمي مسؤول، تكسب الإمارات تفضيلًا في إفريقيا، مما قد يقلل من جاذبية أوروبا المتناقصة بالفعل في القارة، في الوقت نفسه، فإن اختلافاتها حول السعي لتحقيق أهداف المناخ الصفرية تحدي لنهج أوروبا تجاه إزالة الكربون.

تقول مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “هناك أيضا لاعبون من الشرق الأوسط، مثل الإمارات والسعودية، لأن هذه الدول لديها القدرات المالية، والأدوات اللازمة ليكون لديها دور في هذا التنافس الذي يجري، وبالتالي يجب أن يكون هذا التنافس شرعيا، ويجب أن يكون فيما يخدم الشعوب”.

عودة للتنافس العالمي على الطاقة النظيفة

وأضافت: “نرى أن هناك عودة إلى التنافس العالمي على مصادر الطاقة، خاصة المعادن الأساسية أو الحساسة، وهذا واضح في كل مكان في العالم، سواء نتحدث عن إفريقيا أو أميركا اللاتينية، أو أوروبا أو الصين”.

وأوضحت أن التنافس على مصادر الطاقة ضروري، لأن هذه المصادر مطلوبة للمستقبل، ومحل اهتمام كل من يريد الانتقال إلى الطاقات المتجددة.

وبالتالي هناك نوع من التنافس بين الدول التي لديها القدرات، وهذا النوع نراه في إفريقيا وفي أميركا اللاتينية بين عدة لاعبين، مثل الأميركيين والشركات الأوروبية والصين.

توسع الإمارات في إفريقيا تحدٍ للدول الغربية

بينما يرى خبير النفط والطاقة العالمي، الدكتور ممدوح سلامة، أن استثمارات دولة الإمارات ونفوذها المرتفع الآن في الدول الإفريقية، يشكل تحديا لمصالح الدول الغربية ولسياساتها الخضراء.

أوضح أن دول مجلس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تمنع أو تحول دون الوصول إلى الدول الإفريقية لتطوير احتياطيها من النفط والغاز، بحجة أن هذه الاستثمارات ستصبح ليس لها وجود في عام 2030.

“هم يقصدون أن الطاقة المتجددة ستتفوق في ذلك الوقت على طاقة النفط والغاز والفحم وهذا كذب كبير ولا يعتمد على الحقيقة”.. بحسب سلامة.

وتابع: “يريدون من الدول الإفريقية طبقا لسياساتهم الخضراء، أن تبقي النفط والغاز تحت أراضيها، وتركز بدلا عن ذلك في تخفيض الانبعاثات السامة، وهذا لا يصح، لأن الدول الإفريقية هي الأقل في العالم من حيث الانبعاثات السامة، إذ أن نسبة مساهمتها في الانبعاثات السامة في العالم، لا تزيد عن 2.9% من إجمالي الانبعاثات”.

استراتيجية التعاون التنافسي

يحتاج الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، إلى إعادة تقييم تصورهم وتعاملهم مع الإمارات في إفريقيا، مع تحديد المجالات، التي لا يزالون فيها قادرين على المنافسة والاعتراف بنواقصهم المتزايدة في مجالات أخرى.

وبدلاً من اعتبار الإمارات مجرد منافس، يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، أن يطوروا نهجًا أكثر توازنًا لما يسمى بـ “التعاون التنافسي”.

مزايا تمتلكها أوروبا لمنافسة الإمارات

تتمتع الدول الأوروبية بمزايا نسبية، يمكنها استخدامها للمنافسة مع الإمارات في بعض المجالات، حيث تعتبر أوروبا أكبر حامل للاستثمارات الأجنبية المباشرة في إفريقيا؛ ولا تزال شركات الطاقة التابعة لها مهيمنة في قطاعات الطاقة التقليدية، وتمتلك رأس المال التكنولوجي والبشري الكبير؛ ويمنحها انخراطها التاريخي في الدول الإفريقية ثروة من المعرفة والشبكات.

شراكات رابحة

ومع ذلك، يتجاوز التعاون المنافسة، وعلى الرغم من وجهات النظر المختلفة، حول سرعة ومسار الانتقال الطاقي، فإن المواقف الأوروبية والإماراتية والإفريقية تتلاقى على الأهداف الشاملة، وهي توسيع الطاقة المتجددة وزيادة الوصول إلى الطاقة في إفريقيا.

اقرأ أيضا: إفريقيا أول ضحايا التغير المناخي

وتعليقا على ذلك، قالت مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتيان: “هنا، يمكن لجميع الشركاء الاستفادة من التنسيق، الذي من شأنه تخفيف المخاطر وتقليل تكاليف الاستثمار.

ويجب أن تكون هناك شراكات رابحة، بين المؤسسات والشركات الإماراتية، والشركات أو الحكومات الإفريقية في الطاقة والمعادن والطاقات المتجددة”.

وأضافت: “كل هذا يجب أن يكون في إطار شراكات رابحة للطرفين، وبالتالي هذا يجعل هناك استفادة للشركات الإماراتية التي تدخل في السوق الأفريقية، ولكن هناك أيضا استفادة للحكومات والشعوب الإفريقية، في الحصول على الطاقة وعلى استثمارات من خلال هذه الشراكات، التي تكون عائداتها كبيرة.

وشددت على ضرورة أن تكون هناك شفافية في الإفصاح عن هذه الشراكات والعقود التي توقع مع الحكومات الإفريقية، وهذا ليس فقط للشركات الإماراتية، وإنما أيضا للشركات العالمية، التي تدخل سوق الطاقة في إفريقيا، لضمان فعالية العمل في هذه الدول، وإنجاح هذه الشراكات.

رب ضارة نافعة

قدم تفكك النظام العالمي، الذي أعقب جائحة كورونا، وتفاقم التوترات التجارية التكنولوجية بين واشنطن وبكين إلى جانب أزمة أوكرانيا فرصة وحوافز للإمارات، للسعي نحو دور عالمي أقوى.

ولهذا الغرض بدأت في تنويع تحالفاتها الاستراتيجية بشكل أكبر، خاصة مع الحلفاء غير التقليديين في الجنوب العالمي، كفاعل جيواقتصادي كبير في هذا النظام الناشئ.

وتمكنت الإمارات من موازنة العلاقات بعناية مع الشركاء التجاريين والاستثماريين الرئيسيين في الشمال العالمي، مع استكشاف فرص جديدة مع الشركاء من الجنوب العالمي، مثل تلك الموجودة في مجموعة بريكس التي انضمت إليها الإمارات في يناير 2024.

وتمكنت الإمارات أيضًا من الاستفادة من استياء إفريقيا المتزايد من الغرب، وخاصة أوروبا، بسبب التدخل في الشؤون الداخلية الإفريقية، والوصاية، والمعايير المزدوجة.

هذا الاستياء، على الرغم من أنه ليس ظاهرة جديدة، فقد تكثف في السنوات الأخيرة، ووجد قبولًا في نماذج المشاركة البديلة المتزايدة التوفر، مثل التركيز الصيني ودول الخليج على التنمية الاقتصادية، أو النهج الأمني الروسي.

وأدى تنوع المشاركة الدولية في إفريقيا بدوره إلى تمكين القارة، مما أتاح لها التعبير بصوت أقوى في محافل الحوكمة العالمية.

كان المثال البارز لهذا التمكين هو حصول الاتحاد الإفريقي على مقعد في مجموعة العشرين، مما يعكس تأثيره المتزايد على الساحة العالمية.

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضا على صفحتنا على انستغرام

أخبار ذات صلة