حرائق كاليفورنيا.. أزمة مدمرة وتأثيرات اقتصادية وسياسية ضخمة
تقرير: باسل محمود
في قلب جنوب كاليفورنيا، تواصل حرائق الغابات المدمرة ابتلاع الأراضي وتسبب أضرارًا اقتصادية واجتماعية هائلة.
مع استمرار الرياح العاتية، تصاعدت الأوضاع لتصبح كارثة من الحجم الكبير، تاركة خلفها ضحايا وأضرار جسيمة في واحدة من أسوأ الكوارث البيئية التي شهدتها المنطقة في تاريخها الحديث، بحسب واشنطن بوست، وسي إن إن، و بي بي سي.
فبينما يسابق رجال الإطفاء الزمن للحد من انتشار النيران، تزداد المخاوف من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، في وقت حساس من التحولات السياسية في الولايات المتحدة.
الحرائق تلتهم كاليفورنيا
تبدأ القصة مع اندلاع حرائق ضخمة في مناطق متفرقة من ولاية كاليفورنيا، حيث تركزت النيران بشكل خاص في منطقة لوس أنجلوس، حيث تسببت الحرائق في إخلاء عشرات الآلاف من المنازل وتشريد العائلات. ووفقًا للهيئة الوطنية للطوارئ، تسببت الحرائق في خسائر فادحة، مع وفاة 24 شخصًا وإصابة العديد من السكان بجروح متفاوتة.
هذه الحرائق، التي كان من أبرزها حريق “باليسيدز” وحريق “إيتون”، استهدفت مناطق ذات كثافة سكانية عالية، حيث وصل إجمالي الأراضي المحترقة إلى أكثر من 37 ألف فدان.
رغم جهود رجال الإطفاء المحلية والدولية، بما في ذلك الفرق من كندا والمكسيك، التي تشارك في محاولة السيطرة على النيران، فإن الرياح العاتية التي تجلبها “رياح سانتا آنا” تزيد الأمور تعقيدًا، ويُتوقّع أن تشهد المنطقة سرعة رياح تصل إلى 96 كيلومترًا في الساعة، ما يهدد بتفاقم الوضع بشكل كارثي.
اقرأ أيضًا: هل تغيّر الكوارث الطبيعية مستقبل الإسكان في أمريكا؟
دور الرياح في حرائق كاليفورنيا
الرياح العاتية التي تغذي النيران تحمل في طياتها تهديدًا كبيرًا لجهود الإطفاء، إذ إنّ هذه الرياح، التي تأتي مصحوبة بالهواء الجاف، تعرقل العمليات بشكل كبير وتزيد من سرعة انتشار الحرائق.
خلال الأيام المقبلة، يتوقع أن تصل الرياح إلى ذروتها، مما يجعل رجال الإطفاء في حالة تأهب مستمرة استعدادًا لظروف أكثر صعوبة. كما أعلن المسؤولون المحليون تحذيرات متزايدة للسكان، مطالبين إياهم بالبقاء بعيدًا عن المناطق المهددة واتباع تعليمات الإخلاء عند الضرورة.
بالفعل، بدأت السلطات في تقليص الوصول إلى المناطق المتضررة، في خطوة تهدف إلى حماية الأرواح وضمان سلامة جهود الإطفاء.
الإعانات المالية والتوقعات الاقتصادية
على الرغم من تقدم فرق الإطفاء، لا تزال التوقعات الاقتصادية تزداد سوءًا، وقد قدرت وكالة (Accuweather) أن الخسائر الناتجة عن الحرائق قد تتراوح بين 250 و275 مليار دولار، مما يجعل هذه الحرائق واحدة من أكثر الكوارث تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة.
شمل التأثير البالغ على الاقتصاد الأمريكي، تدمير أكثر من 12 ألف منزل في المناطق المتضررة وارتفاع حصيلة القتلى إلى 24 شخصًا. وبالإضافة إلى الخسائر المادية المباشرة، فإن الحرائق تؤثر بشكل غير مباشر على النشاط الاقتصادي في المنطقة.
