الاقتصاد المغربي على مفترق طرق: تحديات مناخية وتطلعات نحو النمو
يواجه الاقتصاد المغربي تحديات متزايدة بسبب التغيُّرات المناخية، وعلى رأسها أزمة الجفاف التي تُلقي بظلالها على القطاع الفلاحي، أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني، ومع استمرار تراجع معدلات التساقطات المطرية، تتزايد المخاوف بشأن تأثير ذلك على معدلات النمو، وسوق العمل، والتضخم.
وفي المقابل، يُخطط المغرب لتعويض هذه التحديات عبر تطوير قطاعات اقتصادية أخرى، مثل السياحة، والصناعات التحويلية، والطاقة، إلى جانب تنفيذ استراتيجيات مائية لمواجهة نقص الموارد المائية، كما يبرز ملف تعويم الدرهم كإحدى القضايا الاقتصادية المهمة، في ظل دعوات بعض المؤسسات المالية لتبني هذه الخطوة، وتساؤلات حول جاهزية الاقتصاد المغربي لهذا التغيير.
تحديات تواجه الاقتصاد المغربي
من جانبه، أكَّد الدكتور حازم مروان، أستاذ الاقتصاد، أنَّ الجفاف من التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد المغربي، حيث يؤثر بشكل مباشر على القطاع الفلاحي، الذي يُشَكِّل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقًا لقانون المالية لعام 2015، كان متوقعًا أن تُساهم القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 11%، إلّا أنَّ استمرار انخفاض معدل التساقطات المطرية يُشَكِّل تهديدًا حقيقيًا لهذا التوقع.
وأضاف مروان في تصريحات خاصة لـ”Econ-Pedia” أنّ المغرب يواجه حاليًا معدلات تضخم مرتفعة في المنتجات الفلاحية، حيث تتأثر أسعار السلع الأساسية واللحوم بشكل ملحوظ، رغم أن معدل التضخم العام يتراوح بين 1% و2%، إلَّا أنَّ التضخم الفلاحي يُسَجِّل مستويات أعلى بكثير.
وتابع: “إلى جانب ذلك، يعتبر القطاع الزراعي مشَغِّلًا رئيسيًا في المغرب، حيث يُساهم بأكثر من 38% من الوظائف، مما يعني أنَّ أيَّ تراجع في الإنتاج الفلاحي سينعكس على سوق العمل، مُسببًا ارتفاع معدلات البطالة”.
وقد وضعت الحكومة المغربية هدفًا طموحًا لتحقيق معدل نمو بنسبة 4.6%، إلّا أنّ استمرار الجفاف يُلقي بظلاله على هذا الطموح، فحتى الآن لم تصل معدّلات التساقطات المطرية إلى المستوى الذي يُتيح تحقيق إنتاج زراعي قوي. ورغم أنَّ هناك قطاعات صناعية نشطة تُساهم في دعم الاقتصاد، إلَّا أنَّ التأثير السلبي للجفاف على القطاع الفلاحي قد يُعيق تحقيق نسبة النمو المستهدفة.
ويرى أستاذ الاقتصاد أنَّ المعطيات الحالية تُشير إلى أنَّ القيمة المضافة المتوقعة من القطاع الفلاحي لن تصل إلى 11% كما تم التخطيط لها، وحتى التقديرات المتحفظة لبنك المغرب التي توقعت نسبة 8% قد لا تتحقق، لذلك يبدو أنّه من الصعب بلوغ نسبة النمو المستهدفة في ظل هذه الظروف.
اطّلع أيضًا على مستجدات اقتصاد المغرب في 2025
إجراءات المغرب لمواجهة نقص المياه
وفقًا لأستاذ الاقتصاد، اتّخذ المغرب عدة تدابير لمواجهة تحدِّيات نقص المياه، من بينها تنفيذ الاستراتيجية المائية 2020-2027، التي رُصد لها أكثر من 14 مليار دولار، وتشمل بناء السدود، وتحلية مياه البحر، وإنشاء طرق سيار مائي لربط الأحواض المائية المختلفة، بهدف ضمان الأمن المائي وتحسين عمليات الري.
إلى جانب ذلك، يشهد المغرب توسُّعًا في استخدام تقنيات إعادة تدوير المياه العادمة، مع إشراك القطاع الصناعي في هذه الجهود، وتُظهر هذه المشاريع دينامية واضحة في التعامل مع أزمة المياه، لكنَّها لا تزال تحتاج إلى مزيد من الوقت لتحقيق تأثير ملموس على القطاع الفلاحي.
رغم التحديات التي يُواجهها القطاع الفلاحي، حقَّق المغرب نجاحات في قطاعات أخرى مثل السياحة، والطيران، والصناعات الاستخراجية، وصناعة السيارات؛ حيث يحتل المغرب مركزًا متقدمًا في صناعة السيارات، ويشهد قطاع الطيران نموًا مستمرًا.
في قطاع الفوسفات، لم يَعُد المغرب يعتمد فقط على تصدير المواد الخام، بل أصبح يُنتج مُشتقات الفوسفات، مما عزز القيمة المضافة للصادرات، هذه القطاعات تُساهم في تحقيق التوازن الاقتصادي وتخفيف الآثار السلبية الناتجة عن تراجع القطاع الفلاحي.
تعويم الدرهم: هل المغرب مستعد لهذه الخطوة؟
أكَّد مروان أنَّ تعويم العملة بالكامل في الوقت الحالي قد يكون مُجازفة، فالمغرب لا يمتلك موارد طبيعية ضخمة مثل بعض الدول الأخرى، كما أنَّ معدلات النمو الاقتصادي الحالية تُعد متوسطة.
كما أشار إلى أنَّ تعويم الدرهم في هذه المرحلة قد يُؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي سيُؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين ويزيد من الضغوط الاقتصادية، لذلك يرى الخبراء أنَّ هذه الخطوة غير مناسبة في الوقت الراهن، وقد تكون ممكنة فقط في المستقبل إذا شهد الاقتصاد المغربي إقلاعًا حقيقيًا.
ظاهرة تهدد البنوك المغربية: الفلوس تحت المخدة أو الزليجة
استعدادات المغرب لكأس العالم 2030
حول تنظيم المغرب كأس العالم 2030، أكَّد مروان أنَّه فرصة اقتصادية هائلة للمغرب؛ فإلى جانب تطوير البنية التحتية الرياضية، من المتوقع أن يشهد قطاع السياحة انتعاشًا كبيرًا بفضل التدفق السياحي المرتبط بالحدث.
علاوة على ذلك، من المتوقع أن تجذب هذه الاستضافة استثمارات أجنبية جديدة، مما يساهم في خلق فرص عمل وتعزيز النمو الاقتصادي، وتشير التوقعات إلى إمكانية ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي المغربي من 145 مليار دولار حاليًا إلى أكثر من 200 مليار دولار بحلول عام 2029.
واختتم حازم مروان تصريحاته قائلاً: “رغم التحديات التي يواجهها الاقتصاد المغربي، إلَّا أنَّ هناك جهودًا واضحة لمواجهة الجفاف وتطوير قطاعات اقتصادية بديلة. ومع الاستثمارات القادمة في البنية التحتية، والقطاعات الصناعية والسياحية، يمكن أن يُحَقِّق المغرب توازنًا اقتصاديًا يُخَفِّف من تأثير الأزمات المناخية.
اقرأ أيضًا: المغرب يُحقق إنجازاً تاريخياً في السياحة 2025