البيتكوين مستقبل سوريا الحديثة.. هل تنجح هذه الخطوة؟
في خطوة غير مسبوقة قد تساهم في إعادة تشكيل ملامح الاقتصاد السوري المتأثر بالأزمات، أعلنت الحكومة السورية عن خطة استراتيجية تهدف إلى اعتماد البيتكوين كوسيلة لمكافحة التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وتُبرز هذه الخطة، التي تم الكشف عنها من قبل المركز السوري للأبحاث الاقتصادية، رؤية طموحة تهدف إلى تقليل الاعتماد على العملات الأجنبية، وجذب الاستثمارات العالمية، والاستفادة من موارد الطاقة غير المستغلة لدعم عمليات تعدين العملات المشفرة. فهل يُمكن أن تصبح هذه الخطوة نقطة تحول رئيسة للاقتصاد السوري وسط تحديات محلية وإقليمية معقدة؟
البيتكوين أداة لمواجهة التضخم
تُواجه سوريا منذ سنوات طويلة أزمة تضخم مفرط أدت إلى تآكل القيمة الشرائية للعملة المحلية وزيادة حادة في تكاليف المعيشة. في هذا السياق، يأتي اقتراح اعتماد البيتكوين كحل مبتكر وغير تقليدي؛ حيث تعتمد الخطة على الاستفادة من طبيعة البيتكوين اللامركزية، مما يمنحها القدرة على تجاوز التحديات السياسية المحلية والضغوط الدولية.
البيتكوين، بفضل طبيعتها المستقلة عن الحكومات والمؤسسات المالية التقليدية، يُمكن أن تكون وسيلة فعالة لدعم استقرار العملة المحلية، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي الذي شكَّل مصدر ضغط كبير على الاقتصاد السوري، مما يفتح المجال أمام سوريا لتعزيز سيادتها الاقتصادية.
تُشير تجارب دول أخرى مثل فنزويلا والأرجنتين إلى إمكانية استخدام العملات المشفرة كأداة للتغلب على التضخم وتعزيز الاستقرار المالي، لكن يظل السؤال: هل يمكن لسوريا تحقيق نجاح مماثل أم أنَّ التحديات المحلية ستُعرقل مسار التنفيذ؟
إطار تنظيمي يدعم البيتكوين
لضمان نجاح خطة اعتماد البيتكوين، تعمل السلطات السورية على تطوير إطار تنظيمي شامل يهدف إلى دمج العملات المشفرة في النظام المالي بطريقة منظمة، وذلك يتضمَّن سياسات لتقنين استخدام البيتكوين في المعاملات المالية المحلية والدولية، مع وضع لوائح صارمة لتنظيم عمليات التعدين.
سيُتيح هذا الإطار استخدام البيتكوين في التجارة الداخلية والخارجية، مما يوفر فرصًا جديدة للنمو الاقتصادي. كما ستخضع عمليات التعدين لرقابة حكومية دقيقة تضمن العدالة وتمنع الاحتكار، مما يُعزز من استدامة المشروع.
يؤكِّد المركز السوري للأبحاث الاقتصادية على أهمية رقمنة الليرة السورية باستخدام تقنية البلوكشين، مما قد يُسهم في استقرارها ودعمها بأصول مثل الذهب والدولار والبيتكوين، وذلك بهدف تعزيز الشفافية وتوفير بنية تحتية رقمية تُسهم في إعادة بناء الاقتصاد.
تحديات وفرص الاستثمار
على الرغم من الإمكانات الكبيرة لاستخدام البيتكوين في سوريا، إلَّا أنَّ هناك تحديات واضحة يجب مواجهتها، من أبرزها ضمان أنَّ تَبَنّي العملات المشفرة يُساهم في الأنشطة الاقتصادية المشروعة دون تمكين العمليات غير القانونية، وهذا يتطلب رقابة صارمة وإشرافًا من البنك المركزي السوري.
إحدى الفوائد الرئيسة لاعتماد العملة المشفرة هي إمكانية جذب الاستثمارات الدولية والشراكات، إذ إنّ تجربة السلفادور، التي جعلت البيتكوين عملة قانونية، تُظهر كيف يمكن لمثل هذه الخطوات أن تُوَفِّر دفعة اقتصادية كبيرة. كما أنَّ تبني العملات المشفرة يمكن أن يُبسط عمليات التحويلات المالية التي تُعد شريان حياة لملايين السوريين.
اشتعال سوق العملات المشفرة بسبب ترامب .. كيف يؤثر ذلك على البيتكوين!
البعد الجيوسياسي والاقتصادي
تواجه سوريا تحديات جيوسياسية معقدة قد تُؤثر على نجاح هذه الخطة، ويُمكن أن تكون العملات المشفّرة وسيلة فعّالة لمواجهة العقوبات الدولية التي تُقَيِّد الوصول إلى النظام المالي العالمي.
دول مثل إيران وروسيا وكوريا الشمالية استخدمت استراتيجيات مماثلة للتخفيف من تأثير العقوبات، مما يُظهر إمكانية نجاح هذا النهج، لكن في الوقت نفسه فإنّ بناء بنية تحتية اقتصادية رقمية يحتاج إلى استثمارات كبيرة ووقت طويل.
هل البيتكوين هو الحل؟
بينما تُظهر الخطة الطموحة التي قدَّمها المركز السوري للأبحاث الاقتصادية إمكانات واعدة لإعادة بناء الاقتصاد، يبقى التنفيذ الناجح هو التحدي الأكبر، ففي حال تمكَّنت سوريا من تجاوز العقبات ووضع إطار تنظيمي قوي، فإنَّ اعتماد العملة المشفرة يمكن أن يُحدث تحولًا كبيرًا في الوضع الاقتصادي.
رغم المخاطر المحيطة بهذه الخطوة، فإنَّها تحمل في طياتها العديد من الفرص؛ فقد تمثل البيتكوين بارقة أمل لسوريا في سعيها نحو تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح هذه الاستراتيجية في استعادة مكانة سوريا الاقتصادية على الساحة العالمية؟ وحده الزمن كفيل بالإجابة.