تعد حالة عدم اليقين سمة أصيلة في عالم الاستثمار، حيث تظل بعض الأحداث، مثل التوترات الجيوسياسية والكوارث الطبيعية والتغيرات المفاجئة في السياسات، قادرة على إحداث ردود فعل حادة في الأسواق، والعالم اليوم يشهد حدثًا من هذا القبيل، يتمثل في الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي أدت إلى تقلبات كبيرة في الأسواق الع
وعلى الرغم مما قد تثيره العناوين الرئيسية من قلق، فمن الضروري أن يحافظ المستثمرون على اتزانهم، وأن يتجنبوا اتخاذ قرارات متسرعة مدفوعة بالخوف أو العاطفة. وفي هذا السياق، نقدم سبع استراتيجيات عملية لمساعدة المستثمرين على الحفاظ على هدوئهم خلال هذه الأوقات المضطربة، والتمسك بأهدافهم طويلة الأجل.
راجع خطتك الاستثمارية
تمثل خطتك الاستثمارية مرساة الأمان لك في أوقات عدم اليقين، فهي مصممة لتحمل تقلبات السوق، كما أنّها تأخذ في الاعتبار قدرتك على تحمل المخاطر، وأفقك الزمني، وأهدافك المالية.
وبناءً على ذلك، إذا كنت قد بنيت محفظة متنوعة وفقًا لمبادئ سليمة، فليس هناك ما يدعو لإجراء تغييرات جذرية خلال فترات الاضطراب المؤقت، لكن أولًا عليك أن تسأل نفسك هذه الأسئلة: هل تغير أفق استثماري؟ وهل تغيرت أهدافي المالية؟ وهل يمنعني انخفاض السوق من النوم ليلًا؟
إذا كانت إجاباتك “لا”، فامضِ قدمًا في مسارك، أما إذا كان السوق يشهد هبوطًا، ولكن أهدافك طويلة الأجل لا تزال ثابتة، فهذا يعني أن خطتك تعمل كما هو متوقع لها.
هل تختفي الأموال عند انخفاض أسعار الأسهم؟ تعرّف إلى الحقيقة الكاملة!
تجنب الضوضاء الإعلامية
غالبًا ما تركز الأخبار المالية على الإثارة والإلحاح، مما قد يجعل تحركات السوق تبدو أكثر إثارة للقلق مما هي عليه في الواقع، حيث يمكن أن يثير هذا النوع من التغطية الإعلامية المشاعر، ويُصَعِّب عليك التفكير بوضوح في قراراتك الاستثمارية، ولتجنب ذلك، حاول أن:
- تحدّ من متابعة الوسائل الإعلامية المثيرة.
- تتمسك بمصادر متوازنة للتحليل الاقتصادي.
- تتجنب فحص محفظتك يوميًا أثناء التقلبات.
وتذكر أن الإعلام يعتمد على جذب الانتباه، لكنَّك لست مضطرًا للتفاعل مع كل تقلبات السوق؛ فالتفكير في الاستثمار كالبستنة، وفحص المحفظة يوميًا يشبه اقتلاع النباتات لرؤية ما إذا كانت تنمو، وهو ما لا يسبب سوى التوتر، ونادرًا ما يعود عليك بأي فائدة.
تعلّم أيضًا كيف يمكنك السيطرة على عواطفك وإدارة المخاطر بذكاء عند التداول
ركز على ما يمكنك التحكم فيه
هناك العديد من العوامل في السوق تخرج عن نطاق سيطرتك، مثل الرسوم الجمركية، وأسعار الفائدة، والنتائج السياسية، لكن يمكنك التحكم في معدل ادخارك، وتوزيع أصولك، وتكاليف الاستثمار، وسلوكك. وعليك أيضًا أن تستغل هذه الفترة من عدم اليقين كفرصة لـ:
- إعادة توازن محفظتك إذا انحرفت توزيعات الأصول عن أهدافك.
- زيادة مساهماتك في حسابات الاستثمار بينما الأسعار منخفضة.
- مراجعة نفقاتك وتقليل رسوم الاستثمار حيثما أمكن.
وبالتركيز على الإجراءات التي يمكنك التحكم فيها، يمكنك تحويل القلق إلى إنتاجية، وتعزيز عقلية هادئة واستباقية.
استفد من متوسط التكلفة بالدولار في الاستثمارات
متوسط التكلفة بالدولار يعني استثمار مبلغ ثابت على فترات منتظمة، بغض النظر عن ظروف السوق، حيث تساعدك هذه الاستراتيجية على تجنب محاولة توقع توقيت السوق، وتنعيم سعر الشراء مع مرور الوقت.
وخلال فترات التقلب، يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية فعالة بشكل خاص، حيث إنّها تتيح لك شراء المزيد من الأسهم عندما تكون الأسعار منخفضة، وعدد أقل عندما تكون مرتفعة، دون الحاجة إلى محاولة توقع قيعان السوق.
وبالنسبة للمستثمرين على المدى الطويل، يمكن أن تكون التقلبات مفيدة عند اقترانها بمتوسط التكلفة بالدولار، حيث تتحول انخفاضات السوق إلى “تخفيضات أسعار”، تمنحك قيمة أكبر لأموالك المستثمرة.
التنويع في الاستثمارات
إذا كنت قد وضعت كل أموالك في مجموعة ضيقة من الصناعات أو المناطق، مثل الصناعات الأمريكية أو التصنيع الصيني، فقد تشعر بتأثير الرسوم الجمركية بشكل أكثر حدة، لكن لو نوَّعت أدواتك الاستثمارية فإنّك ستشعر بقدر أقل من الصدمات السوقية.
هذا يعني أنّك لو وزّعت استثماراتك عبر فئات الأصول المختلفة (الأسهم والسندات وصناديق الاستثمار العقاري)، والمناطق الجغرافية (أمريكا وأوروبا وآسيا)، والقطاعات (التكنولوجيا والرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية وغيرها)، يمكنك تقليل خطر التعرض المفرط لمنطقة واحدة متضررة.
ويمكن للصناديق المتداولة في البورصة والصناديق المشتركة أن توفر لك تنويعًا فوريًا، لهذا قد يتعيّن عليك أن تُفكر في الصناديق التي تتبع المؤشرات العالمية، أو الأسهم الموزعة للأرباح، أو القطاعات الدفاعية، مثل السلع الاستهلاكية والمرافق، خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي.
اقرأ أيضًا: الفرق بين صناديق الـ ETF وصناديق الاستثمار المشترك
تذكّر: التقلب أمر طبيعي
من الطبيعي أن تشعر بعدم الارتياح عندما تهبط الأسواق، لكنَّ الانخفاضات -في الحقيقة- جزء من رحلة الاستثمار، وقد يحدث تصحيح السوق (انخفاض بنسبة 10% إلى 20%) تقريبًا مرة كل سنتين إلى ثلاث سنوات في سوق الأسهم.
المفتاح هو إدراك أنَّ التقلب ليس إشارة للذعر، بل سمة من سمات النظام؛ حيث إنّ الأسواق تشهد تصحيحات، ثم تتعافى، وغالبًا ما تصل إلى مستويات قياسية جديدة. وعلى سبيل المثال، حقق مؤشر S&P 500 عوائد قوية على المدى الطويل، رغم مروره بحروب وركود وأوبئة واضطرابات سياسية.
اقرأ أيضًا: فوائد الاحتفاظ بالأسهم على المدى الطويل
تعلّم من التاريخ
يمكن أن يكون التاريخ معلمًا مهدئًا، فكّر في الأحداث السابقة التي تسببت في ذعر السوق:
- الأزمة المالية العالمية (٢٠٠٨–٢٠٠٩).
- الحرب التجارية بين أمريكا والصين (٢٠١٨–٢٠١٩).
- انهيار السوق بسبب كوفيد-١٩ (٢٠٢٠).
شهدت الأسواق المالية عبر التاريخ العديد من الهزات والانخفاضات الحادة، وكانت كل أزمة تمهيدًا لمرحلة تعافٍ ونمو لاحقة، وفي كل مرة كان المستثمرون الذين يحافظون على التزامهم بخططهم الاستثمارية طويلة الأجل غالبًا ما يجنون ثمار الصبر، بينما أولئك الذين استسلموا للذعر وباعوا في أدنى مستويات السوق فاتهم رَكب الانتعاش.
ومن الجدير بالذكر، أنّ التذكُّر المستمر لهذه الأنماط المتكررة يساعدك على التعامل مع الاضطرابات الراهنة بعقلية أكثر اتزانًا ورؤية شاملة تتجاوز تقلبات السوق اللحظية.
الثبات والهدوء أساس التعامل مع تقلبات الأسواق
رغم أن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب أثارت حالة من القلق وعدم اليقين في الأسواق، إلا أنها لا تشكل مبررًا كافيًا للتخلي عن استراتيجيتك الاستثمارية طويلة الأجل، إذ إنّ التقلبات وردود الفعل العاطفية تجاهها أمر طبيعي، لكن اتخاذ قرارات استثمارية بناءً على الخوف غالبًا ما يؤدي إلى نتائج سلبية تفوق أثر التقلب نفسه.
في مثل هذه الأوقات تبرز أهمية الانضباط الاستثماري، حيث إنّ تجاهل الضجيج الإعلامي والتركيز على الأهداف طويلة الأمد يمكن أن يصنع الفارق، لهذا تمسّك بخطتك، وراقب الفرص التي تظهر وسط الاضطرابات، بدلًا من الانجرار وراء موجات القلق قصيرة الأمد.
وتذكّر دائمًا أنّ النجاح في الاستثمار لا يكمن في تفادي العواصف، بل في قدرتك على الإبحار عبرها بثبات. حافظ على هدوئك، وابقَ ملتزمًا بالسوق، فمحاولة توقيت الدخول والخروج نادرًا ما تتفوق على استراتيجية البقاء المستقر والمبني على أسس مدروسة.