قرار استبدال العملات في السودان: بين الأهداف الاقتصادية والجدل الشعبي

تقرير: باسل محمود

في خطوة لافتة، بدأ بنك السودان المركزي استبدال عملتي 1000 و500 جنيه في بعض ولايات البلاد، مع تحديد فترة زمنية قصيرة لتنفيذ العملية، مما أثار موجة من الجدل بين الخبراء الاقتصاديين والمواطنين حول تداعياته وجدواه، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتدهورة التي تعصف بالبلاد.

تفاصيل قرار تغيير العملة في السودان

أعلن بنك السودان المركزي عن بدء عملية استبدال العملات من فئتي 1000 و500 جنيه عبر الحسابات المصرفية حتى الثالث والعشرين من الشهر الجاري، وقد شملت العملية ولايات مختارة؛ منها نهر النيل، والشمالية، والبحر الأحمر، والقضارف، وكسلا، والنيل الأزرق، بالإضافة إلى مدن محددة مثل ربك وكوستي في ولاية النيل الأبيض ومدينة سنار في ولاية سنار.

كما حدد البنك سقف السحب اليومي بمبلغ 200 ألف جنيه، وأكَّد أنَّ العملات القديمة ستظل مبرئة للذمة في الولايات غير المشمولة بالاستبدال حتى إشعار آخر، ودعا اتحاد المصارف المواطنين في المناطق المعنية إلى الإسراع بإيداع العملات المستهدفة ضمن النظام المصرفي.

اقرأ أيضًا: نفط السودان يعود للأسواق

الأهداف المعلنة لعملية تغيير العملة

وفقًا للبنك المركزي، تهدف عملية تغيير العملة في السودان إلى تعزيز الشمول المالي عبر إدخال الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي ومحاصرة العملات التالفة؛ لضمان تداول عملات جديدة وسليمة، وتقليل التضخم من خلال تقليص حجم الكتلة النقدية المتداولة غير الخاضعة للرقابة، بالإضافة إلى تعزيز وسائل الدفع الإلكتروني ودفع المواطنين نحو استخدام أنظمة الدفع غير النقدي.

ويشير الخبراء إلى أنَّ السودان يعاني من تداول 95% من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، الأمر الذي يُضعف السياسات النقدية ويزيد من أعباء التضخم الذي تجاوز 300%، وفقًا لتقديرات غير رسمية.

ردود الفعل على القرار: خطوة للأمام أم أزمة جديدة؟

رغم أنّ هذه الخطوة تهدف إلى تحسين الشمول المالي وتقليص الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي، إلَّا أنَّ التنفيذ الجزئي للعملية، الذي تمثّل باستثناء 11 ولاية من أصل 18 ولاية سودانية، أثار شكوكًا حول فعاليتها وأهدافها الحقيقية؛ حيث يرى خبراء أنَّ هذا الاستثناء يقوض فعالية القرار، لأنّ معظم الكتلة النقدية تبقى خارج النظام المصرفي، خاصة في المناطق التي تشهد نزاعات وانعدام الاستقرار.

واعتبر المراقبون أنَّ القرار يفتقر إلى الشمولية المطلوبة لتحقيق أهدافه، مشيرين إلى أن هذه الخطوة أقرب إلى إصدار جديد للعملة بدلًا من تغيير شامل، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي.

ومن ناحية أخرى، تعتقد بعض الأطراف أنَّ القرار قد يكون له دوافع سياسية، مثل تجفيف مصادر التمويل في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. وفي الوقت نفسه، يتوقع البعض أن يؤدي هذا الإجراء إلى مزيد من الانقسامات الإقليمية داخل البلاد.

التحديات الأمنية التي تواجه العملية

مع اندلاع الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023، تشهد البلاد حالة من عدم الاستقرار الأمني، مما يجعل تنفيذ القرار في جميع الولايات أمرًا شبه مستحيل.

وتشير التقارير إلى توقف أكثر من 300 فرع مصرفي من أصل 430 فرعًا عن العمل، وهذا يحد من القدرة على تنفيذ العملية بنجاح.

تحديات البنية التحتية المصرفية

يُعاني السودان من ضعف في البنية التحتية المصرفية، حيث تفتقر العديد من المناطق إلى الخدمات المصرفية الأساسية، وهذا الوضع يؤدي إلى صعوبة الوصول إلى شريحة كبيرة من المواطنين في المناطق الريفية.

التضخم وسعر الصرف

شهدت العملة الوطنية انخفاضًا حادًا في قيمتها منذ اندلاع الحرب، حيث ارتفع سعر الدولار من 600 جنيه إلى نحو 2300 جنيه، ويرى خبراء أنَّ طباعة العملات الجديدة دون تخفيض الكتلة النقدية القديمة قد يؤدي إلى تضخم إضافي.

اقرأ أيضًا: هربوا من الحرب في السودان فأنعشوا السياحة في أسوان المصرية

تأثير قرار تغيير العملة على التضخم والأسعار

تغيير العملة بشكل جزئي قد يؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية السالبة، مما يفاقم أزمة التضخم، كما يُرجَّح أن يؤدي القرار إلى ارتفاع إضافي في الأسعار، مما يُثقل كاهل المواطنين الذين يعانون بالفعل من تدهور مستويات المعيشة.

ورغم الأهداف المعلنة لتعزيز الشمول المالي، من المتوقع أن يظل معظم النقد خارج النظام المصرفي بسبب ضعف الثقة في القطاع المصرفي وتردي الخدمات المصرفية.

ومن ناحية أخرى، تشير هذه الخطوة إلى محاولة استعادة الثقة في الجنيه السوداني، إلّا أنّها قد تؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم تُنَفَّذ بشكل مدروس؛ فمن المحتمل أن يفقد المواطنون والمستثمرون الثقة بشكل أكبر إذا اعتُبر القرار جزءًا من سياسات مالية غير مدروسة.

إصلاحات اقتصادية مطلوبة لضمان نجاح تغيير العملة

يتطلب نجاح أي تغيير للعملة إصلاحًا شاملًا للسياسات الاقتصادية، بما في ذلك تحسين البيئة المصرفية وتعزيز البنية التحتية المصرفية وزيادة الوصول إلى الخدمات، بالإضافة إلى تطبيق إجراءات استباقية من خلال وضع خطط واضحة لجمع الكتلة النقدية من جميع المناطق، وتعزيز الثقة في السياسات النقدية عبر توفير شفافية أكبر في قرارات البنك المركزي.

إرجاء العملية في ظل الظروف الحالية

يُشير خبراء إلى أنَّ تأجيل هذه الخطوة قد يكون أفضل، ريثما تتحسن الأوضاع الأمنية ويتمكن البنك المركزي من تنفيذها بشكل شامل، حيث ينبغي للبنك المركزي التركيز على استعادة السيطرة على الكتلة النقدية من خلال تحسين الرقابة وزيادة الثقة في النظام المصرفي.

قرار تغيير العملة في السودان يُعد محاولة لمعالجة أزمة نقدية عميقة، لكنه يواجه تحديات ضخمة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

وفي ظل الوضع الحالي، يبدو أن نجاح هذه الخطوة مرهون بمدى قدرة السلطات على تنفيذ إصلاحات أعمق تعالج جذور الأزمة الاقتصادية، مع ضمان شمولية القرار وتوفير بيئة آمنة لتنفيذه، فبدون ذلك، قد يتحول القرار إلى عبء إضافي على الاقتصاد السوداني والمواطنين الذين يعانون من أزمات متعددة.

اقرأ أيضًا: من يدفع رواتب السوريين في مرحلة ما بعد النظام؟

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة