متى يبدأ المركزي المصري دورة التيسير النقدي؟

يعتبر التيسير النقدي أحد الأدوات الرئيسية التي تستخدمها البنوك المركزية لتعزيز النمو الاقتصادي، خاصة في أوقات الركود أو انخفاض النشاط الاقتصادي، ويتضمن هذا النهج خفض أسعار الفائدة وزيادة المعروض النقدي، مما يهدف إلى تحفيز الإنفاق والاستثمار،من خلال تشجيع الأفراد والشركات على الاقتراض، يسهم التيسير النقدي في تحسين السيولة في الأسواق، مما يعزز النشاط الاقتصادي ويساعد في تحقيق أهداف النمو والتوظيف. ومع ذلك، يظل التوازن بين تحفيز الاقتصاد والسيطرة على التضخم من التحديات الرئيسية التي تواجه صانعي السياسة النقدية.

وفي ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر ، يظل موضوع أسعار الفائدة والسياسة النقدية من القضايا الحيوية التي تشغل بال صانعي القرار والمستثمرين على حد سواء،  مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم في العديد من الاقتصادات، تتبنى البنوك المركزية سياسات نقدية مشددة تهدف إلى كبح هذا التضخم المتزايد.

كبح جماح التضخم

وقال الدكتور رمزى الجرم الخبير المصرفي، لا شك أن تبني أسعار فائدة مرتفعة نسبيًا من أجل كبح جماح التضخم عبر تشديد السياسة النقدية لفترة من الوقت ينبغي ألا يستمر لفترة أطول من ذلك، حتى لا يؤدي إلى نتائج عكسية.

قد يتبدى ذلك من خلال عدم توفير أموال رخيصة نسبيًا للمشروعات، نظرًا لارتفاع كلفة الائتمان نتيجة وجود أسعار فائدة مدينة غير ملائمة.

اقرأ أيضا: هل تنجح الحكومة المصرية في تخفيف الأعباء المالية على المواطن؟
وقد تظهر زيادة معدلات التضخم بشكل أكبر نتيجة قيام أصحاب المشروعات المنتجة للسلع برفع أسعار منتجاتهم النهائية من أجل تعويض أسعار الفائدة المرتفعة، مما يلقي بظلاله على زيادة معدلات التضخم المرتفعة أساسًا.

وحتى لو أحجمت المشروعات المنتجة للسلع محليًا عن الاقتراض بأسعار الفائدة المرتفعة، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في الإنتاجية مما يقلص عرض السلع، والذي يدفع بدوره نحو ارتفاع أسعار السلع، وبالتالي زيادة معدلات التضخم المرتفعة أساسًا.

المؤشرات الكلية للاقتصاد القومي

وأضاف الجرم، ولهذا، يجب على صانعي السياسة الاقتصادية والنقدية في البلاد أن ينظروا بين فترة وأخرى في مدى جدوى انتهاج سياسة نقدية متشددة وتأثيرها المباشر وغير المباشر على المؤشرات الكلية للاقتصاد القومي.

وعلى الرغم من سعي كافة البنوك المركزية في أنحاء العالم نحو تخفيف حدة التشديد أو التقييد النقدي خلال العام الجاري، من خلال تخفيض تدريجي لأسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، وبشكل خاص ما تبناه الفيدرالي الأمريكي في آخر اجتماع له من تخفيض 50 نقطة أساس، بل من المتوقع أن يستمر على هذا النحو خلال الفترة القادمة، فإن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي لا تزال تتبنى تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض عند مستوى 27.25٪ و28.25٪ على الترتيب.

والحقيقة أن إصرار صانعي السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري على عدم تخفيض أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض خلال الفترة القليلة الماضية، ربما يأتي على خلفية وجود زيادة في أسعار المنتجات البترولية، والتي يتم النظر إليها على أنها ترفع معدلات التضخم.

ومن هذا المنطلق، تتجه لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي نحو التثبيت دون تخفيض قوي في تلك الفترة، على أساس أن وجود أسعار فائدة مرتفعة ربما يسحب كتلة نقدية زائدة في الأسواق، مما يحد من آثار التضخم الناتج عن زيادة أسعار المنتجات البترولية، والتي لها تأثير مضاعف على زيادة أسعار السلع والخدمات بشكل كامل.

