المعادن النادرة.. وقود الصراع بين القوى العظمى

تقرير: باسل محمود

المعادن النادرة وقود للصراع بين القوى العظمى، في ظل المنافسة الشديدة بين هذه الدول على الموارد الأساسية في الصناعات التكنولوجية الحديثة والمتطورة، وفي التحول نحو الاقتصاد الأخضر، بالإضافة إلى الصناعات العسكرية.

في الماضي، لم تكن هذه المواد ضمن محور الصراعات الدولية، بالرغم من دورها المهم في الصناعات مثل الكيمياء والإلكترونيات والدفاع، ولكن مع التطور التكنولوجي، والاهتمام المتزايد بالاقتصاد المستدام، أصبحت هذه الموارد في مركز الاهتمام العالمي.

التنافس الدولي على المعادن النادرة

ازداد الاهتمام بتزايد قوة الصين وتأثيرها في الاقتصاد العالمي عندما بدأت تسيطر على العديد من مصادر معادن الأرض النادرة، ومع توسع الدول غير الغربية في الساحة الدولية، أصبحت هذه المعادن سلاحاً اقتصادياً مهماً يثير القلق الدولي، خاصة في ظل التنافس الشديد بين القوى الكبرى.

وتُعتبر هذه الموارد جزءاً من سياسات الأمن القومي للعديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي تسعى جاهدة لحماية مصالحها في هذا المجال، في حين تعمل الصين، باعتبارها دولة تتمتع بتكنولوجيا وقوة صناعية قوية، على تعزيز وحماية مخزونها من هذه المعادن الاستراتيجية.

الصين تهيمن على سوق المعادن الحرجة

إعلان الصين في يوليو 2023 تقييد صادرات معادن الغاليوم والجرمانيوم، أثار جدلاً دولياً كبيراً وانتقادات حادة من قبل المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة؛ حيث تصنف هاتان المادتان ضمن المعادن الحرجة التي تعتبر أساسية للعديد من الصناعات الحيوية، بما في ذلك الصناعات التكنولوجية والعسكرية.

وتتحكم الصين بنسبة كبيرة من إمدادات العالم من هاتين المواد، حيث تنتج 80%، في حين يستورد الاتحاد الأوروبي 27% من احتياجاته من الغاليوم و17% من الجرمانيوم من الصين، وهو ما يثير مخاوف دولية بشأن التبعية على الصين في هذا الصدد.

هذه الخطوة الصينية تسلط الضوء على تأثيرها الكبير في سوق المعادن العالمية، وتعكس الصراعات الاقتصادية والاستراتيجية بين الدول، حيث تسعى كل دولة لتأمين مصالحها الوطنية وتقليص تبعيتها على الدول الأخرى في مجال الموارد الحيوية.

اقرأ أيضًا: سباق النفوذ بين الصين والغرب في إفريقيا

محاولة الغرب كسر هيمنة الصين

على مدى السنوات القليلة الماضية، كان الغرب يحاول كسر قبضة الصين على المعادن التي تشكل أهمية بالغة للدفاع والتكنولوجيات الخضراء، وعلى الرغم من الجهود الغربية، إلا أن الشركات الصينية أصبحت أكثر هيمنة، وليس أقل، حيث تقوم بتوسيع عملياتها وزيادة العرض، ما ينتج عنه خفض في الأسعار، بينما منافسيهم في الغرب لا يستطيعون فعل ذلك.

يقول مورغان بازيليان، مدير معهد باين في كلية كولورادو للمناجم: “الصين لا تقف مكتوفة الأيدي وتقوم باستثمارات ضخمة في التعدين”، مستشهداً بمعدن النيكل، وهو ضروري لبطاريات السيارات الكهربائية، حيث تضخ مصانع المعالجة الصينية في إندونيسيا كميات هائلة من هذا المعدن في السوق العالمي.

في المقابل، علّقت شركة التعدين العملاقة “غلينكور” ومقرها سويسرا، عملياتها في مصنع النيكل التابع لها في كاليدونيا الجديدة بفرنسا، رغم الدعم المالي المقدم من باريس، وتم إغلاق ما لا يقل عن أربعة مناجم للنيكل في غرب أستراليا.

وفي الوقت الذي تتوسع فيه شركات التعدين الصينية، مستفيدة من دعم الدولة لزيادة الإمدادات وتخفيض الأسعار، تشهد السوق العالمية، انسحاب الشركات الغربية المنافسة لها، بسبب إغلاق المنشآت أو زيادة إنتاج الصين للمعادن، سواء داخل الصين نفسها، أو في أفريقيا وآسيا.

تصاعد الصراع بين الصين والغرب

يقول رئيس رابطة المساحة الجيولوجية المصرية، الدكتور حسن بخيت، في تصريحات خاصة لموقع “Econ-Pedia” إن الصراع على المعادن وخاصة المعادن الاستراتيجية والنادرة، مستمر منذ فترة طويلة بين الصين والغرب، ويشمل ذلك توسيع دائرة التنقيب، سواء داخل حدود هذه الدول أو خارجها.

وأضاف: “هناك اتجاه عالمي لاستبدال الوقود الأحفوري، بمصادر أخرى تكون أقل تلويثًا للبيئة، ولعل حمى البحث عن الليثيوم، الذي هو وقود بطاريات السيارات الكهربائية أصبحت تستقطب كبرى الشركات العالمية وشمل ذلك كل البيئات الجيولوجية المحتملة لتواجد الليثيوم، وعلى رأسها البحيرات الملحية والمياه الجوفية المالحة”.

وفي عام 2023، انخفض إنتاج الكوبالت المكرر غير الصيني، لأدنى مستوى له في 15 عاماً، في الوقت نفسه، ارتفعت حصة تعدين الليثيوم داخل الصين، أو تلك التي تنفذها شركات صينية في الخارج، من 14% في عام 2018، إلى 35% في عام 2024، ينما تم تأجيل أو تعليق مشاريع الليثيوم في الولايات المتحدة وأستراليا بعد زيادة الإنتاج الصيني في الداخل، وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

اقرأ أيضًا: أمريكا والصين.. رسائل وعيد ومصالحة

الصين تهيمن على سوق المعادن النادرة

يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في “Cedra Markets” جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع “Econ-Pedia” إن الصين تنتج تقريباً 70% من المعادن النادرة، وعددها 17 معدناً، كما أن لديها تقريباً 44% من الاحتياطات العالمية للمعادن النادرة، موضحا أن العالم لديه 110 ملايين طن متري من المعادن النادرة، و44 مليون طناً منها في الصين”.

أوضح يرق، أن هذه المعادن أساسية في جميع صناعات التكنولوجيا، سواء الهواتف الذكية أو الشاشات، أو السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى توربينات الرياح، التي تستخدم في إنتاج الطاقة النظيفة، كما أن هذه المعادن النادرة، تدخل أيضا في الصناعات العسكرية، مثل الصواريخ العابرة للقارات.

ورفعت الصين من مستوى عمليات معالجة الليثيوم داخل حدودها، من 63% في عام 2018 إلى 70% في عام 2024.

550  مليون دولار لاستخراج المعادن النادرة في أستراليا

أشار رئيس قسم الأسواق العالمية في “Cedra Markets”، إلى أن أستراليا خصصت منذ شهرين، نحو 550 مليون دولار لاستخراج هذه المعادن النادرة من وسط أستراليا، بعد اقتراح مجموعة السبع في اجتماع لها في اليابان خلال العام الحالي، على ضخ استثمارات في أفريقيا وأميركا الجنوبية لاستخراج المعادن النادرة.

“هناك انتشار كثيف للشركات الصينية داخل القارة الأفريقية للتنقيب عن العناصر النادرة”.. بحسب رئيس رابطة المساحة الجيولوجية المصرية، الدكتور حسن بخيت.

المعادن النادرة سلاح ضد الغرب

أوضح يرق، أن سبب تفوق الصين، سواء في صناعة السيارات الكهربائية، أو ألواح الطاقة الشمسية، أو توربينات الرياح، هو الحجم الكبير الذي تتمتع به من احتياطات المعادن النادرة التي تستخدمها بشكل أساسي في هذه الصناعات، مشيرا إلى أن المعادن النادرة ليس لها بديل في بعض الصناعات الاستراتيجية.

“هذه المعادن لها أهمية استراتيجية كبيرة، والصين تستخدمها للضغط على الغرب حال فرض عقوبات عليها، حيث تلجأ الصين إلى تخفيف تصدير هذه المعادن في الأوقات التي تتعرض فيها بكين إلى عقوبات تجارية من واشنطن، وشهدنا قبل ذلك حظر الصين تصدير المعادن النادرة إلى اليابان والولايات المتحدة كرد على العقوبات الغربية التي فرضت عليها”.. بحسب رئيس قسم الأسواق العالمية في “Cedra Markets”  جو يرق.

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة