تشكل العلاقات الاقتصادية بين روسيا والإمارات نموذجًا للتعاون الدولي القائم على المصالح المتبادلة والشراكة الاستراتيجية، ومع تنامي حجم الاستثمارات والتجارة تتجه هذه العلاقات نحو مزيد من التطور، وهذا يُعزز دور البلدين على الساحة الاقتصادية العالمية، ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون المستقبلي في مختلف المجالات.
وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، سيقوم يوم الاثنين المقبل بزيارة رسمية إلى روسيا، حيث سيلتقي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، مع التركيز على المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، بالإضافة إلى التعاون في قطاع الطاقة، ضمن إطار الشراكة الاستراتيجية التي تربط الإمارات وروسيا، كما ستتطرق المباحثات إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية التي تحظى باهتمام مشترك بين الجانبين.
وسيشارك الشيخ محمد بن زايد خلال هذه الزيارة في القمة الـ16 لقادة دول مجموعة “بريكس“، التي ستنعقد في مدينة قازان الروسية في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر الجاري، وتعتبر هذه المشاركة أول حضور لدولة الإمارات في القمة بصفتها عضوًا جديدًا في مجموعة “بريكس”، التي تضم عددًا من الدول الكبرى على مستوى العالم.
تعزيز الشراكات الدولية
تأتي الزيارة والمشاركة الإماراتية في قمّة بريكس في إطار الجهود الرامية لتعزيز الشراكات الدولية وتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، بما يسهم في تحقيق النمو المستدام والتنمية الاقتصادية في ظل المتغيرات العالمية.
وقبل زيارة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى موسكو، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على متانة العلاقات التي تجمع بين روسيا والإمارات، مشيرًا إلى الثقة والصداقة القوية التي تربطه بالشيخ محمد بن زايد. وفيما يخص القضايا الإقليمية، أكد بوتين أن روسيا تولي اهتمامًا كبيرًا للمواقف التي تتبناها الإمارات في ملفات الشرق الأوسط، وتحرص على أخذها بعين الاعتبار في سياستها الخارجية.
وخلال مؤتمر صحفي عُقد على هامش منتدى أعمال دول “بريكس”، صرح بوتين قائلاً: “نحن نتمتع بعلاقات طيبة جدًا مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ولدي علاقة ثقة راسخة مع الشيخ محمد بن زايد، وأنا على يقين أن زيارته ستكون مثمرة للغاية، وأود أن أدعوه إلى العشاء في منزلي لمناقشة القضايا الحالية خلال الأمسية”. كما أشار إلى قدرة الشيخ محمد بن زايد على بناء علاقات متينة وعملية مع مختلف الشركاء الدوليين، ووصف هذا الأمر بأنه “ذو قيمة كبيرة”، معربًا عن تطلع روسيا لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
اقرأ أيضاً : الإمارات وأمريكا.. تعزيز الشراكة الإستراتيجية
العلاقات الاقتصادية بين روسيا والإمارات
على الصعيد الاقتصادي، أوضح الرئيس الروسي أن العلاقات التجارية بين روسيا والإمارات تشهد نموًا مستمرًا، رغم أنها لم تصل بعد إلى مستوى التجارة الروسية مع الصين، إلا أنه متفائل بتصاعد التبادل التجاري بين البلدين في المستقبل، كما أنّه تطرق إلى فعالية صندوق الاستثمارات المشتركة بين روسيا والإمارات، مشيرًا إلى دوره الحيوي في تعزيز المصالح المشتركة للطرفين.
ومن جانبه، يقول الدكتور ياسر حسين، الخبير الاقتصادي، إن العلاقات الاقتصادية بين روسيا والإمارات العربية المتحدة شهدت تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، وباتت تمثل نموذجًا للشراكة الاستراتيجية والتعاون المثمر بين البلدين، حيث إنّها ترتكز على تمتين المصالح الاقتصادية المشتركة، وتعزيز الروابط التجارية والاستثمارية عبر مختلف القطاعات.
التجارة البينية بين روسيا والإمارات
وفقًا للخبير، شهدت التجارة البينية بين روسيا والإمارات نموًا ملحوظًا، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين مليارات الدولارات سنويًا، وهو يُركز على المنتجات البترولية، والمعادن، والسلع الزراعية، والمواد الغذائية، مما يعكس تنوع المصالح الاقتصادية المشتركة. فضلًا عن ذلك، تُعد الإمارات من أهم الوجهات السياحية للمواطنين الروس، وهذا يسهم في تعزيز قطاع السياحة والتجارة المتصلة به بين البلدين.
وأكد حسين أن العلاقات الاستثمارية بين روسيا والإمارات تشهد تطورًا كبيرًا، خاصةً مع إطلاق عدة مشاريع مشتركة تشمل مجالات الطاقة والنقل والبنية التحتية؛ حيث تُركز الاستثمارات الإماراتية في روسيا على قطاعات النفط والغاز، والتعدين، والعقارات، والزراعة. وعلى الجانب الآخر، تستثمر الشركات الروسية في الإمارات بمجالات مثل الطاقة النووية، والتكنولوجيا، والصناعات الدفاعية.
الطاقة والتكنولوجيا
يرى الخبير أن قطاع الطاقة أحد أهم ركائز التعاون الاقتصادي بين البلدين، لا سيما أنّ روسيا تلعب دورًا رئيسًا في سوق الطاقة العالمي، بينما تُعد الإمارات من أكبر منتجي النفط في العالم، مما يفتح المجال أمام التعاون في مجالات النفط والغاز بين البلدين.
علاوةً على ذلك، يعمل البلدان أيضًا على تطوير مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والنووية، وذلك من خلال إنشاء مشروعات مشتركة تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة وتلبية الاحتياجات المتزايدة.
أما عن التعاون في مجال التكنولوجيا، فقد أوضح الخبير أن العلاقات الاقتصادية بين روسيا والإمارات تشهد تحولًا نحو الاستثمار في مجالات التكنولوجيا الحديثة والابتكار، فقد تم توقيع اتفاقيات عدة لتعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، واستكشاف الفضاء. على سبيل المثال، تم الاتفاق على تعاون مشترك بين البلدين في إطار برنامج الإمارات الفضائي، حيث تلعب الخبرة الروسية دورًا مهمًا في دعم البرنامج وتطوير تقنياته.
كما يشهد القطاع المالي تعاونًا مكثفًا يتمثّل في تأسيس صناديق استثمارية مشتركة تهدف إلى تمويل مشاريع البنية التحتية والاستثمار في الشركات الناشئة، بالإضافة إلى تعزيز استخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية، للحد من الاعتماد على العملات الأجنبية وتعزيز الاستقرار المالي.
تحديات صعبة
أما عن التحديات التي تواجه التعاون بين البلدين، فيرى حسين أنه رغم التقدم الملحوظ في العلاقات الاقتصادية بين روسيا والإمارات، إلا أن هناك تحديات مثل التغيرات الجيوسياسية، وتقلبات أسعار النفط، والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا. ومع ذلك، فإن هناك فرصًا كبيرة للتغلب على هذه التحديات من خلال تعزيز الشراكات الاستراتيجية، والتعاون في مجالات جديدة مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الرقمية.
انضمام الإمارات إلى بريكس
من جانبه، يرى الدكتور أحمد سليمان، الخبير الاقتصادي، أن انضمام الإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة “بريكس” خطوة استراتيجية مهمة تُعزز مكانتها على الساحة الدولية، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري.
كما صرح سليمان بأن مجموعة “بريكس”، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، تعتبر من أبرز التحالفات الاقتصادية العالمية، وهي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مجالات الاقتصاد والتجارة والسياسات الدولية، وإنّ انضمام الإمارات لهذه المجموعة يضيف بعدًا جديدًا لدورها كقوة اقتصادية ناشئة، ويتيح لها العديد من الفرص لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام وتوسيع شبكة علاقاتها التجارية.
فرص جديدة لتعزيز التجارة والاستثمار
ووفقًا للخبير، يُتيح انضمام الإمارات إلى “بريكس” فرصةً لتعزيز تجارتها الخارجية وتنويع شراكاتها الاقتصادية، حيث تُمثل المجموعة أكثر من 45% من سكان العالم، ويبلغ إجمالي ناتجها المحلي نحو 28% من الاقتصاد العالمي، وهذا يعني توفر سوق هائلة لتصدير واستيراد السلع والخدمات الإماراتية، كما يمكن للإمارات أن تستفيد من تعزيز التبادل التجاري مع هذه الدول، خاصة في القطاعات التي تتميز فيها مثل الطاقة، والخدمات المالية، والتكنولوجيا.
علاوةً على ذلك، يُتيح الانضمام إلى “بريكس” للإمارات فرصًا جديدة للاستثمار في دول المجموعة، مما يعزز من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويسهم في دعم مشاريع تنموية كبيرة. على سبيل المثال، يمكن للإمارات توظيف خبراتها في مجالات الطاقة والبنية التحتية ضمن مشاريع مشتركة مع الدول الأعضاء في “بريكس”، مما يساهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي.
وعلى الصعيد السياسي، يعزز انضمام الإمارات إلى “بريكس” من نفوذها على الساحة الدولية، ويمنحها منصة للتأثير في القضايا العالمية الرئيسة، مثل التغير المناخي، والتنمية المستدامة، والإصلاحات الاقتصادية العالمية، فمن خلال هذه المجموعة، تستطيع الإمارات المشاركة في صياغة السياسات العالمية، والمساهمة في دفع الحوار حول قضايا الأمن الدولي والاستقرار الإقليمي.
استقلال استراتيجي
كما أنّ انضمام الإمارات إلى “بريكس” يُعزز من استقلالها الاستراتيجي عبر تنويع شراكاتها السياسية بعيدًا عن التحالفات التقليدية، مما يُسهم في بناء شبكة من العلاقات المتوازنة التي تتيح للإمارات اتخاذ مواقفها السياسية والاقتصادية بناءً على مصالحها الوطنية، بعيدًا عن التأثيرات الأحادية من القوى الكبرى التقليدية.
وقد لفت سليمان إلى أن انضمام الإمارات إلى “بريكس” يتماشى مع رؤيتها لتحقيق التنمية المستدامة وتطوير الاقتصاد الأخضر، حيث يمكن للإمارات الاستفادة من الخبرات والتجارب المتنوعة للدول الأعضاء في مجالات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والصناعة المتقدمة، علاوة على اقتناص فرص تبني سياسات ومبادرات مشتركة تهدف إلى تعزيز الاقتصاد المستدام، وتطوير مشروعات تُسهم في الحد من التغير المناخي.
بنك التنمية الجديد
إضافةً إلى الفرص المُهمة آنفة الذكر، يُمكن للإمارات أن تستفيد من بنك التنمية الجديد التابع لـ “بريكس”، الذي يدعم المشاريع التنموية في الدول الأعضاء والدول النامية الأخرى، فهذا يتيح لها تمويل مشاريعها الاستراتيجية في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة.
هذا وقد أنهى الخبير حديثه مؤكدًا على أن انضمام الإمارات إلى “بريكس” يعزز علاقاتها الدولية مع الاقتصادات الناشئة، مثل الهند والصين وروسيا، التي تُعدّ من الشركاء التجاريين والاستثماريين الرئيسين للإمارات، كما أنّه يدعم فرص التعاون المشترك، ويسهل الوصول إلى أسواق جديدة، مما يدعم مساعي الإمارات لتنويع اقتصادها وتعزيز استقرارها المالي.