ترامب يفرض رسومًا جمركية جديدة: تأثيرات على الاقتصاد والمستهلكين
تقرير: باسل محمود
تعود الرسوم الجمركية إلى دائرة الضوء مع إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عن نيته فرض ضرائب جديدة على الواردات من كندا والمكسيك والصين، بحسب “CBS News”.
هذه السياسة، التي أثارت جدلًا واسعًا خلال فترة ولايته الأولى، تحمل آثارًا متباينة تتراوح بين تعزيز الصناعة المحلية وارتفاع تكاليف المعيشة على المستهلكين الأمريكيين. ويبقى السؤال: هل تؤدي هذه الرسوم إلى إشعال موجة تضخم جديدة، أم أنها فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد الأمريكي؟
الرسوم الجمركية: أهداف وطموحات ترامب
أعلن ترامب عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع المنتجات الواردة من المكسيك وكندا، و10% على البضائع الصينية، ضمن استراتيجية يُروج لها لحماية المصالح الاقتصادية الأمريكية، حيث يهدف إلى تعزيز التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، وحماية الوظائف الأمريكية من المنافسة الأجنبية، بالإضافة إلى مواجهة تحديات مثل الهجرة غير الشرعية وتدفق المخدرات.
ورغم أن ترامب يؤكد أن الرسوم لن تؤدي إلى تضخم كبير، فإنَّ الواقع يُشير إلى أنَّ التكاليف المرتفعة للواردات غالبًا ما تُنقل مباشرة إلى المستهلكين، مما يؤثر على مجموعة واسعة من السلع الأساسية والكمالية.
اقرأ أيضًا: الرسوم الجمركية تهدد النمو الآسيوي.. أزمة عالمية تلوح في الأفق
الأجهزة الإلكترونية: الفائز الخاسر؟
يشكل قطاع الإلكترونيات الاستهلاكية أحد أكثر القطاعات تأثرًا بهذه السياسات، ووفقًا لجمعية تكنولوجيا المستهلك (CTA)، فإنَّ تطبيق الرسوم سيكلف المستهلك الأمريكي نحو 90 مليار دولار من قوته الشرائية.
الأجهزة التي قد تشهد ارتفاعًا ملحوظًا تشمل الحواسيب المحمولة والأجهزة اللوحية، بزيادة تصل إلى 45%، و أجهزة الألعاب الإلكترونية والتلفزيونات.
وفي هذا السياق، قال إد بريزتوا، نائب رئيس التجارة الدولية في CTA: “من المرجح أن تنعكس هذه الزيادات مباشرة على المستهلكين، إذ إنَّ المستوردين وتجار التجزئة غير مستعدين لتحملها”.
الأحذية والملابس.. أزمة لذوي الدخل المحدود
يُشير مات بريست، الرئيس التنفيذي لجمعية موزعي وتجار الأحذية الأمريكية، إلى أن 99% من الأحذية المباعة في الولايات المتحدة مستوردة، وأكثر من 56% من هذه الواردات تأتي من الصين، مما يجعل القطاع معرضًا بشدة لتداعيات الرسوم الجديدة.
ووفقًا لبريست: “أية زيادات في الأسعار ستؤثر بشكل خاص على الأسر ذات الدخل المحدود التي تعتمد على هذه المنتجات كخيار اقتصادي”.
الوقود والطاقة.. ارتفاع تكاليف المعيشة
في قطاع الطاقة، قد تؤدي الرسوم المقترحة إلى زيادة أسعار النفط الخام المستورد من كندا، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين بما يصل إلى 70 سنتًا للجالون.
رد فعل الشركاء على الرسوم الجمركية
المكسيك، التي تستهدفها الرسوم بشكل خاص، ردت بقوة على تهديدات ترامب، فقد أكَّدت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم أنَّ بلادها ترفض هذه السياسات، مشددةً على أهمية احترام حقوق الإنسان وبناء التعاون بدلًا من الحواجز.
ومن ناحية أخرى، أشار مسؤولون مكسيكيون إلى أنهم قد يردون بفرض رسوم مضادة على المنتجات الأمريكية، مما قد يُشعل حربًا تجارية بين البلدين، ويؤدي إلى تداعيات اقتصادية على الطرفين.
تأثير الرسوم الجمركية على التضخم
رسوم ترامب لا تؤثر فقط على الاقتصاد الأمريكي، بل تحمل تداعيات على التضخم العالمي، إذ إنّ ارتفاع أسعار الواردات الأمريكية يؤدي إلى تأثيرات سلبية على سلاسل التوريد العالمية، خاصة للدول التي تعتمد على تصدير منتجاتها إلى السوق الأمريكية.
بالإضافة إلى زيادة الأسعار عالميًا بسبب ارتفاع تكلفة المواد الخام والمنتجات الجاهزة، وتصاعد السياسات الحمائية، مما قد يؤدي إلى انكماش التجارة الدولية، بالإضافة إلى تأثير سلبي على الدول النامية التي تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة.
هل تنقذ الأسواق الأخرى الوضع؟
مع تصاعد التوترات التجارية، تبحث الدول المستهدفة عن أسواق جديدة لتصريف منتجاتها، وقد تكون القارات الناشئة مثل آسيا، وإفريقيا، وأمريكا الجنوبية البديل المثالي لها.
من الناحية الإيجابية، قد تؤدي زيادة التدفقات التجارية إلى تعزيز العرض في الأسواق الجديدة، مما يُخفف الضغط على الأسعار، وهذه الخطوة قد تكون فرصة لتنويع اقتصادات الدول النامية.
لكن في المقابل، قد تسهم هذه الرسوم في ضعف البنية التحتية في بعض الأسواق الناشئة، ما قد يُعطل التدفقات التجارية، واحتمالية حدوث صدمات اقتصادية بسبب وفرة المعروض مقابل طلب محدود.
اقرأ أيضًا: كيف تؤثر تهديدات ترامب الجمركية على المكسيك والصين وكندا؟
أهداف حمائية أم استراتيجية انتخابية؟
يدور جدل واسع حول الدوافع الحقيقية وراء الرسوم الجمركية، هل هي خطوات مدروسة لتعزيز الاقتصاد الأمريكي؟ أم استراتيجية انتخابية تهدف إلى كسب دعم القاعدة الشعبية؟ يقول المؤيّدون لسياسات ترامب إنّ هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز الإيرادات الحكومية، وحماية العمالة المحلية، وتقليل العجز التجاري، في حين يحتج المعارضون بالأثر السلبي الذي سيُواجهه المستهلكون، فضلًا عن تعقيد العلاقات التجارية الدولية، وزيادة مخاطر الركود الاقتصادي.
ومما يجدر التطرّق إليه في هذا السياق نتائج هذه الإجراءات في ولاية ترامب الأولى، فعندما فرض ترامب رسومًا جمركية آنذاك كانت النتائج مختلطة؛ فقد تمّ تحقيق فوائد محلية، تمثلت بدعم بعض الصناعات المحلية، مثل الصلب والألمنيوم، لكن في المقبل تحمَّل المستهلكون الأمريكيون تكاليف إضافية بسبب ارتفاع الأسعار على الواردات، بالإضافة إلى حدوث تصاعد في التوترات التجارية، خاصةً مع الصين، مما أثر على التجارة الثنائية بين البلدين.
كيف تواجه الدول النامية الرسوم الجمركية؟
الدول التي تعتمد بشكل كبير على السوق الأمريكية قد تجد نفسها أمام خيارات صعبة، حيث تشمل الحلول المتاحة تحسين القدرات التنافسية من خلال خفض التكاليف وزيادة الجودة، والتركيز على تعزيز التجارة الإقليمية لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تطوير الصناعات المحلية لتلبية الطلب الداخلي وتقليل الحاجة إلى التصدير.
تداعيات اقتصادية لا تقتصر على أمريكا
في ظل هذه السياسات، يقف الاقتصاد العالمي على مفترق طرق، فقد تكون الرسوم الجمركية أداة فعالة لتعزيز الصناعة المحلية في الولايات المتحدة، لكنَّها تأتي بتكاليف باهظة على المستهلكين والشركاء التجاريين.
وفي حال استمرت السياسات الحمائية، فإنَّ أسعار السلع الأساسية والكمالية سترتفع، مما يضغط على الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض، كما قد تدفع هذه السياسات الدول إلى البحث عن أسواق جديدة وشراكات أكثر تنوعًا، مما سيُغيّر هيكلة التجارة الدولية.
ولربما كان أحد أهم الآثار المرتبطة بسياسات ترامب الحمائلية هو تصاعد التوتّرات الجيوسياسية على مستوى العالم، الأمر الذي قد يُؤدي إلى توترات سياسية بين الدول الكبرى ويخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق.
كيف ستنعكس الرسوم الجمركية لترامب على اقتصادات الدول العربية؟ تعرّف إلى الإجابة بقراءة التقرير الكامل!