قطاعا السياحة والعقارات في كاليفورنيا يتأثران بشدة من تبعات هذه الحرائق، مع تسارع وتيرة الأضرار التي قد تؤدي إلى تدهور فرص الاستثمار في المستقبل القريب.
اقرأ أيضًا: زلزال عنيف يهز اليابان.. وتحذيرات من تسونامي
هل يعود حريق كاليفورنيا إلى جذور سابقة؟
من خلال التحقيقات التي أجرتها الجهات المعنية، لوحظ أن الحريق الأكبر، حريق “باليسيدز”، نشب في منطقة كانت قد تعرضت لحريق مماثل قبل عدة أيام فقط.
تحليل الصور والفيديوهات أكد أن النيران بدأت في نفس المنطقة التي اشتعلت فيها النيران في وقت سابق، مما يفتح باب الاحتمالات بأن الحريق قد يكون نتيجة “إعادة اشتعال” من الحريق السابق، وقد أشار الخبراء إلى أن الرياح القوية قد تكون قد ساهمت في إعادة إشعال النيران في تلك المناطق.
هذه الظاهرة لم تكن جديدة في كاليفورنيا، فقد شهدت الولاية حالات مشابهة في السنوات الأخيرة، ما أثار تساؤلات حول فعالية استراتيجيات مكافحة الحرائق في معالجة مثل هذه الظواهر المتكررة.
التصعيد السياسي بسبب حرائق كاليفورنيا
ترامب والديمقراطيون في مواجهة الأزمة في وقت تتسارع فيه حرائق كاليفورنيا، حيث أطلق الرئيس المنتخب دونالد ترامب جولة جديدة من الانتقادات ضد المسؤولين الديمقراطيين في الولاية، ووصفهم بـ”غير الكفؤين” واتهمهم بعدم إدارة الأزمات بشكل فعّال.
هذه التصريحات أثارت موجة من الجدل السياسي، حيث رد الحاكم الديمقراطي غافين نيوسوم على هجمات ترامب، داعيًا إياه إلى زيارة المنطقة المتضررة للاطلاع على الأضرار بشكل مباشر.
كما أن النقاشات السياسية لم تقتصر على الهجوم المتبادل بين الديمقراطيين والجمهوريين، بل تجاوزت ذلك إلى جدل داخلي ضمن الحزب الديمقراطي نفسه.
التأثير الاجتماعي
معاناة السكان وإعادة الإعمار الحرائق كانت لها أيضًا تأثيرات اجتماعية بالغة، وعلى الرغم من محاولات السلطات تأمين إجلاء السكان بسرعة، فإن العائلات المتضررة لا تزال تكافح للعثور على أماكن آمنة للإقامة، بينما تتسارع جهود إعادة الإعمار.
في هذا الصدد، أعلن حاكم كاليفورنيا عن تسريع إجراءات الإعانات المخصصة للمنازل المتضررة وتوفير الدعم المالي للعائلات المتأثرة.
تضاف إلى ذلك الاضطرابات الاجتماعية التي سببها الارتفاع الكبير في أعداد النهب، الذي شهدته المناطق التي تم إخلاؤها، ما دفع الشرطة إلى فرض قيود مشددة على دخول المناطق المهددة.
في انتظار المجهول، بينما تستمر الحرائق في التهام المزيد من الأراضي وتأخذ سرعة الرياح بالازدياد، يظل سكان كاليفورنيا في حالة من القلق والترقب، وتزداد المخاوف من تطور الكارثة إلى ما هو أسوأ، وفي حين تواصل السلطات مواجهة التحديات، يظل المستقبل غامضًا، خاصة مع التوترات السياسية التي قد تزيد من تعقيد الوضع.
الكوارث الطبيعية في 2024: خسائر بالمليارات ودروس للمستقبل