خسائر حادة في “وول ستريت” وسط مخاوف الركود والرسوم الجمركية

تقرير: باسل محمود

شهدت الأسواق الأمريكية واحدًا من أسوأ أيامها منذ 2022، مع تعرض الأسهم لعمليات بيع مكثفة، خاصةً في قطاع التكنولوجيا الكبرى. جاء هذا التراجع وسط تزايد المخاوف بشأن الركود الاقتصادي، والرسوم الجمركية المحتملة، إضافة إلى الاضطرابات السياسية داخل الولايات المتحدة، بحسب بلومبرج.

ناسداك ينهار وS&P 500 على أعتاب التصحيح

تكبد مؤشر ناسداك 100 خسائر بلغت 3.8%، في أسوأ أداء يومي له منذ عامين، بينما انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 8.6% من أعلى مستوياته التاريخية، مقتربًا من الدخول في تصحيح سوقي.

كما شهدت أسهم التكنولوجيا الكبرى، التي تشكل العمود الفقري للمؤشر، انخفاضات حادة، مما ضغط بقوة على وول ستريت.

أما مؤشر داو جونز الصناعي، فقد هبط بنسبة 2.1%، متأثرًا بخسائر أسهم شركات كبرى مثل تسلا التي تراجعت بنحو 15%، في أكبر انخفاض يومي لها منذ فترة طويلة، بينما فقد سهم إنفيديا جزءًا كبيرًا من مكاسبه الأخيرة، مما دفع مؤشر شركات أشباه الموصلات إلى أدنى مستوياته منذ أبريل.

هل المتوسط المتحرك لـ 200 يوم يُطلق جرس الإنذار؟

مؤشر S&P 500 لم يغلق دون المتوسط المتحرك لـ 200 يوم منذ نوفمبر 2023، وهو مؤشر يستخدمه المستثمرون لتقييم الاتجاه العام للسوق.

تقول كالي كوكس، المحللة في ريتولتز ويلث مانجمنت: “هناك قاعدة في وول ستريت مفادها، أن لا شيء جيد يحدث تحت المتوسط المتحرك لـ 200 يوم، وعمليات البيع تتسارع عندما يتخطى السوق هذه العتبة، والتقلبات تصبح أكثر حدة”.

هل تكون السندات والذهب الملاذ الآمن في ظل التقلبات؟

وسط حالة الذعر، لجأ المستثمرون إلى السندات السيادية باعتبارها ملاذًا آمنًا، حيث تراجع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 4.22%، مع ازدياد التوقعات بأنَّ مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيضطر إلى خفض أسعار الفائدة لكبح التباطؤ الاقتصادي.

في الوقت ذاته، تعرضت الأصول الأكثر تقلبا لضغوط، حيث انخفضت بيتكوين إلى ما دون 80 ألف دولار، مما يشير إلى موجة خروج سيولة ضخمة من الأصول عالية المخاطر.

ترامب والسياسات الاقتصادية

زاد الغموض السياسي من تعقيد المشهد، حيث تصاعدت التوقعات بأنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد يسعى إلى فرض رسوم جمركية جديدة وتقليص دور الحكومة، وهي تحركات قد تؤدي إلى مزيد من التقلبات في الأسواق. وفي تصريح له، قال ترامب: “لا أحب التنبؤ بمثل هذه الأمور لكننا نمر بفترة انتقالية لأن ما نقوم به كبير للغاية”.

من جهتها، ترى جينا بولفين، رئيسة مجموعة بولفين لإدارة الثروات، أنَّ الأسواق باتت مدفوعة بالعناوين الإخبارية، مشيرة إلى أنَّ المستثمرين الذين يتحلون بالصبر قد يجدون مكافآت كبيرة في المدى الطويل.

اقرأ أيضًا: هل تقود سياسات ترامب التجارية أمريكا إلى عزلة اقتصادية؟

العوامل التي تهدد استقرار الأسواق الأمريكية

مع التراجع الحاد في مؤشرات وول ستريت، تتزايد المخاوف بشأن مستقبل أسواق الأسهم الأمريكية، حيث تلقي عدة عوامل رئيسية بظلالها على ثقة المستثمرين، وهي كما يأتي:

  • الركود الاقتصادي

تصاعد القلق من أنَّ الاقتصاد الأمريكي قد يواجه تباطؤًا حادًا، خاصة مع تراجع إنفاق المستهلكين وارتفاع تكاليف الاقتراض.

  • الحروب التجارية

زيادة المخاوف من فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الأمريكية، مما قد يؤثر على أرباح الشركات ويضغط على الأسواق العالمية.

  • السياسات النقدية

رغم التوقعات بأنَّ الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر إلى خفض الفائدة، إلَّا أنَّ عدم وضوح خططه يزيد من حالة عدم اليقين بين المستثمرين.

موجة البيع الكمي.. هل وصلت الأسواق إلى القاع؟

يرى بعض المحللين أنَّ الأسواق تقترب من القاع، لكنّها ليست بالضرورة على وشك الدخول في انهيار ممتد. ويقول مارك هاكيت، رئيس الأبحاث الاستثمارية في نايشنوايد: “علينا أن نراقب البيانات الاقتصادية القادمة، لأنَّ أيَّ تراجع في سوق العمل أو انخفاض حاد في إنفاق المستهلكين قد يؤدي إلى ركود تضخمي، وهو السيناريو الأسوأ للأسواق”.

وبحسب جولدمان ساكس، فإنَّ عمليات البيع المكثفة التي قادتها الصناديق الاستثمارية المعتمدة على النماذج الكمية قد وصلت إلى ذروتها، مما قد يمهد لاستقرار الأسواق خلال الأسابيع المقبلة.

في الوقت نفسه، تشير تحليلات TD Securities وCitigroup إلى أن مديري الاستثمارات في السلع قد تخلوا بالفعل عن معظم مراكزهم الطويلة، مما يعني أن الضغوط البيعية قد تبدأ في التراجع تدريجيًا.

اليوم، بين مخاوف الركود، والرسوم الجمركية، وعدم اليقين السياسي، تدخل الأسواق مرحلة دقيقة تتطلب إدارة مخاطر حذرة، وبينما يرى البعض أنَّها فرصة للشراء بأسعار منخفضة، يحذر آخرون من أنَّ الأسوأ لم يأتِ بعد.

في النهاية، سيظل مسار الأسواق مرتبطًا بالقرارات الاقتصادية والسياسية في الأشهر المقبلة، مع ترقب المستثمرين لأيّ إشارات من الاحتياطي الفيدرالي حول خطط خفض الفائدة، وأي مستجدات في المشهد الجيوسياسي العالمي.

الجميع يدفع ثمن جنون ترامب: هل تدفع سياسات ترامب الاقتصاد العالمي نحو الهاوية؟

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة