السياحة في “كشمير” تدفع ثمن الحرب بين الهند وباكستان
تقرير: باسل محمود
انهار قطاع السياحة في إقليم كشمير بشكل شبه كامل بعد المجزرة الدامية التي وقعت في أبريل الماضي، وأودت بحياة 26 شخصًا معظمهم من السيّاح الهندوس، لتُشعل واحدة من أسوأ موجات التوتر بين الهند وباكستان في السنوات الأخيرة، وتتسبب بخسائر فادحة لم تشهدها المنطقة منذ عقود، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
القوارب متوقفة والمنتجعات مهجورة
في سريناغار، العاصمة الصيفية للإقليم، توقّفت قوارب “شيكارا” الشهيرة عن الحركة فوق بحيرة دال، وتحولت المنتجعات الجبلية في باهالغام وغولمارغ إلى مواقع شبه مهجورة.
الفنادق، التي كانت تمتلئ عن آخرها بالسياح خلال هذا الوقت من العام، أصبحت شبه فارغةK أما سيارات الأجرة فاستقرت في مواقفها بلا حركة بانتظار زبائن لم يأتوا.
قال ياسين تومان، أحد أبرز أصحاب القوارب السياحية في سريناغار، إن نسبة الإشغال السياحي اقتربت من الصفر، وإن مشهد الصمت الذي يلفّ المنطقة اليوم غير مسبوق، مضيفًا أن تداعيات الهجوم الأخير ضربت كل مظاهر الحياة السياحية في المدينة.
إعادة كشمير إلى مربع الخوف
في الثاني والعشرين من أبريل، استهدف هجوم دموي مرجًا سياحيًا في باهالغام، وأدى إلى مقتل 26 شخصًا، معظمهم من الزوار القادمين من خارج الإقليم، وخلال أيام معدودة غادر عشرات الآلاف من السيّاح المنطقة، فيما أغلقت السلطات عشرات المنتجعات بشكل مؤقت، خوفًا من تصعيد محتمل.
الهجوم فجّر سلسلة من الاتهامات المتبادلة بين نيودلهي وإسلام آباد، إذ حمّلت الهند جارتها المسؤولية عن المجزرة، وهو ما نفته باكستان بشدة.
وبدلًا من احتواء الموقف، تصاعد التوتر إلى ضربات عسكرية متبادلة بالطائرات المسيّرة والصواريخ، دفعت البلدين النوويين إلى حافة مواجهة مفتوحة، ما عمّق منسوب الذعر في الشارع الكشميري وانهارت معه كل آمال الموسم السياحي.
اطّلع على تفاصيل الأزمة: مياه السند تتحول إلى سلاح سياسي بين الهند وباكستان
فنادق فارغة وعمال بلا دخل
بحسب جمعية فنادق ومطاعم كشمير، فإن نحو 12 ألف غرفة كانت محجوزة في المنطقة حتى يونيو المقبل، لكن “جميع الحجوزات تقريبًا أُلغيت”، وفق ما أكده الشيخ بشير أحمد، نائب رئيس الجمعية. كما توقّف عشرات الآلاف من العاملين في قطاع السياحة عن العمل بشكل مفاجئ، دون أي بديل أو خطة طوارئ.
لم تقتصر الخسائر على الفنادق، بل امتدت إلى الأكشاك الصغيرة، وسائقي سيارات الأجرة، والحرفيين، وبائعي الأغذية، وحتى عمال النقل والمكاتب السياحية.
سائق الأجرة محمد عرفان قال إن سيارته متوقفة منذ أسبوعين، في حين لم تعد الرحلات إلى التلال والحدائق التاريخية تُطلب من الأساس. أما فايز أحمد، أحد أصحاب القوارب، فقال إن الطوابير التي كانت تملأ المرفأ لم تعد موجودة، وتحولت إلى فراغ طويل وصامت.
النمو السياحي في كشمير يتبخّر في لحظة
قبل المجزرة، كانت كشمير تسجل نموًا ملحوظًا في أعداد السيّاح، مدعومًا بحملات حكومية تهدف إلى إعادة رسم صورة الإقليم كساحة آمنة وجاذبة للاستثمار والسفر؛ ففي عام 2022 استقبلت المنطقة نحو 2.67 مليون سائح، وارتفع العدد في 2023 إلى 2.71 مليون، ليبلغ في 2024 ما يقارب 3 ملايين زائر.
الحكومة الهندية، بقيادة ناريندرا مودي، كانت قد ألغت الحكم الذاتي الجزئي للإقليم في 2019، وشرعت في فرض قبضة أمنية مشددة، ترافقها حملات ترويجية محلية ودولية لتعزيز النشاط السياحي، على أمل رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي من 7% إلى 15% خلال خمس سنوات.
لكن هذه الطموحات اصطدمت مجددًا بجدار الواقع، حيث أدّى التصعيد الأمني الأخير إلى تدمير الثقة التي بدأت تتكون حول استقرار كشمير، وأثبتت هشاشة أي طفرة اقتصادية في ظل غياب تسوية سياسية دائمة.
مستقبل السياحة في كشمير مرهون بالسلام
المشغّلون المحليون في قطاع السياحة لا يخفون قلقهم من أنَّ ما جرى قد يترك آثارًا طويلة الأمد، وقد عبر تومان -الذي تمتهن عائلته السياحة منذ ستة أجيال- عن تشاؤمه من إمكانية التعافي السريع، مؤكداً أن موسم الصيف قد ضاع بالكامل، وأن عودة الحركة الطبيعية قد تتطلب أكثر من ستة أشهر حتى في حال استقرار الوضع.
في المقابل، قال الشيخ بشير أحمد إن “السياحة لا تزدهر إلا بالسلام”، محذرًا من أن أي تهدئة مؤقتة، لن تكون كافية لإعادة بناء الثقة ما لم يتم معالجة الجذور السياسية للنزاع.
هل تنقذ الدبلوماسية اقتصاد كشمير؟
رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية جاء كخطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن غياب أي مؤشرات على حوار سياسي مباشر بين الهند وباكستان يُبقي الوضع هشًا؛ فالموسم السياحي الذي بدأ واعدًا تحوّل إلى نكسة اقتصادية، قد تتكرّر ما لم تُبذل جهود حقيقية لإعادة الاستقرار الدائم.
في كشمير، لا تُقاس الخسائر بالأرقام فقط، بل بثقة الناس وخوفهم من الغد، وتردّد السائح في أن يخطو فوق أرض يمكن أن تنفجر تحت قدميه في أي لحظة.
وبين الطبيعة الساحرة التي تعد بالسلام والسياسة التي لا تزال تزرع القلق، يبقى مستقبل السياحة في كشمير معلّقًا على أمل مفقود في سلام لم يأتِ بعد!
قد يهمّك أيضًا: الهند وباكستان تتصدران العالم في عدد مستخدمي سناب شات