الجزائر تعيد رسم المشهد المصرفي بإطلاق إطار تنظيمي للبنوك الرقمية
تقرير: باسل محمود
خطوة جديدة وجريئة خطتها الجزائر نحو تطوير القطاع المصرفي، حيث أصدر بنك الجزائر إطارًا تنظيميًا جديدًا يُحدد شروط تأسيس واعتماد وتشغيل البنوك الرقمية، مما يمثل تحوّلًا نوعيًا في السياسة المالية والمصرفية للبلاد، بحسب وكالة أنباء الجزائر.
تأتي هذه الخطوة في سياق التوجُّهات العالمية نحو التحول الرقمي واعتماد التكنولوجيا لتحسين الخدمات المالية، بما يعزز الشمول المالي ويواكب التحديات الاقتصادية الحديثة.
تعريف شامل للبنوك الرقمية
وفقًا للنظام الجديد الذي صدر في العدد 77 من الجريدة الرسمية، ويحمل الرقم 24-04، تُعرّف البنوك الرقمية بأنها مؤسسات مالية تقدم خدماتها ومنتجاتها حصريًا عبر منصات وقنوات رقمية، حيث إنّها تعتمد على التكنولوجيا المالية الحديثة لتوفير خدمات تلقي الأموال، وتقديم القروض، وإدارة المدفوعات، مع الالتزام بمعايير الأمان والابتكار.
هذا النموذج يهدف إلى تحسين تجربة العملاء، خاصة في المناطق النائية، حيث تقل خدمات البنوك التقليدية، ويوفر بدائل مصرفية أكثر مرونة وكفاءة للمستخدمين الأفراد والشركات الصغيرة.
اقرأ أيضا: البنوك الرقمية واختلافها عن التقليدية
شروط صارمة لتأسيس البنوك الرقمية
أصدر بنك الجزائر نظامًا يتضمن شروطًا خاصة يجب توافرها لتأسيس بنك رقمي، منها ما يأتي:
- عدم السماح للبنوك الرقمية بالعمل كفروع لبنوك أجنبية: هذا الشرط يعكس حرص السلطات على الحفاظ على السيادة الوطنية والتحكم في القطاع المصرفي الرقمي.
- إلزامية مشاركة بنك جزائري: يُشترط أن يكون ضمن المساهمين بنك جزائري يتمتع بخبرة مصرفية، بحيث يمتلك على الأقل 30% من رأس المال، وهذا الشرط يهدف إلى ضمان إشراف محلي على العمليات المالية وتعزيز الثقة في البنوك الرقمية.
- تحديد سقف المساهمة الفردية: لا يجوز لأي مساهم آخر، أو الجهات المرتبطة به، أن يمتلك أكثر من 30% من رأس المال، وهو إجراء يعزز التنوع المالي ويحمي استقلالية القرار.
- تأسيس مقر اجتماعي محلي: يجب أن يكون للبنك الرقمي مقر في الجزائر مخصص للعمليات الإدارية ومعالجة شكاوى العملاء.
- نسخة للمنصة التابعة للبنك: يُشترط أن تكون منصة البنك الرقمية ونسخها الاحتياطية موجودة داخل البلاد لضمان حماية البيانات واستمرارية العمليات.
التكنولوجيا المالية تقود التحول الرقمي في مصر وتجذب استثمارات ضخمة .. اقرأ التفاصيل
قواعد تشغيل مبتكرة للبنوك الرقمية
يتسم الإطار التنظيمي الجديد بتوجه رقمي خالص، حيث يُحظر على البنوك الرقمية فتح وكالات مادية تقليدية، باستثناء الوكالات الرقمية التي تعمل آليًا بالكامل، ويُعتبر هذا التوجه جزءًا من رؤية أوسع لتقليل التكلفة التشغيلية للبنوك وتعزيز الاعتماد على التكنولوجيا لتقديم خدمات ميسّرة وسريعة.
عملية الترخيص: خطوات تفصيلية
للحصول على ترخيص بنك رقمي، يجب تقديم ملف متكامل إلى المجلس النقدي والمصرفي، مرفقًا بتقرير تقني يُعدّه مكتب خارجي مستقل ذو خبرة في تقييم الأنظمة التكنولوجية وأمن المعلومات.
يتطلب التقرير تقييمًا دقيقًا للبنية التحتية التكنولوجية للبنك لضمان قدرتها على دعم العمليات المصرفية بأمان وكفاءة، وبعد الحصول على ترخيص التأسيس يُقدّم ملف الطلب النهائي إلى محافظ بنك الجزائر لإصدار الموافقة النهائية.
ومن ناحية أخرى، قام النظام الجديد بفرض قيود صارمة على استخدام أسماء أو شعارات توحي بأن المؤسسة تعمل كبنك رقمي بدون ترخيص، وذلك بهدف حماية العملاء من المؤسسات غير الشرعية وضمان شفافية السوق.
النشاطات المسموح بها للبنوك الرقمية
يمكن للبنوك الرقمية ممارسة جميع الأنشطة المصرفية التي يسمح بها القانون الجزائري؛ بما في ذلك تلقي الأموال من الجمهور، وتقديم القروض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإدارة المدفوعات الإلكترونية، وتقديم خدمات الصيرفة الإسلامية.
ومع ذلك، فرض النظام سقفًا على ودائع العميل الواحد بنسبة 1% من إجمالي الودائع، لضمان توزيع المخاطر ومنع التركز المالي.
قيود وإعفاءات مستقبلية
في السنوات الأولى لنشاط البنوك الرقمية، يُحظر عليها منح قروض للمؤسسات الكبرى، مع استثناء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تطورت لتصبح شركات كبيرة، لكن يمكن للبنوك الرقمية طلب إعفاء من هذه القيود بعد مرور خمس سنوات، شريطة رفع رأسمالها إلى ما لا يقل عن 150% من الحد الأدنى المقرر لرأس المال.
انعكاسات اقتصادية وتجارية
تمثل هذه الخطوة تحولًا كبيرًا في السوق المصرفية الجزائرية، فهي تُعزز قدرة القطاع على جذب الاستثمارات المحلية والدولية، ومن المتوقع أن تسهم البنوك الرقمية في تحسين الشمول المالي من خلال توفير خدمات مصرفية للمناطق النائية وغير المخدومة، وتحفيز الابتكار المالي عبر تقديم حلول تقنية متقدمة، وخفض التكاليف نتيجة اعتماد التكنولوجيا بدلًا من البنية التحتية التقليدية.
لكن رغم الإيجابيات، تواجه البنوك الرقمية تحديات تتعلق بالتكيف مع القوانين المحلية وضمان مستوى عالٍ من أمن المعلومات، كما أن نقص الوعي لدى بعض فئات المجتمع بالتكنولوجيا الرقمية قد يحد من اعتماد هذه الخدمات في البداية.
مع هذا الإطار الجديد، تنضم الجزائر إلى قائمة الدول التي تبنّت البنوك الرقمية كجزء من استراتيجيتها للتحول الرقمي، حيث يضع بنك الجزائر بهذه الخطوة الأسس لقطاع مصرفي يواكب تطلعات العملاء ويلبي احتياجات الاقتصاد في عصر الثورة الرقمية، وبذلك تعزز الجزائر مكانتها كمحور إقليمي للابتكار المالي، مما يفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات.
ما هي البطاقات البنكية وما أنواعها؟ تعرّف إليها الآن