توسع الاستثمارات الخليجية في قطاع الطاقة بإفريقيا

تشهد القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة تحولات اقتصادية متسارعة، باتت تفتح آفاقًا جديدة أمام رؤوس الأموال الباحثة عن فرص نمو طويلة الأمد، ويأتي قطاع الطاقة في صدارة القطاعات التي استقطبت اهتمام دول الخليج العربي.

في ظل التغيرات المتلاحقة في أسواق الطاقة العالمية، والضغوط المتزايدة نحو تبني مصادر نظيفة ومستدامة، بدأت دول الخليج تعيد توجيه استراتيجياتها الاستثمارية، واضعة إفريقيا في صلب اهتماماتها، لما تتمتع به من موارد طبيعية ضخمة وأسواق ناشئة تحمل إمكانات واعدة.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، شهد هذا التوجه تسارعًا لافتًا، حيث تجاوزت قيمة الاستثمارات الخليجية في قطاع الطاقة الإفريقي حاجز 6 مليارات دولار، ويشكّل هذا الرقم مؤشرًا واضحًا على أن القارة الإفريقية لم تعد مجرّد خيار بديل، بل أصبحت جزءًا محوريًا من الرؤية الاقتصادية الخليجية، خصوصًا في مجالات النفط والغاز والطاقة المتجددة التي تشكّل اليوم ركيزة أساسية للتحوّلات المستقبلية في مشهد الطاقة العالمي.

تحركات إماراتية فاعلة واستثمارات نوعية

تُعد الإمارات العربية المتحدة في طليعة الدول الخليجية التي كثّفت وجودها في السوق الإفريقية، ويبرز ذلك من خلال تحركات شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” التي دخلت ضمن القائمة النهائية للاستحواذ على أصول شركة “شل” في جنوب أفريقيا، في صفقة تُقدّر قيمتها بنحو مليار دولار، وهذا يعكس رغبة أبوظبي في تنويع أصولها الطاقية خارج منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في الأسواق الصاعدة.

وبالتوازي، تستمر الشركات الإماراتية الأخرى، وعلى رأسها “مصدر”، في تنفيذ مشاريع ضخمة للطاقة المتجددة في مصر والمغرب والسنغال، ما يعزز من الدور الإماراتي الريادي في دعم التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.

ولم تكتف الإمارات بالمشاريع التشغيلية فحسب، بل ذهبت إلى تمويل بنية تحتية ضخمة، كما حدث مع مشروع مصفاة النفط في أوغندا، الذي تم الاتفاق عليه بين الحكومة الأوغندية وشركة “ألفا إم بي إم إنفستمنتس” الإماراتية الخاصة. وتبلغ طاقة المشروع الإنتاجية 60 ألف برميل يوميًا، بتكلفة تصل إلى 4 مليارات دولار، مع امتلاك الشركة الإماراتية حصة تبلغ 60%. هذا المشروع يُعد الأول من نوعه في أوغندا، ويأتي بعد تعثر عدة محاولات سابقة لإقامة مصفاة محلية.

توسع سعودي وقطري في عمق القارة

تواصل المملكة العربية السعودية بدورها تعزيز تواجدها في إفريقيا من خلال استثمارات شركة “أكوا باور”، المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة، والتي تنفذ عدة مشاريع كبرى للطاقة الشمسية والرياح في جنوب أفريقيا والمغرب، مع خطط طموحة للتوسع في دول شرق القارة مثل كينيا وإثيوبيا.

وتسير قطر على المسار ذاته عبر شركة قطر للطاقة، التي تستهدف الأسواق الإفريقية الغنية بالغاز، لا سيما موزمبيق وتنزانيا، وتدخل في شراكات مع شركات أوروبية وآسيوية للتنقيب عن الغاز الطبيعي المسال، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا في واحدة من أغنى المناطق بالغاز غير المستغل عالميًا.

أما شركة “إكس آر جي” الشرق أوسطية فقد قامت بصفقة استحواذ ضخمة على حصة في اكتشافات الغاز البحرية في موزمبيق بقيمة 1.4 مليار دولار، إضافة إلى شراكة جديدة مع شركة “بي بي” في مصر لتطوير أصول الغاز، مما يضيف بعدًا جديدًا إلى خريطة استثمارات الطاقة في المنطقة.

إلى جانب مشاريع التنقيب والإنتاج، تسعى دول الخليج أيضًا إلى دخول مجال التكرير والتوزيع؛ ففي كينيا تم تمديد اتفاقية شراء الوقود بنظام الدفع الآجل لمدة عامين إضافيين مع “أدنوك”، و”أرامكو السعودية”، و”شركة بترول الإمارات الوطنية”. وتُعد هذه الاتفاقية أحد العوامل التي ساعدت كينيا على استقرار عملتها المحلية، حيث يتم إعادة تصدير جزء من هذه الشحنات إلى دول مجاورة مثل جنوب السودان والكونغو الديمقراطية وبوروندي.

قد يهمّك أيضًا: القاهرة.. عاصمة التاريخ تتحول إلى مركز الأثرياء في إفريقيا

تحول استراتيجي في السياسة الاستثمارية الخليجية تجاه إفريقيا

في تعليقه على هذه التطورات، قال الدكتور أحمد عبد الفتاح، الخبير الاقتصادي وأستاذ السياسات التنموية، إن ما تشهده إفريقيا من اهتمام خليجي متزايد لا يمثل مفاجأة، بل هو نتاج رؤية استراتيجية بدأت تتشكل منذ عدة سنوات.

وأضاف الخبير، “تشهد استثمارات دول الخليج في قطاع الطاقة بإفريقيا نمواً متسارعاً، يعكس تحولاً استراتيجياً في توجيه رؤوس الأموال الخليجية من الأسواق التقليدية إلى أسواق ناشئة ذات إمكانيات هائلة”.

وأشار إلى أن دول مثل نيجيريا، وأنغولا، وموزمبيق، وجنوب أفريقيا، ومصر أصبحت محطات رئيسية للاستثمار الخليجي، نظراً لما تمتلكه من موارد طبيعية ضخمة، وسوق استهلاكية تتسع بسرعة، فضلًا عن حاجة ملحة لتطوير البنية التحتية.

كما أوضح الخبير الاقتصادي أن الاستثمارات الخليجية لا تقتصر فقط على النفط والغاز، بل تمتد إلى الطاقة المتجددة، وهي نقطة قوة حقيقية لإفريقيا التي تملك مقومات طبيعية هائلة مثل الشمس والرياح والمياه.

ويرى عبد الفتاح أن هذه الاستثمارات تُعزز من القوة الناعمة لدول الخليج في أفريقيا، وتُتيح لها بناء نفوذ طويل الأمد في قارة مرشحة لتكون أحد محاور الطاقة العالمية مستقبلاً. وقد قال في هذا السياق: “هذه ليست مجرد استثمارات تجارية، بل أدوات استراتيجية لتعزيز التواجد الخليجي في ساحة دولية متغيرة، حيث يعاد رسم ملامح النفوذ وفق من يملك مفاتيح الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية”.

اقرأ أيضًا: الصين وإفريقيا .. شراكة تثير قلق الغرب

نقل التكنولوجيا وتعزيز التوظيف المحلي

أوضح الخبير الاقتصادي أن ما يميّز الاستثمارات الخليجية في إفريقيا هو تركيزها على نقل التكنولوجيا الحديثة وتعزيز فرص التوظيف المحلي، على عكس العديد من القوى الدولية التي تتعامل مع القارة من منظورٍ ريعي، يقتصر على استخراج الموارد دون إحداث أثر تنموي ملموس على المجتمعات المحلية.

وتُعد هذه الديناميكية الاستثمارية الخليجية نموذجًا حيًا لما يُعرف بـ”الشراكة جنوب – جنوب”، حيث تتبادل الدول النامية فيما بينها الخبرات والتجارب، خصوصًا في مجالات حيوية كالبنية التحتية والطاقة. وفي هذا السياق، أشار الدكتور عبد الفتاح إلى أن “ما تفعله دول الخليج في إفريقيا يفتح الباب أمام نموذج اقتصادي جديد، يقوم على التعاون لا الاستغلال، والتنمية لا الهيمنة”.

ومع اقتراب العالم من مرحلة التحول الكامل نحو مصادر الطاقة المستدامة، تتجه الأنظار أكثر فأكثر إلى القارة الإفريقية بوصفها إحدى الركائز الأساسية في هذا التحول، وهنا تبرز دول الخليج كشريك مثالي بما تمتلكه من قدرات تمويلية ضخمة، وخبرات تراكمية، وشركات طاقة رائدة على مستوى عالمي.

وفي ختام تصريحاته، شدّد الدكتور عبد الفتاح على أن “إفريقيا تُعد الأرض البكر لطاقة المستقبل، ودول الخليج تمتلك المفاتيح لفتح هذا الباب. نحن لا نتحدث فقط عن استثمارات مالية، بل عن إعادة تشكيل لمعادلة الطاقة العالمية برؤية أكثر عدلاً واستدامة”.

قد يهمّك أيضًا : رسوم ترامب تُعيد إفريقيا إلى أحضان صندوق النقد بسبب أزمة التمويل

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة