الدولار في حال فوز ترامب بولاية ثانية
يراقب المستثمرون تأثير نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المحتملة على الأسواق المالية بعناية فائقة، خاصة في ظل التوقعات حول ما قد يحدث في حال فوز ترامب بولاية ثانية؛ إذ يتوقع بعض الخبراء أن تؤدي سياساته إلى ارتفاع قيمة الدولار وعائدات الأسهم الأمريكية، فيما يحذر آخرون من وجود عوامل قد تُضعف الدولار الأمريكي في ظل رئاسته.
الخطر السياسي وتأثيره على الأسواق المالية
أصبح الخطر السياسي المرتبط بالانتخابات مصدر قلق رئيس للمستثمرين في الأسواق المالية، حيث كانت المخاوف سابقًا تقتصر على الأسواق الناشئة، وفي البلدان المتقدمة كان المستثمرون يركزون على قرارات البنوك المركزية أكثر من السياسة.
لكن الوضع تغيّر؛ ففي الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر، بدأت أسعار الأصول تتأثر بشكل واضح بنتائج استطلاعات الرأي، وتزايد الحديث حول “تداولات ترامب“، وفقًا لما ذكرته صحيفة “إيكونوميست”.
تشير “تداولات ترامب” إلى التوقعات بأن فترة ولاية ثانية للرئيس السابق دونالد ترامب ستكون إيجابية للأسهم الأمريكية، ومؤثرة سلبًا على سندات الخزانة، وتدعم الدولار الأمريكي؛ حيث تقوم هذه التوقعات على احتمالات خفض الضرائب على الشركات وتخفيف القيود التنظيمية، مما يزيد من عائدات الأسهم.
اقرأ تفاصيل رحلة الدولار الأمريكي خلال التقلبات الانتخابية
تأثير التخفيضات الضريبية المحتملة على السندات والدولار
يتوقع المؤيدون لهذه التداولات أن تؤدي التخفيضات الضريبية المتوقعة إلى زيادة اقتراض الحكومة، وبالتالي انخفاض أسعار السندات وارتفاع عائداتها، لكن دون أن تصل إلى حد يهدد استقرار الاقتصاد الأمريكي أو يضعف عائدات سوق الأسهم، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك أيضًا إلى ارتفاع قيمة الدولار، الذي تماشت حركته مع عوائد السندات الأمريكية خلال السنوات الأخيرة.
فضلًا عن ذلك، تطرقت الصحيفة إلى ما قد يبدو مفارقة؛ فرغم احتمال التدهور المالي وارتفاع التضخم قد تظل قيمة الدولار قوية، ومع أنَّ العملات تفقد قيمتها عادةً مع تدهور الأوضاع المالية وارتفاع التضخم، إلا أنّ الدولار يلعب دورًا خاصًا في النظام المالي العالمي بوصفه عملة الاحتياطي العالمية الأساسية ومصدرًا للأصول الآمنة، حيث تميل العوائد الأعلى على سندات الخزانة الأمريكية إلى جعل الدولار أكثر جاذبية، حتى لو كان هذا العائد ناتجًا عن إسراف مالي.
عوامل تضعف الدولار الأمريكي
رغم توقعات بعض المحللين بارتفاع الدولار، تُشير الصحيفة إلى أربعة عوامل قد تتسبب في تراجع محتمل لقيمة الدولار في حال فوز ترامب بالانتخابات:
السياسة النقدية
قد يخطط ترامب إلى ممارسة ضغوط على الاحتياطي الفدرالي للإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة أو حتى للتدخل في استقلاليته. ورغم احتمالات مقاومة البنك لهذه الضغوط، إلا أن ترامب إذا نجح في التأثير قد تتراجع أسعار الفائدة إلى ما دون المستوى الملائم للتضخم، مما سيُضعف الدولار.
وسبق أن صرح ترامب لوكالة “بلومبيرغ” بأن أمريكا تعاني من “مشكلة عملة كبيرة”، مشيرًا إلى أن قوة الدولار تضر بالمصنّعين الأمريكيين وتقلل من تنافسية السلع الأمريكية عالميًا.
التعريفات الجمركية
بينما يتوقع معظم المتداولين أن يستمر ترامب في الشكوى من قوة الدولار، هناك احتمال أن تكون تعرفاته الجمركية جزءًا من استراتيجية إضعاف الدولار، كما حدث في عهد الرئيس رونالد ريغان في الثمانينيات، عندما تم التعاون مع شركاء تجاريين لتحقيق انخفاض في قيمة الدولار.
اقرأ التقرير الكامل حول مستقبل الدولار الأمريكي بعد تهديدات ترامب
المنازعات التجارية
غالبًا ما تؤدي المناكفات التجارية إلى تأثيرات قصيرة الأجل لرفع سعر الصرف، لكن على المدى الطويل يُمكن أن تسهم في انخفاضه؛ فالتوترات التجارية قد تؤدي إلى تراجع الواردات والصادرات، مما يؤثر على الاقتصاد المحلي ويزيد من احتمالية خفض الفائدة، مما يقلل من جاذبية العملة ويؤدي إلى ضعفها.
السياسة الخارجية
يشير الباحث باري آيكنجرين من جامعة كاليفورنيا في بيركلي إلى أنَّ البلدان التي تعتمد على الضمان الأمني الأمريكي تميل إلى الاحتفاظ بجزء كبير من احتياطاتها بالدولار. ومن الأمثلة التي طرحها آيكنجرين، اليابان التي تعتمد على الدولار بشكل أكبر من الصين، وألمانيا التي تحتفظ بنسبة كبيرة من احتياطاتها بالدولار مقارنة بفرنسا التي تمتلك سلاحًا نوويًا.
وإذا انسحبت الولايات المتحدة من التزاماتها الأمنية تجاه حلفائها، وهو أمر قد يحدث مع ترامب، فإن ذلك قد يؤدي إلى تراجع استخدام الدولار عالميًا، وإلى رفع أسعار الفائدة الأمريكية بنسبة تصل إلى 0.8%، مما يضعف الدولار.
سياسات ترامب الاقتصادية وتأثيرها على الدولار
من جانبها أكدت الخبيرة الاقتصادية آمال سليمان أنَّ فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية يثير قلقًا واسعًا في أوساط المستثمرين، مشيرةً إلى أن توجهات ترامب الاقتصادية قد تؤدي إلى تغيُّرات جوهرية في الأسواق المالية، ما يجعل المستثمرين يشعرون بالقلق إزاء تداعيات سياساته على استثماراتهم.
وصرحت سليمان في تصريحات خاصة لـ Econ-Pedia أن من أبرز المخاوف التي تحيط بفوز ترامب السياسات النقدية التي قد تتعرض لضغوط في محاولة لتخفيض أسعار الفائدة، وأوضحت: “قد يسعى ترامب إلى التأثير على سياسة الاحتياطي الفدرالي بهدف إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضعف الدولار ويضر بجاذبية الأصول الأمريكية، خاصة بالنسبة للمستثمرين الدوليين الذين يتطلعون إلى عوائد مستقرة ومضمونة”.
وأضافت أن التعرفات الجمركية ستكون أيضًا محط اهتمام كبير، إذ من المتوقع أن يعاود ترامب تشديد سياسته التجارية بفرض رسوم جديدة على الواردات، مما يرفع مستوى القلق بشأن الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد.
وتابعت سليمان: “عودة سياسات الحمائية قد تسبب اضطرابات في التجارة العالمية وتؤثر على الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة”، كما أشارت إلى أن التوترات التجارية ستكون عاملًا رئيسًا آخر يُقلق المستثمرين، وأوضحت قائلة: “التوجهات التصادمية في العلاقات التجارية، خاصة مع الصين، قد تؤدي إلى تذبذب الأسواق، وتزيد من حالة عدم الاستقرار، ما يجعل المستثمرين أقل استعدادًا للمخاطرة وضخ رؤوس أموالهم في ظل بيئة متقلبة”.
واختتمت سليمان تصريحاتها بالتطرق إلى السياسة الخارجية وتأثيرها على الدولار، حيث أكدت أن توجهات ترامب المتمثلة في تقليص الدور الأمني للولايات المتحدة تجاه بعض حلفائها قد تؤدي إلى تراجع الثقة بالدولار كعملة احتياطية عالمية، وهو ما قد يدفع بعض الدول إلى البحث عن بدائل لحماية استثماراتها.
اقرأ أيضاً عن خطة هاريس لإدارة ملف الاقتصاد الأمريكي؟