قرار الفيدرالي: تثبيت أسعار الفائدة رغم تباطؤ النمو وتصاعد التضخم

تقرير: باسل محمود

أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تثبيت سعر الفائدة الرئيسي ضمن النطاق المستهدف بين 4.25 و4.5%، في خطوة جاءت بالإجماع من أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، وسط تزايد الغموض حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي في ظل تصاعد المخاطر المزدوجة للتضخم والبطالة.

القرار لم يكن مفاجئًا للأسواق، إلا أن البيان المرافق له جاء أكثر تحفّظًا مما كان متوقعًا، إذ أشار إلى “تزايد حالة عدم اليقين بشأن الآفاق الاقتصادية”، في وقت تتباين فيه المؤشرات بين تحسّن نسبي في سوق العمل، وتباطؤ واضح في النمو، واستقرار نسبي لمعدلات التضخم عند مستويات أعلى من المستهدف، بحسب بلومبرغ.

باول يتمسّك بالحذر

في المؤتمر الصحفي الذي أعقب القرار، حرص رئيس الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، على التأكيد بأن لجنة السياسة النقدية، لا ترى في الوقت الراهن حاجة للاستعجال في خفض أسعار الفائدة، رغم تزايد الضغوط من الإدارة الأمريكية والمستثمرين على حدّ سواء.

وقال باول بنبرة حاسمة: “لا نعتقد أننا بحاجة إلى التسرع. قد تكون هناك ظروف تبرّر الخفض أو التثبيت، لكن لا يمكنني الجزم بثقة أيهما سيكون الأنسب في هذه المرحلة”.

هذا التوجّه يعكس تمسكًا بالنهج الحذر الذي اتبعه الفيدرالي منذ بداية الدورة التشديدية في مارس 2022، والذي يهدف إلى كبح التضخم دون التسبب بركود اقتصادي.

تجاهل مباشر لضغوط ترامب

باول لم يتجنّب الأسئلة السياسية، بل واجهها بشكل مباشر، خاصةً فيما يتعلق بالضغوط المتزايدة التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي طالب مرارًا بخفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو ودعم الأسواق في عام انتخابي حاسم.

وردًا على سؤال صريح حول هذه المطالبات، قال باول: “لا تؤثر على قيامنا بعملنا على الإطلاق. لم أطلب يومًا عقد اجتماع مع أي رئيس، ولن أفعل ذلك أبدًا”.

هذه التصريحات تُعزز استقلالية البنك المركزي، وتُعيد التذكير بأن الفيدرالي يُدير السياسة النقدية وفقًا لمؤشرات السوق لا لمتطلبات السياسة.

اقرأ المزيد حول خلفية الاضطرابات بين ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي

قراءة متفائلة للنمو رغم البيانات السلبية

رغم تسجيل الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي انكماشًا في قراءته الأولية للربع الأول من العام، أبدى باول تفاؤلًا حذرًا بإمكانية مراجعة البيانات نحو الأفضل، مشيرًا إلى أن بعض المؤشرات الجزئية تُظهر أداءً أقوى مما عكسته الأرقام الأولية. وقال: “نعتقد أن سوق العمل في وضع جيد؛ فنمو الأجور يبدو مستقرًا، كما أن معدلات التسريح ليست مرتفعة”.

في هذا السياق، يرى مسؤولو الفيدرالي أن التباطؤ في النمو قد يكون مؤقتًا، ولا يُبرّر حتى الآن تغييرًا في الاتجاه العام للسياسة النقدية، لا سيما في ظل استمرار التضخم فوق المستوى المستهدف البالغ 2%.

التضخم “أفقي”.. لكن بعيد عن الهدف

على صعيد التضخم، أكّد باول أن المؤشرات تشير إلى تحركه بشكل أفقي في الفترة الأخيرة عند مستويات لا تُعد مرتفعة بشكل خطير، لكنها لا تزال أعلى من مستهدف الفيدرالي. وقال: “التضخم يتحرك أفقيًا عند مستويات منخفضة نسبيًا، لكنه لم يصل بعد إلى 2%، وهو هدفنا الأساسي”.

هذا التقييم يفسّر استمرار الفيدرالي في تبني سياسة تثبيت الفائدة، بدلًا من التحوّل الفوري إلى التيسير النقدي، رغم الضغوط المتزايدة في الأسواق ومطالبات بعض الدوائر السياسية بخفض أسعار الفائدة لدعم النمو.

رد فعل الأسواق

تفاعل الأسواق المالية مع قرار الفيدرالي وتصريحات باول جاء محدودًا، ما يُشير إلى أن المسار الذي اتبعه البنك المركزي كان متوقعًا إلى حدّ بعيد. على سبيل المثال، ارتفعت عائدات سندات الخزانة الأمريكية قليلًا، حيث بلغ عائد السندات لأجل عامين نحو 3.78%، فيما تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 0.2%.

في المقابل ارتفع مؤشر بلومبرغ لقوة الدولار بنسبة 0.5%، وهو ما يعكس مزيجًا من الثقة في استقرار السياسة النقدية، والحذر من غياب إشارات واضحة على خفض الفائدة قريبًا.

هل يقترب الفيدرالي من التحوّل؟

رغم تثبيت الفائدة، تزداد التكهنات حول إمكانية بدء دورة تيسير نقدي خلال الأشهر المقبلة، خاصة في حال استمرت البيانات الاقتصادية في إظهار تباطؤ في النمو، أو إذا بدأت مؤشرات البطالة في الارتفاع.

من جهته، باول حرص على ترك الباب مفتوحًا أمام جميع السيناريوهات، مؤكدًا أن الفيدرالي لا يُحدد مسبقًا أي مسار، بل يُقيّم المعطيات شهريًا، ويتحرّك وفق ما تقتضيه البيانات.

وقال في هذا السياق: “الاقتصاد لا يمنحنا إجابات واضحة في الوقت الراهن. نحن نراقب بدقة، وسنتصرف في التوقيت المناسب”.

حذر واستقلالية في إدارة السياسة النقدية

قراءة هذا الاجتماع تكشف أنَّ الفيدرالي يُواصل إدارة السياسة النقدية بمنهجية حذرة، مستندًا إلى مزيج من المؤشرات الاقتصادية الفعلية، وتوازن دقيق بين استقرار الأسعار ودعم النمو.

في المقابل، فإن البنك المركزي يُظهر في كل مناسبة تصميمًا واضحًا على الحفاظ على استقلاليته، رغم الضغوط المتكررة من البيت الأبيض ومطالبات المستثمرين.

ومن خلال التزامه بالتثبيت، يُرسل الفيدرالي إشارة واضحة بأنه لا يتفاعل مع الضجيج السياسي أو الضغوط الإعلامية، بل يتّبع سياسة مبنية على الأرقام والمعطيات الفعلية، مع ترك جميع الخيارات مفتوحة للمستقبل.

قد يهمّك أيضًا: هل يملك ترامب حق إقالة رئيس الفيدرالي؟ 

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة