حرب محتملة بين الهند وباكستان تهدد الاقتصاد العالمي

تقرير: باسل محمود

تزايدت المخاوف من اندلاع صراع عسكري واسع النطاق بين الهند وباكستان بعد تصاعد التوترات الحدودية، في وقت تُحذّر فيه الأسواق العالمية من تداعيات كارثية قد تتجاوز حدود المنطقة.

التحذيرات، التي نقلتها وكالات أنباء عالمية مثل بلومبرغ، لم تقتصر على الجانب الأمني، بل امتدت إلى الجوانب الاقتصادية، إذ يُحتمل أن تُلحق مثل هذه المواجهة أضرارًا مباشرة بسلاسل الإمداد، وتؤدي إلى ارتفاع في أسعار الطاقة، وتُهدد بتباطؤ في حركة التجارة الدولية.

فجوة بين اقتصاد الدولتين

تُعد الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، إذ يتوقع أن ينمو الاقتصاد الهندي بنسبة 6.2% خلال 2025، بينما تشير تقديرات الصندوق إلى أنَّ اقتصاد باكستان قد ينمو بنحو 2.6% خلال نفس العام، ما يظهر فجوة كبيرة في القوة الاقتصادية بين البلدين النوويين.

كما تلعب الهند دورًا محوريًا في قطاعات حيوية، تشمل التكنولوجيا والأدوية والمنسوجات والأحجار الكريمة، وتُشكّل مركزًا تصديريًا رئيسيًا لمكوّنات أساسية تعتمد عليها كبرى الاقتصادات في العالم.

من جانبها، تُعد باكستان من أهم الدول المصدّرة للسلع الزراعية مثل الأرز، وتُشكّل جزءًا مهمًا من ممر “الحزام والطريق” الذي يربط الصين بالأسواق العالمية.

الاقتصاد الهندي في مرمى التقلبات

في حال اندلاع الحرب ستكون الهند في قلب العاصفة، فالبلاد توفّر احتياجات أسواق عالمية من المستحضرات الدوائية ومعدات الاتصالات، كما تعتمد على استيراد أكثر من 83% من احتياجاتها النفطية، بما يقدر بنحو 5 ملايين برميل يوميًا، ما يجعلها من أكثر الاقتصادات عرضة لتقلبات إمدادات الطاقة.

وفي حال تعطلت طرق الاستيراد أو ارتفعت تكاليف التأمين والنقل، فإن ذلك سيقود مباشرة إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا، في وقت تُحاول فيه الأسواق الحفاظ على توازن دقيق بعد سلسلة من الأزمات.

علاوة على ذلك، تتعامل الأسواق مع الهند كمركز جاذب لرؤوس الأموال الأجنبية، إذ تستقطب استثمارات ضخمة في قطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية خلال السنوات الماضية، وإنّ أي تصعيد عسكري سيؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين، ويزيد من حالة عدم اليقين، ما قد يُترجم إلى انسحاب مبكر لرؤوس الأموال وتجميد مشاريع توسعية خططت لها شركات كبرى.

قد يهمّك أيضًا: الهند تتصدر قائمة أعلى معدلات الضرائب في مجموعة العشرين

تهديد مباشر للزراعة الباكستانية

على الجانب الآخر، تُواجه باكستان تهديدًا مزدوجًا في حال اندلاع النزاع؛ التحدي الأول يرتبط بإمكانية تعليق الهند لمعاهدة مياه نهر السند التي تُعد شريان الحياة للقطاع الزراعي في البلاد، خاصة في منطقة البنجاب التي تُعتبر قلب الإنتاج الزراعي، وتعليق الاتفاقية سيؤدي إلى أزمة مياه تهدد ملايين المزارعين وتنعكس سلبًا على الأمن الغذائي المحلي.

أما التحدي الثاني فيكمن في تعطيل سلاسل التصدير، لا سيما مع احتمال إغلاق الأجواء، ما سيُصعّب من عمليات الشحن الجوي والبحري، ويُربك خطوط الإمداد نحو شركاء باكستان التجاريين في الخليج وأفريقيا وآسيا.

مثل هذا التطور سيؤثر مباشرة على صادرات الأرز والمنسوجات، ما يفتح الباب أمام موجة تضخم غذائي في الأسواق التي تعتمد على تلك السلع.

اقرأ أيضًا: أزمة مياه السند بين الهند وباكستان.. تهديدات اقتصادية وجيوسياسية واسعة

اضطرابات في النقل الجوي والتجاري

إغلاق المجال الجوي الباكستاني -كما حدث في توترات سابقة- سيؤدي إلى إرباك كبير في حركة الطيران المدني والتجاري بين أوروبا وآسيا، حيث ستضطر شركات الطيران التي تستخدم المجال الجوي الباكستاني كممر أساسي إلى تغيير مساراتها، ما يزيد من زمن الرحلات وتكلفة التشغيل.

الأمر ذاته ينطبق على حركة الشحن الجوي التي ستواجه تحديات لوجستية مباشرة تؤثر على سرعة التسليم وأسعار الشحن، ومع امتداد التأثير إلى طرق الملاحة البحرية في بحر العرب فإنَّ تعطّل الممرات اللوجستية سيُضاعف من تعقيد المشهد، خاصة في ما يتعلق بشحنات الطاقة التي تمر عبر تلك المنطقة نحو الهند وبقية آسيا.

خلل متوقع في سلاسل الإمداد العالمية

تُعد الهند ركيزة رئيسية في سلاسل الإمداد الخاصة بصناعة الأدوية والبرمجيات والإلكترونيات، وتُوفّر كميات ضخمة من الأدوية لأسواق أوروبا وأميركا، ما يجعل أي خلل في صادراتها تهديدًا مباشرًا للصحة العامة في عدة دول.

كما أن توقف خطوط الإنتاج أو تعطل عمليات التوريد، سيؤثر على الشركات المتعددة الجنسيات التي تعتمد على المصانع الهندية كمراكز تصنيع حيوية.

الأمر لا يقتصر على الهند فقط، فتعطل صادرات باكستان الزراعية سيؤثر أيضًا على سلاسل الغذاء، وموائد الفقراء، خاصة في الدول النامية التي تعتمد بشكل كبير على واردات الأرز والمنسوجات من باكستان.

هروب محتمل لرؤوس الأموال

أي تصعيد عسكري، حتى وإن لم يصل إلى مستوى الحرب الشاملة، كفيل بإحداث تقلبات حادة في الأسواق المالية، حيث تعد المخاطر الجيوسياسية من أكثر العوامل التي تدفع رؤوس الأموال إلى إعادة التموضع.

وفي حالة الهند، فإن المستثمرين الدوليين قد يُعيدون النظر في خططهم التوسعية أو يؤجلون استثماراتهم إلى حين استقرار المشهد السياسي والأمني.

كما أنّ التقارير الأولية تُشير إلى أن التصعيد العسكري سيُضاعف من تكلفة التأمين على الاستثمارات، وقد يؤدي إلى تراجع العملة المحلية، وهو ما يُفاقم من الضغوط الاقتصادية على كلا البلدين.

أسعار الطاقة مرشحة للارتفاع

تُعد الهند من أكبر مستوردي النفط والغاز في العالم، وتعتمد بشكل كبير على وارداتها من الخليج العربي، وفي حال اندلاع مواجهة عسكرية فإن خطوط الشحن البحري قد تكون مهددة، سواء بشكل مباشر أو عبر ارتفاع تكاليف المخاطر البحرية.

ومن المعروف أن المضائق المائية المحيطة بباكستان والهند تُعد ممرًا حيويًا للطاقة، وأي اضطراب فيها سيرفع أسعار النفط والغاز عالميًا، وتزداد خطورة السيناريو في ظل بيئة اقتصادية عالمية لا تزال تتعامل مع آثار الحرب في أوكرانيا وقيود الإمداد الناجمة عن أزمات سابقة في النقل البحري وسلاسل التوريد.

تقديرات الخسائر والتداعيات المحتملة

تشير التقديرات الأولية إلى أن اندلاع صراع عسكري بين الهند وباكستان قد يُكلّف الاقتصاد العالمي ما بين 2 إلى 3 تريليونات دولار في عامه الأول، إذا ما شمل تأثيره مجالات الطاقة، والتجارة، ورؤوس الأموال، والطيران.

ويرى خبراء في مؤسسات مالية كبرى مثل “موديز” و”جيه بي مورغان” أن الدول النامية ستكون الأكثر تضررًا، نظرًا لاعتمادها المباشر على السلع الآسيوية، وضعف قدرتها على امتصاص الصدمات الناتجة عن اضطرابات الأسعار.

تحذيرات دولية ومطالبات بالتهدئة

المجتمع الدولي يُتابع التصعيد بحذر، مع تصاعد التحذيرات من أن أي انزلاق نحو مواجهة مسلحة سيكون له آثار تتجاوز الحدود الجغرافية.

مؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي دعت إلى ضبط النفس وتغليب المسارات الدبلوماسية، محذّرة من أن حربًا جديدة في جنوب آسيا ستُقوّض استقرار الاقتصاد العالمي في توقيت حساس.

حتى في حال تجنّب الحرب، فإن مجرد تصاعد التوترات يُشكّل عبئًا على الأسواق ويُرغم الشركات على تفعيل خطط الطوارئ وتنويع مصادرها وتقليل اعتمادها على منطقة جنوب آسيا.

اقرأ أيضًا: مياه السند تتحول إلى سلاح سياسي بين الهند وباكستان

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة