تُعد الضرائب أداة رئيسية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقد شهد النظام الضريبي في المملكة العربية السعودية تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية؛ فمع تحولات رؤية السعودية 2030 أُعيد تشكيل السياسات الضريبية لدعم التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط. يتناول هذا المقال نظرة شاملة إلى أبرز أنواع الضرائب في السعودية، مع استعراض تطورها وأثرها على الاقتصاد الوطني.
التطورات الأخيرة في النظام الضريبي
لطالما كانت السعودية تتمتع بمعدل ضريبة منخفض على الشركات والأفراد، لكن التطورات الأخيرة في النظام الضريبي السعودي تعكس محاولات الحكومة لتنويع مصادر الدخل غير النفطية.
وقد أعلنت المملكة عن ضريبة القيمة المضافة في عام 2016 بنسبة 5% والتي دخلت حيز التنفيذ في 2018، كما تم تطبيق ضريبة على الشركات والأعمال التجارية، وتحديدًا في بعض القطاعات مثل قطاع النفط والغاز.
وتعد هذه الإجراءات جزءًا من خطة المملكة لتنويع مصادر الإيرادات الوطنية في إطار برنامج “التحول الوطني” و”رؤية 2030″ التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط.
ضريبة الدخل على الأفراد في السعودية
حتى وقت قريب، لم تفرض السعودية ضريبة دخل على الأفراد المقيمين أو العاملين في المملكة، وهي سياسة تهدف إلى جعل بيئة العمل أكثر جذبًا للمواطنين والمقيمين، لكن مع بداية عام 2020 تم تطبيق ضريبة على بعض الأنشطة مثل بيع العقارات.
كما يتم فرض بعض الرسوم الأخرى على الأفراد مثل رسوم الوافدين، وهي ضرائب غير مباشرة تؤثر على الأفراد بشكل غير مباشر، ومن المتوقع أن يشهد النظام الضريبي في المستقبل تطورًا ليشمل فرض ضريبة دخل على الأفراد في حال تطلبت الأمور المالية ذلك.
ضريبة الشركات في السعودية
فيما يخص الشركات، فإنَّ السعودية تفرض ضريبة على أرباح الشركات تعدّ من أهم مصادر الإيرادات الحكومية، وتنطبق هذه الضريبة على الشركات المحلية والأجنبية التي تعمل في المملكة.
تبلغ نسبة الضريبة على الشركات 20% من الأرباح الصافية، وتمثل جزءًا أساسيًا من تمويل الخزينة العامة للمملكة، علمًا أنّ الشركات العاملة في مجالات النفط والغاز تعتبر من أبرز الشركات التي تخضع للضريبة، حيث تفرض عليها المملكة معدلات ضريبية عالية نظرًا لأهمية هذا القطاع الحيوي.
اقرأ أيضًا: ضريبة الأرباح الرأسمالية.. هل تعيد توزيع الثروة أم تعيق الاستثمار؟
الضرائب على الأنشطة النفطية
يُعدّ قطاع الأنشطة النفطية من الركائز الأساسية للإيرادات العامة في المملكة العربية السعودية، ولذلك يخضع لنظام ضريبي خاص يتفاوت بحسب طبيعة النشاط وحجم الأرباح المحققة.
تُفرض ضرائب مرتفعة نسبيًا على الأرباح الناتجة عن أنشطة استخراج النفط والغاز، وهي أعلى بكثير مقارنةً بالقطاعات الاقتصادية الأخرى، وذلك نظرًا للقيمة الاستراتيجية لهذه الموارد. كما تلتزم الشركات العاملة في هذا القطاع بسداد رسوم متنوعة تتعلق بالحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة لمزاولة النشاط.
وتعكس هذه السياسات المالية حرص الدولة على تعظيم العوائد المستخلصة من ثرواتها الطبيعية، بما يسهم في دعم الميزانية العامة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية.
ضريبة القيمة المضافة في السعودية
من أبرز المستجدات في النظام الضريبي السعودي هو تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT) في 2018 بنسبة 5%، والتي تم زيادتها إلى 15% في 2020؛ حيث تطبق هذه الضريبة على جميع السلع والخدمات، وتعتبر من أبرز أدوات تحصيل الإيرادات غير النفطية.
تهدف الحكومة من خلال هذه الضريبة إلى تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية وتوسيع قاعدة الإيرادات الحكومية، علمًا أنّ تحصيل هذه الضريبة يتم بواسطة الشركات، كما أنّها تعد من بين الضرائب غير المباشرة التي تؤثر على الأفراد في حياتهم اليومية.
اقرأ المزيد حول ضريبة القيمة المضافة وشروطها وتأثيراتها في هذا المقال!
التعديلات المستقبلية المتوقعة على النظام الضريبي
يتجه النظام الضريبي في المملكة العربية السعودية نحو المزيد من التطوير والتحديث، وسط توقعات بصدور تعديلات مستقبلية تهدف إلى تعزيز الاستدامة المالية وتوسيع القاعدة الضريبية.
وتشير دراسات وتقديرات خبراء اقتصاديين إلى احتمالية إدراج ضريبة دخل على الأفراد خلال السنوات القادمة، في إطار جهود الدولة لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على العائدات النفطية. كما يُحتمل أن يشمل التوسع الضريبي قطاعات جديدة تشهد نموًا متسارعًا، مثل قطاع التكنولوجيا، تماشيًا مع التحولات الاقتصادية التي تشهدها المملكة.
وتسعى الحكومة من خلال هذه الإجراءات إلى مواءمة النظام الضريبي مع مستهدفات “رؤية السعودية 2030″، وذلك من خلال رفع كفاءة الإيرادات غير النفطية تدريجيًا، مع ضمان استمرار البيئة الاستثمارية الجاذبة والتنافسية.
الضرائب على قطاع الأعمال الصغيرة
تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة جزءًا كبيرًا من الاقتصاد السعودي، لذلك تسعى الحكومة إلى تخفيف العبء الضريبي عن هذه الشركات لدعم نموها وتوسعها.
في حين يتم تطبيق ضريبة الشركات بنسبة 20% على الشركات الكبيرة، تسعى الحكومة إلى فرض ضرائب أقل على الشركات الصغيرة والمتوسطة في إطار سياسات تشجيع ريادة الأعمال، كما أنّ بعض المناطق الحرة تقدم تسهيلات ضريبية للمستثمرين المحليين والأجانب بهدف جذب المزيد من الاستثمارات إلى السوق السعودي.
تعرّف أيضًا إلى نظام القروض المصرفية للمشاريع الصغيرة
مزايا وعيوب النظام الضريبي السعودي
تعمل المملكة على تحسين الشفافية في نظامها الضريبي وتقديم مزيد من الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي الضريبي بين المواطنين والمقيمين على حد سواء، وذلك من خلال برامج التدريب والمبادرات التي أطلقتها الهيئة العامة للزكاة والدخل، كما تحرص المملكة على تعزيز الفهم الصحيح للقوانين الضريبية وتطبيقها بشكل عادل على جميع الفئات.
ومن أبرز مزايا النظام الضريبي السعودي معدل الضرائب المنخفض، مما يجعل المملكة بيئة مواتية للأعمال والمستثمرين، كما أنَّ الحكومة تقدم العديد من الإعفاءات الضريبية في بعض المجالات مثل المناطق الحرة والشركات الصغيرة والمتوسطة.
من ناحية أخرى، هُناك بعض العيوب في النظام الضريبي السعودي، تكمن في الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية، مما يعرض الاقتصاد لتقلبات الأسعار العالمية للنفط، كما أنَّ فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 15% قد يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين والمقيمين.
النظام الضريبي في المملكة العربية السعودية يعكس توجهًا استراتيجيًا نحو بناء اقتصاد متوازن ومستدام؛ فمن خلال تنويع الضرائب وتطوير آليات التحصيل، تسعى السعودية إلى تعزيز الإيرادات الحكومية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحفيز بيئة الأعمال.