تقرير: باسل محمود
الفوضى التي اجتاحت الأسواق العالمية الأسبوع الماضي المنتهي في 3 أغسطس 2024، كانت ناتجة جزئياً عن استراتيجية سوقية تُعرف باسم “التجارة القائمة على الفائدة ” (Carry Trade).
مؤشر نيكاي 225 الياباني الرئيسي، انخفض بنسبة 12.4% يوم الاثنين، وهو سوأ يوم له منذ العام 1987، وتكبدت الأسواق في أوروبا وأميركا الشمالية خسائر فادحة، حيث قام المتداولون ببيع الأسهم، لتغطية المخاطر المتزايدة من الاستثمارات التي تم تمويلها بأموال رخيصة، تم اقتراضها في الغالب بالين الياباني.
استعادت الأسواق الكثير من خسائرها بعد ذلك، لكن الضرر لا يزال قائماً.
عوامل الصدمة في الأسواق العالمية
جاءت الصدمة من مجموعة من العوامل، بما في ذلك الخوف من ركود محتمل في الولايات المتحدة – أكبر اقتصاد في العالم – والقلق من أن أسهم التكنولوجيا قد ارتفعت بشكل مفرط هذا العام.
لكن حجم التراجعات تفاقم بسبب الاندفاع لبيع الدولار الأميركي، بسبب صفقات التجارة القائمة على الفائدة، التي ساعدت في دفع الأسواق إلى مستويات قياسية.
ما هي الـ “كاري تريد”
التجارة القائمة على الفائدة، هي استراتيجية تداول، تتضمن الاقتراض بمعدل فائدة منخفض، والاستثمار في أصل يوفر معدل عائد أعلى.
تُنفذ استراتيجية الـ “كاري تريد” عادةً، عن طريق الاقتراض بعملة ذات معدل فائدة منخفض، وتحويل المبلغ المقترض إلى عملة أخرى.
بشكل عام، يتم إيداع العائدات بالعملة الثانية إذا كانت تقدم معدل فائدة أعلى، ويمكن أيضًا استثمار العائدات في أصول مثل الأسهم، السلع، السندات، أو العقارات التي تكون مقومة بالعملة الثانية.
أحد أحدث الأمثلة، هو اقتراض الين الياباني، مع توقع أن تظل العملة رخيصة مقابل الدولار الأميركي، وأن تظل أسعار الفائدة اليابانية منخفضة.
يتم بعد ذلك، استثمار الأموال المقترضة في الأسهم الأميركية وسندات الخزانة، على أمل تحقيق عائد أعلى.
المخاطر المتعلقة بالـ “كاري تريد”
من المخاطر المحتملة، هو الانخفاض الحاد في سعر الأصول المستثمرة.
كما توجد مخاطر ضمنية، تتعلق بتقلبات أسعار الصرف، أو مخاطر العملة، عندما تكون عملة التمويل مختلفة عن عملة المقترض المحلية.
بسبب المخاطر المتضمنة، فإن هذه التجارة مناسبة فقط للمستثمرين ذوي الملاءة المالية العالية.
مثال على الـ “كاري تريد”
أحد الأمثلة الواضحة على التجارة القائمة على الفائدة، هو قبول بطاقة ائتمان، تقدم سلفة نقدية بنسبة 0%، من أجل استثمار النقد المقترض في أصول ذات عائد أعلى.
قد تحقق هذه الاستراتيجية إما ربحاً أو خسارة.
يُغري العديد من مُصدري بطاقات الائتمان المستهلكين بعرض فائدة 0% لفترات تتراوح من ستة أشهر إلى سنة كاملة، ولكنهم يطلبون دفع رسوم “معاملة” ثابتة بنسبة 1% مقدماً.
إذا كانت تكلفة الأموال بنسبة 1% لسلفة نقدية قدرها 10 آلاف دولار، وافترضنا أن مستثمراً، استثمر هذا المبلغ المقترض في شهادة إيداع لمدة عام بمعدل فائدة 3%، فإن هذه التجارة القائمة على الفائدة، ستؤدي إلى ربح قدره 200 دولار (10,000 دولار × [3% – 1%]) أو 2%.
مزايا وسلبيات الـ “كاري تريد”
على الرغم من أن التجارة القائمة على الفائدة، قد تحتوي على مكافآت مالية محتملة، إلا أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تتسبب أيضاً في مخاطر كبيرة.
ونادراً ما يتم التحوط من مخاطر العملة في التجارة القائمة على الفائدة، لأن التحوط قد يفرض تكلفة إضافية، أو يلغي الفارق الإيجابي في أسعار الفائدة إذا تم استخدام العقود الآجلة للعملة، أو العقود التي تثبت سعر الصرف لفترة مستقبلية.
على سبيل المثال، بحلول عام 2007، وصلت التجارة القائمة على الفائدة بالين الياباني إلى تريليون دولار حيث أصبح الين عملة مفضلة للاقتراض بفضل معدلات الفائدة القريبة من الصفر.
لكن مع تدهور الاقتصاد العالمي في الأزمة المالية عام 2008، أدى انهيار أسعار الأصول تقريباً إلى فك تجارة الين القائمة على الفائدة.
بدورها، ارتفعت هذه التجارة بنسبة تصل إلى 29% مقابل الين في عام 2008، وبنسبة 19% مقابل الدولار الأميركي بحلول عام 2009.
لماذا تؤثر التجارة القائمة على الفائدة بشكل كبير على الأسواق؟
التجارة القائمة على الفائدة، تميل إلى أن تكون منطقية عندما تكون أسعار الصرف الأجنبي مستقرة نسبياً، ويمكن للمستثمرين الوصول إلى فرص سوق ذات عوائد أعلى، مثل ارتفاع أسعار الأسهم مؤخراً في أماكن مثل الولايات المتحدة.
الاضطرابات الأخيرة في السوق، أجبرت المتداولين على تغطية ديونهم عن طريق شراء الين والعملات الأخرى المستخدمة في التجارة القائمة على الفائدة، وبيع نسبة أكبر من الأصول ذات المخاطر العالية، التي اشتروها في ظل ظروف أكثر ملاءمة.
أيضًا، التجارة القائمة على الفائدة تكون مربحة للغاية، عندما ترتفع الأسهم أو الاستثمارات الأخرى، ولكن يمكن أن تتراكم الخسائر بسرعة عندما يكون هناك ضغط على آلاف المتداولين لبيع الأسهم أو الأصول الأخرى في وقت واحد.
لماذا يقوم المتداولون بتصفية صفقات التجارة القائمة على الفائدة؟
العامل الرئيسي وراء التجارة القائمة على الفائدة، هو فرق أسعار الفائدة، وبنك اليابان حافظ على أسعار الفائدة عند الصفر أو بالقرب منه لسنوات، في محاولة لتشجيع المزيد من الإنفاق وتحفيز النمو الاقتصادي.
اقرأ أيضا: الأسواق تدخل العام الجديد بآمال خفض الفائدة
في الأسبوع المنتهي في 3 أغسطس 2024، رفع بنك اليابان سعر الفائدة الرئيسي من قريب الصفر.
تميل أسعار الفائدة المرتفعة، إلى تعزيز قيمة عملة الدولة، وارتفع الين الياباني مقابل الدولار الأميركي.
اندفع المتداولون لبيع الأصول ذات المخاطر العالية والمقومة بالدولار، لتغطية تكاليف الاقتراض المرتفعة فجأة، بالإضافة إلى الخسائر الناتجة عن تغييرات سعر الصرف، وخسائر قيمة الأصول مع انخفاض أسعار الأسهم.
مخاطر التجارة القائمة على الفائدة على الأسواق العالمية
الفجوة بين سعر الفائدة الرئيسي في اليابان، التي تبلغ الآن 0.25%، وسعر الفائدة الرئيسي للاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الذي يتراوح بين 5 و5.25%، لا تزال واسعة، لكنها من المرجح أن تضيق مع خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، ورفع اليابان لأسعار الفائدة.
بدت الأسواق المالية وكأنها قد هدأت مؤخرا، حيث ارتفع مؤشر نيكاي 225 الياباني بنسبة 10.2% وارتفعت الأسواق الأخرى في الغالب.
المحللون منقسمون حول ما إذا كانت هذه النوبة من التقلبات في الأسواق قد مرت، أم أن هناك المزيد في الطريق.
بغض النظر، تم استخدام التجارة القائمة على الفائدة لعقود، وساهمت في انهيار القطاع المالي في آيسلندا في 2007-2008 حيث اقترض المستثمرون بالين أو الفرنك السويسري للاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة في آيسلندا.
خلال الاضطراب الأخير في السوق، شهدت المكسيك، وهي محور آخر لتجارة الفائدة بالين، انخفاضًا بنسبة تزيد عن 6% في قيمة البيزو.
من المحتمل أن تظل هذه الاستراتيجية التجارية الشعبية ولكن المعقدة أحيانًا، ورقة رابحة للمستثمرين، خاصة في أوقات التقلبات العالية في السوق.