طفرة الذكاء الاصطناعي.. استثمار ذهبي أم فقاعة اقتصادية؟

تقرير: باسل محمود

وسط حالة من الهوس التكنولوجي، تشهد الشركات الكبرى طفرة غير مسبوقة في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، بقيمة تقدر بنحو 340 مليار دولار. هذا الرقم، الذي يتجاوز حجم الاقتصاد اليوناني ويقترب من إجمالي الناتج المحلي لمصر، يعكس موجة استثمارية ضخمة تقودها عمالقة التكنولوجيا مثل أمازون، وميتا، وألفابت، ومايكروسوفت.

لكن هذه الطفرة تثير مخاوف كبيرة، إذ حذر محللو “دويتشه بنك” من أنَّ التاريخ يُشير إلى أنَّ الطفرات الاستثمارية الضخمة، خاصة تلك التي يقودها القطاع الخاص، غالبًا ما تنتهي بانهيارات اقتصادية، بحسب The Times.

ذكريات مؤلمة.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي لا تأتي من فراغ، بل تستند إلى دروس قاسية من الماضي، فقد شهد الاقتصاد العالمي العديد من الطفرات الاستثمارية التي انتهت بانهيارات مفاجئة، أبرزها: فقاعة شركات الإنترنت (Dotcom) في التسعينيات، والتي أدت إلى خسائر بمليارات الدولارات، وانهيار سوق العقارات في اليابان خلال الثمانينيات، والذي تسبب في ركود اقتصادي طويل الأمد، وفقاعة العقارات في الصين مؤخرًا، التي تركت اقتصادها يعاني من تداعيات أزمة الديون العقارية.

أحد العوامل المشتركة في هذه الأزمات كان التفاؤل المفرط، فعندما تتراكم الاستثمارات في قطاع معين بسرعة كبيرة، ترتفع قيم الأصول بشكل غير مستدام، مما يؤدي إلى فقاعة سعرية، وعندما يبدأ المستثمرون في إدراك أنَّ توقعاتهم كانت مبالغًا فيها تنهار الأسعار بسرعة، محدثة موجة من الخسائر المالية. لكن هل تنتهي طفرة الذكاء الاصطناعي بنفس المصير؟ أم أنَّها تمثل تحوّلًا اقتصاديًا حقيقيًا؟

اطّلع على توقّعات أسهم التكنولوجيا 2025: فرص وتحديات في عالم الذكاء الاصطناعي!

لماذا تختلف طفرة الذكاء الاصطناعي؟

يُشير تقرير “دويتشه بنك” إلى أنَّ أحد الفروق الرئيسية بين طفرة الذكاء الاصطناعي والطفرات السابقة هو أنَّ معظم الاستثمارات الحالية تموّلها الشركات من أرباحها، وليس من خلال الاقتراض.

هذا يعني أن أي انهيار محتمل قد يكون أقل تأثيرًا على النظام المالي العالمي مقارنة بالأزمات السابقة، لكن يبقى الخطر قائماً، إذ إنَّ سوق الأسهم الأمريكي يعتمد بشكل كبير على “السبعة العظماء”، وهم الشركات الكبرى في قطاع التكنولوجيا، مما يجعل أي تصحيح في أسعار الأسهم ضربة قوية للاقتصاد الأمريكي.

هل يكفي ذلك لحماية السوق من المخاطر؟

رغم أنَّ الذكاء الاصطناعي يعد من أكثر التقنيات الواعدة، إلَّا أنَّ التوسع السريع في استثماراته قد يخلق فقاعة تضخم الأصول؛ فعندما ترتفع التقييمات السوقية بسرعة دون انعكاس فوري على الإيرادات والأرباح يصبح السوق عرضة لتراجع مفاجئ.

ما يزيد من القلق، هو أنَّ هذه الطفرة في الاستثمار تأتي في وقت تعاني فيه بعض الاقتصادات الكبرى من معدلات فائدة مرتفعة، مما قد يقلل من قدرة الشركات على تمويل المشاريع الجديدة إذا تعرضت لضغوط مالية، وبالتالي فإنَّ أي تراجع مفاجئ في هذا القطاع قد يؤدي إلى سلسلة من التبعات الاقتصادية.

هل يمكن للصين إشعال سباق جديد؟

بينما تواصل الشركات الأمريكية إنفاق المليارات على الذكاء الاصطناعي، دخلت الصين على الخط بقوة؛ حيث أطلقت شركة (DeepSeek) الصينية مؤخرًا روبوت محادثة بتكلفة أقل من ChatGPT، مما أثار مخاوف بشأن سباق تكنولوجي جديد قد يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي.

إلى جانب ذلك، تشهد مبيعات الرقائق الإلكترونية طفرة هائلة بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث أعلنت (Nvidia) عن ارتفاع إيراداتها بنسبة 78% سنويًا، لتصل إلى 39.3 مليار دولار، متجاوزة توقعات الأسواق.

لكن في حال تراجع الطلب على هذه التقنيات، فقد تجد شركات مثل (Nvidia) نفسها أمام تحديات كبيرة في الحفاظ على معدلات نموها الحالية، مما قد يؤثر في الاقتصاد الأوسع.

الصين تكسر كبرياء أمريكا: سباق الذكاء الاصطناعي يحتدم .. تعرّف إلى التفاصيل!

هل الذكاء الاصطناعي مفتاح نمو الإنتاجية؟

أحد أكبر وعود الذكاء الاصطناعي هو تعزيز الإنتاجية وتقليل الوقت المُستهلك في المهام الروتينية، ما قد يساعد الاقتصادات المتقدمة التي تعاني من تباطؤ في النمو منذ الأزمة المالية عام 2008.

لكن لا تزال هناك تساؤلات كبيرة حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحقيق هذا التأثير بالشكل المتوقع، فرغم أنَّ التكنولوجيا تتيح تحسينات هائلة في بعض القطاعات، إلَّا أنَّ تبنيها على نطاق واسع قد يستغرق وقتًا أطول مما يعتقد البعض.

فضلًا عن الجدل الذي يدور حول ما إذا كانت التقنيات الجديدة ستؤدي إلى خلق وظائف جديدة تفوق الوظائف التي ستُلغيها، أم أنَّ الأتمتة ستؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة في بعض القطاعات.

عمومًا، هناك سيناريوهان رئيسيان للمستقبل؛ السيناريو المتفائل هو أن تستمر الشركات في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى تحسينات حقيقية في الإنتاجية ونمو اقتصادي مستدام، بحيث تتحول الاستثمارات الحالية إلى أرباح مستقبلية تعزز الاقتصاد العالمي.

أما السيناريو المتشائم، فهو أن تنفجر الفقاعة كما حدث مع فقاعات الإنترنت والعقارات، ويؤدي انهيار التقييمات السوقية إلى ركود اقتصادي جديد، خاصة إذا استمرت معدلات الفائدة المرتفعة في الضغط على الأسواق.

قد يهمّك أيضًا: الذكاء الاصطناعي يقود التحول الرقمي في دول الخليج

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة