ترامب يوقع قرار رفع العقوبات عن سوريا.. باستثناء الأسد وداعميه
وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يقضي بإنهاء برنامج العقوبات المفروضة على سوريا، في إطار دعم الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار والسلام داخل البلاد، ويمثل هذا القرار نقطة تحول حاسمة بعد سنوات طويلة من العزلة الاقتصادية والسياسية التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا.
ورغم أنّ الأمر التنفيذي ينص بشكل واضح على رفع العقوبات عن سوريا كدولة، إلا أنّه أبقى العقوبات قائمة على عدد من الكيانات والأفراد، في مقدمتهم بشار الأسد ومعاونيه، بالإضافة إلى كل من ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو تورط في تهريب المخدرات، أو ارتبط بأنشطة الأسلحة الكيميائية، فضلاً عن التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش وفروعه، والوكلاء التابعين لإيران داخل الأراضي السورية.
تفاصيل القرار الأمريكي بشأن رفع العقوبات عن سوريا
جاء في نص القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية تأكيد على التزام واشنطن بدعم “سوريا مستقرة وموحدة، تعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها”، مضيفًا أن “سوريا التي لا توفر ملاذًا آمنًا للمنظمات الإرهابية، وتضمن أمن أقلياتها الدينية والعرقية، ستكون عاملًا داعمًا للأمن والازدهار الإقليميين”.
وأوضحت الوثيقة أن الظروف التي أدت سابقًا إلى فرض العقوبات قد شهدت تغيرًا ملحوظًا خلال الأشهر الستة الأخيرة، حيث لوحظت “إجراءات إيجابية” اتخذتها الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، مما استدعى إعادة تقييم السياسة الأمريكية تجاه دمشق.
وتعزيزًا لهذا التوجه، أعلن وزير الخارجية ووزير الخزانة عن اتخاذ خطوات تنفيذية أولية، تضمنت إصدار الترخيص العام رقم 25 بتاريخ 23 مايو 2025، والذي سمح بإعفاءات محددة من العقوبات، بما في ذلك إعفاءات بموجب قانون قيصر.
وبموجب القرار الجديد، تم إلغاء عدد من الأوامر التنفيذية السابقة التي شكلت الأساس القانوني للعقوبات الأمريكية على سوريا، وتشمل تلك الأوامر التي صدرت ما بين عامي 2004 و2011، والتي كانت تستهدف الحكومة السورية، ومسؤوليها، والممولين الرئيسيين لها.
اقرأ أيضًا: استثمارات دولية لإنهاء أزمة الكهرباء في سوريا بقيمة 7 مليارات دولار
تداعيات القرار على الاقتصاد السوري
في تعليقه على القرار قال الدكتور سيد قاسم الخبير الاقتصادي، إن توقيع الرئيس ترامب لهذا القرار يعد تحوّلًا محوريًا في مسار السياسة الأمريكية تجاه سوريا، ويكشف عن نية واضحة في إعادة إدماج هذا البلد في النظام المالي والدولي.
وأضاف: “هذا القرار يأتي تتويجًا لمسار بدأ منذ زيارة ترامب الأخيرة إلى منطقة الخليج، ولقائه بولي العهد السعودي، حيث كانت سوريا أحد محاور النقاش الرئيسية، وتبعها التزام سياسي واضح من قبل ترامب بالسعي إلى رفع العقوبات”.
كما أشار قاسم إلى أن الأمر التنفيذي الذي صدر بالفعل يحمل أبعادًا اقتصادية واستراتيجية متعددة؛ فهو من جهة يفتح الباب أمام مراجعة تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، ويتيح لها إمكانية الوصول إلى النظام المالي الدولي، مما يعني فتح قنوات التعاملات المصرفية، وتخفيف القيود على التحويلات، وتسهيل عمليات التمويل والاستثمار. ومن جهة أخرى، فهو يشير إلى نية الإدارة الأمريكية دعم جهود إعادة إعمار سوريا، وتمكين الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع من تنفيذ برامج تنموية شاملة.
ووفقًا للخبير: “مع أن القرار يتضمن رفع العقوبات التي تم فرضها بموجب أوامر تنفيذية سابقة، إلا أن الإدارة الأمريكية أكدت بشكل واضح الإبقاء على العقوبات المفروضة على الأفراد والجهات المرتبطة باستخدام الأسلحة الكيميائية، وكذلك على بشار الأسد وعدد من الشخصيات والكيانات المرتبطة بالنظام السابق، وهذا يعكس توجهًا مزدوجًا يوازن بين الانفتاح نحو سوريا الجديدة، وعدم التهاون مع الجرائم السابقة”.
ومن ناحية أخرى، يرى قاسم أنّ رفع بعض العقوبات أو تعليقها يعد فرصة ذهبية للحكومة السورية لاستعادة زمام المبادرة داخليًا، وإنعاش الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات العربية والدولية التي ظلت معلقة لأعوام بسبب العوائق القانونية، كما أن القرار يشير أيضًا إلى السماح بتخفيف ضوابط التصدير لبعض السلع، مما يهيئ السوق السوري لتدفّق مساعدات إنسانية وتقنية كانت محظورة أو مؤجلة، خاصة تلك القادمة من دول الخليج التي أعلنت دعمها سابقًا دون أن تتمكن من التنفيذ الفعلي بسبب الحظر المفروض.
اقرأ أيضًا: عودة سوريا إلى نظام سويفت.. بداية جديدة للنظام المالي والاستثماري
طبيعة العقوبات الملغاة والمعلّقة
من الناحية القانونية، فإن العقوبات المفروضة على سوريا تنقسم إلى نوعين: عقوبات فرضها الكونغرس والتي يمكن تعليقها مؤقتًا بقرار رئاسي إذا توفرت أسباب إنسانية أو أمنية، وعقوبات أخرى فرضها الرؤساء المتعاقبون عبر أوامر تنفيذية، وهي التي يمكن لترامب إلغاؤها مباشرة، وبالفعل القرار الحالي يمثّل مزيجًا من الإلغاء والتعليق، في انتظار ما ستسفر عنه مراقبة أداء الحكومة السورية في الأشهر المقبلة.
وقد جاءت هذه الخطوة في سياق مرحلة جديدة بعد مغادرة بشار الأسد وظهور نظام سياسي جديد بقيادة الشرع، الذي وعد بضمان حقوق الأقليات، وتمكين الفئات المهمشة، والعمل على تأسيس سوريا جامعة لكل أبنائها.
ومن ناحية أخرى، ذكر الخبير الاقتصادي أن رفع العقوبات ليس هدفًا بحد ذاته، وإنما وسيلة لإتاحة الفرصة للنظام الجديد لإثبات جديته في الإصلاح والانفتاح، وهو ما أكد عليه البيت الأبيض، الذي أشار إلى أن استمرار التعليق أو رفع العقوبات كليًا مستقبلاً مرهون بالتزام الحكومة الجديدة بالمعايير الدولية، وعلى رأسها حقوق الإنسان.
واختتم الخبير حديثه قائلاً: “لا يمكن فصل هذا القرار عن سياقه الإقليمي والدولي، فهو لا يعبّر فقط عن توجهات أمريكية بحتة، بل يستند إلى توافقات مع الحلفاء في المنطقة، وفي مقدمتهم السعودية التي يبدو أنها كانت شريكًا أساسيًا في بلورة هذا المسار. وبالنظر إلى الواقع الاقتصادي السوري الحالي، الذي يعاني من هشاشة البنية التحتية، وشح الموارد، وركود المؤسسات، فإن هذه الخطوة، إن حسنت إدارتها، قد تكون نقطة انطلاق حقيقية نحو التعافي والنمو”.
إعادة التوازن الإقليمي
من جانبها، صرحت الدكتورة شيماء وجيه، أستاذ الاقتصاد في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، بأن رفع أو تعليق العقوبات عن سوريا يمثل تحولًا استراتيجيًا في السياسة الاقتصادية الدولية تجاه دمشق، ويُعيد تشكيل الخريطة الإقليمية للتعاون والتنمية في الشرق الأوسط.
وأوضحت أن القرار لا يقتصر فقط على رفع القيود الاقتصادية، بل يتعداه إلى إنهاء حالة الطوارئ الخاصة بسوريا، والتي كانت سارية منذ عام 2004، وهو ما يعكس قناعة أمريكية بأن سوريا قد بدأت تخطو بثبات نحو تعزيز الاستقرار الداخلي، وأن الظروف باتت مهيأة لإعادة إدماجها في المنظومة الدولية.
وأضافت: “من منظور اقتصادي، هذا القرار يحمل آثارًا كبيرة، ليس فقط على الاقتصاد السوري، بل على توازنات المنطقة ككل، فهو يسمح لسوريا بالعودة التدريجية إلى النظام المالي العالمي، ويفتح أبواب السوق أمام الاستثمارات الأجنبية، خاصة الأمريكية والخليجية، في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والطاقة والزراعة”.
قد يهمّك أيضًا: “سوريا” نهاية 46 عامًا من العزلة.. فماذا يعني ذلك؟
ماذا يعني استثناء بعض الكيانات؟
شددت وجيه على أن القرار يستثني بشكل واضح شخصيات وكيانات متورطة في الانتهاكات الحقوقية أو في دعم أنشطة غير مشروعة، بما في ذلك بشار الأسد وشركاؤه، وتنظيم داعش، والوكلاء التابعون لإيران، مضيفةً أنَّ “هذا الاستثناء يعتبر مؤشرًا على أن الإدارة الأمريكية، رغم انفتاحها، لا تزال تضع ضوابط صارمة فيما يخص المحاسبة وعدم إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب”.
كما ذكرت أن القرار يشمل أيضًا توجيهًا لوزارة الخارجية الأمريكية بإعادة تقييم تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، بناءً على المستجدات الميدانية والسياسية، مؤكدة أن “هذا التقييم، في حال أفضى إلى تغيير التصنيف، قد يؤدي إلى مزيد من الانفتاح الدولي على سوريا، ويمهّد الطريق أمام ضخ مساعدات مالية واستثمارية دولية كانت معلقة لعقود”.
واختتمت الدكتورة شيماء وجيه تصريحها بالتأكيد على أهمية أن تغتنم الحكومة السورية هذه الفرصة التاريخية لإثبات الجدية في الإصلاح، والالتزام بمسار العدالة والتنمية، مشيرة إلى أن “القرار الأمريكي ليس نهاية المطاف، بل هو بداية اختبار حقيقي لقدرة الدولة السورية على النهوض من أزمتها، وإعادة بناء مؤسساتها على أسس من الشفافية والشراكة والانفتاح الاقتصادي المسؤول”.
ولعلَّ هذا القرار التنفيذي لا يفتح فقط صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين واشنطن ودمشق، بل يمثل أيضًا بوابة لإعادة دمج سوريا في المنظومة الاقتصادية العالمية، وإعطائها فرصة حقيقية لاستئناف عملية الإعمار، وإعادة إطلاق عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بعد سنوات طويلة من الصراع والعقوبات.
قد يهمّك أيضًا: استئناف التداول في بورصة دمشق وسط إجراءات تنظيمية مشددة