تأثير سلبي على جانب العرض

وأوضح الخبير، إلا أن هذا الاتجاه قد يدفع الأمور نحو الأسوأ، من منطلق أن الإصرار على وجود أسعار فائدة مرتفعة لفترة طويلة سيكون له تأثير سلبي على جانب العرض، من خلال انخفاض الإنتاجية نتيجة عدم وجود ائتمان رخيص نسبيًا يسمح بإنتاج السلع بتكلفة أقل، وبالتالي أسعار سلع أقل نسبيًا، مما يلقي بظلاله على ارتفاع إضافي في معدلات التضخم.

وبناءً عليه، من المتوقع أن يتجه صانعو السياسة النقدية نحو تخفيف حدة السياسة النقدية المُشددة، ربما في الاجتماع القادم في نوفمبر، أو على أقصى تقدير في الاجتماع الأخير في هذا العام في ديسمبر، هذا في ظل ثبات العوامل الأخرى دون تغيير.

موعد التيسير النقدي

فيما يرى  الدكتور ياسر حسين، الخبير الاقتصادي، أن التوقيت الحالي غير ملائم للتيسير النقدي، وذلك بسبب معدلات التضخم المرتفعة التي تعاني منها البلاد. حيث سيؤدي اللجوء إلى سياسات التيسير النقدي، بما فيها ضخ مزيد من الأموال أو خفض الفائدة، إلى تفاقم معدلات التضخم بدلاً من السيطرة عليه.

مكافحة التضخم

وأشار حسين إلى أن أحد أبرز الأدوات التي اعتمدت عليها مصر في مواجهة التضخم هو رفع أسعار الفائدة البنكية، وذلك بهدف امتصاص جزء كبير من السيولة النقدية المتاحة لدى الأفراد. فهذه الفائدة المرتفعة محاولة لاحتواء التضخم عبر خفض القدرة الشرائية التي تعزز الطلب على السلع والخدمات، ما يسهم في تخفيف الضغوط التضخمية.

ويرى الدكتور حسين أن الركود الاقتصادي الذي يواجه البلاد ليس نتيجة لنقص في المعروض النقدي، وإنما يرتبط بارتفاعات متتالية ومتزايدة في الأسعار. هذه الزيادات حدّت من قدرة المواطنين الشرائية على اقتناء السلع والخدمات الأساسية. وبحسب الدكتور حسين، فإن استمرار هذا التضخم المرتفع يقلل من نشاط السوق، إذ يصبح من الصعب على القوة الشرائية مواجهة أسعار السلع التي تشهد ارتفاعًا مستمرًا.

مخاطر طباعة النقد دون مقابل اقتصادي أو إنتاجي

ويحذر حسين من اللجوء إلى سياسة طباعة النقد دون وجود غطاء اقتصادي كافٍ من السلع والخدمات أو عملات أجنبية كإيرادات للدولة، فضلاً عن رصيد الذهب. ويوضح أن طباعة المزيد من النقد دون مقابل إنتاجي يقابله، سواء في شكل سلع أو موارد، قد يؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد، إذ يعزز التضخم ويزيد من الضغوط الاقتصادية على المواطنين. وفي ضوء الوضع الراهن، يعتبر حسين طباعة المزيد من النقد إجراءً محفوفًا بالمخاطر ولا ينبغي اللجوء إليه.

روشتة اقتصادية للرواج في مصر: تعزيز السياحة وتيسير الإجراءات الجمركية

ولتحقيق انتعاش اقتصادي، يرى حسين أن التركيز يجب أن يكون على قطاعات إنتاجية مثل السياحة، التي توظف ملايين الأفراد وتدعم أسرهم. ويقترح حسين أن يتم تشجيع هذا القطاع من خلال تقديم تسهيلات خاصة ودعم من الدولة، بالإضافة إلى الإفراج الفوري عن كافة مستلزمات الإنتاج في الجمارك من آلات وقطع غيار ومواد أولية ضرورية لضمان استمرار العمليات الإنتاجية في مختلف القطاعات.

تيسير إجراءات فتح المشاريع

ويوصي حسين بضرورة تيسير إجراءات فتح المشاريع بكافة أحجامها، سواء كانت مشاريع متناهية الصغر، أو صغيرة، أو متوسطة، وصولًا إلى المشاريع الكبرى. كما يؤكد على أهمية دعم الدولة المستمر للمشروعات الإنتاجية وتلك التي تستهدف التصدير، معتبرًا أن هذا النوع من المشاريع يعد من أهم السبل لتحفيز الاقتصاد المحلي، وتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.

اقرأ أيضا: إعادة تقييم الشركات بالبورصة المصرية
يرى الدكتور ياسر حسين أن تنفيذ هذه التوصيات يمكن أن يخلق “روشتة” للنمو الاقتصادي، ما يسهم في تخفيف حدة التضخم الحالي وتقليل الركود الذي يؤثر على العديد من القطاعات، بدلاً من الاعتماد على سياسات نقدية غير مناسبة، كما يتطلب تحقيق الرواج الاقتصادي تبني سياسات عملية تعزز من القدرات الإنتاجية للبلاد وتدعم الأسواق المحلية.

تراجعت توقعات خفض أسعار الفائدة على الجنيه المصري في الربع الأخير من العام الحالي، وذلك بعد الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود والكهرباء، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم خلال شهر سبتمبر الماضي.

توقعات بنك جولدمان ساكس

وأفاد بنك الاستثمار الأميركي جولدمان ساكس بأن الزيادة الملحوظة في بيانات التضخم لشهر سبتمبر، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية الإقليمية،تؤكد عدم توفر فرصة لخفض معدلات الفائدة في الربع الحالي من العام.

وأوضح البنك أن هذه التوقعات تستند إلى منهجية لجنة السياسة النقدية التي تعتمد على البيانات وتتحلى بالحذر، وأشار إلى أن التضخم قد يبقى قريبًا من مستوياته الحالية حتى نهاية العام، مع إمكانية بدء دورة خفض الفائدة في الربع الأول من العام المقبل.

في تقريره، ذكر البنك أنه في حالة غياب الضغوط المستمرة على أسعار المواد الغذائية، فمن المتوقع أن يحدث انخفاض في معدل التضخم الأساسي بنسبة تقارب 10% بحلول فبراير، وذلك نتيجة لتأثيرات الأساس. وأكد توقعاته بأن يستمر التضخم في التراجع تدريجيًا، ليصل إلى حوالي 10% بحلول نهاية عام 2025، مما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة إلى نحو 13% بنهاية العام المقبل، مقارنة بمعدل 27.25% الحالي.

تحديثات شركة فيتش سوليوشنز

من جانبها، أعلنت شركة “فيتش سوليوشنز” للأبحاث التابعة لوكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني أنها قامت بتعديل توقعاتها، مشيرةً إلى ضرورة الإبقاء على سعر الفائدة حتى نهاية الربع الحالي. وأوضحت أن هذا التعديل جاء نتيجة للزيادة المعتدلة في معدلات التضخم وعدم اليقين الناجم عن التوترات الجيوسياسية.

وأشارت “فيتش” إلى أنه من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم ليصل إلى حوالي 28% على أساس سنوي في أكتوبر، ليظل مرتفعًا حتى يناير 2024 نتيجة لزيادات أسعار الوقود والكهرباء. ومن المتوقع أن يؤثر تأثير سنة الأساس بشكل إيجابي، مما يؤدي إلى خفض معدل التضخم إلى نحو 16% على أساس سنوي بحلول فبراير 2025، إلا أن هذا المعدل سيبقى أعلى من النطاق المستهدف للبنك المركزي المصري، الذي يتراوح بين 5 و9%.

علاوة على ذلك، قامت “فيتش سوليوشنز” بمراجعة توقعاتها بشأن خفض سعر الفائدة خلال العام المقبل، حيث توقعت أن يكون مقدار الخفض 9% فقط، بدلاً من 12% كما كان متوقعًا سابقًا. وأكدت أنه من المرجح أن يشهد الربع الثاني من عام 2025 ارتفاعًا في التضخم مما قد يصعب من إمكانية خفض أسعار الفائدة في ذلك الوقت.

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة