تمر أسواق الأسهم، شأنها شأن كافة الأنشطة الاقتصادية، بدورات متقلبة تتراوح بين الصعود والهبوط، ولكل مرحلة من هذه الدورات سمات مميزة ومعايير خاصة تؤثر على سلوك السوق وتوجهات المستثمرين، وإن فهم طبيعة هذه الدورات يعد عنصرًا جوهريًا في قراءة المشهد الاستثماري بشكل أكثر دقة، إذ يتيح للمستثمرين استباق التحركات السوقية وتخفيف مستويات المخاطر.
ورغم أن هذه الدورات تتبع عادةً أنماطًا واضحة على المدى الطويل، إلا أن تحديد نقاط البداية والنهاية بدقة يظل أمرًا معقدًا، نظرًا للتشابك بين العوامل الاقتصادية والنفسية التي تحرك الأسواق.
مراحل الدورة السوقية لسوق الأسهم
تمر دورة سوق الأسهم بأربع مراحل رئيسية تُشكّل الإطار العام للحركة السعرية للأسواق المالية، وتُمثل انعكاسًا لحالة الاقتصاد وسلوك المستثمرين في مختلف فترات الدورة، حيث تلعب كل مرحلة دورًا محوريًا في تشكيل مسار السوق وتحديد توجهاته المستقبلية. وهذه المراحل هي:
- مرحلة المراكمة
وهي المرحلة الأولى من دورة سوق الأسهم، وتبدأ مع نهاية الدورة السابقة حين يستقر السوق عند أدنى مستويات القاع، حيث يبدأ بعض المستثمرين في الشراء مرة أخرى، ويحدث ذلك عادة حين يبدأ المتداولون والمستثمرون في مراكمة الأسهم في محافظهم بعد أن وصلت لأسعار منخفضة.
- مرحلة الازدهار
تبدأ الأسواق في هذه المرحلة بالتحرك تدريجيًا نحو الأعلى، مدفوعةً بتحسن المؤشرات الاقتصادية وعودة الثقة تدريجيًا إلى المستثمرين، ويزداد الزخم الصعودي مع انضمام شريحة أكبر من المتداولين الباحثين عن العوائد، وتتحول هذه المرحلة في كثير من الأحيان إلى موجة صعود طويلة الأمد كما حدث في بورصة “وول ستريت” بين عامي 2019 و2022، حيث استمرت المؤشرات في تسجيل مستويات قياسية مدفوعة بالتفاؤل والوفرة النقدية.
- مرحلة التوزيع
في هذه المرحلة يكون السوق قد بلغ ذروته أو اقترب منها، وتبدأ مؤشرات التشبّع في الظهور، وفيها يتجه المستثمرون المحنّكون إلى تقليص مراكزهم تدريجيًا وجني الأرباح، بينما يواصل المستثمرون الأقل خبرة عمليات الشراء بدافع من الزخم السابق. وتتميّز هذه المرحلة بتذبذب مرتفع في الأسعار، وتكون بمثابة إشارة أولى لاحتمال تغير الاتجاه العام للسوق.
- مرحلة الانخفاض
في هذه المرحلة يبدأ السوق في التراجع وتبدأ أسعار الأسهم بالهبوط، ويحدث هذا عندما يبدأ العديد من المتداولين في بيع أسهمهم ولكن لا يوجد عدد كافٍ من المشترين، مما يتسبب في انخفاض الأسعار، وبالتالي انخفاض السوق. ومن المحتمل أن تبدأ هذه المرحلة أيضًا عندما يتعرض الاقتصاد لأزمة مفاجئة أو يبدأ في مرحلة الانكماش والركود.
وتختلف هذه المرحلة في مدتها من سوق لآخر ومن وقت لآخر، وأحيانًا قد تفقد الأسهم ثلاثين في المئة من قيمتها خلال الدورة الهابطة، وقد تتجاوز الخسائر 70% من قيمة الأسهم إذا ارتبطت التراجعات بحالة من الذعر.
الفرق بين الأسواق الصاعدة والهابطة
يُستخدم مصطلح الأسواق الصاعدة أو الهابطة للتعبير عن الاتجاه الحالي للسوق، والذي يكون له تأثير مباشر على الاستثمارات، حيث إن السوق الصاعد هو الذي ترتفع فيه أسعار الأصول بمرور الوقت، فترتفع قيمتها بما لا يقل عن 20%، بينما يمثل السوق الهابط السوق الذي تنخفض فيه أسعار الأسهم بنسبة لا تقل عن 20% خلال أقل من 52 أسبوعًا.
ما هي السوق الصاعدة؟
تُطلق تسمية “السوق الصاعدة” على الحالة التي تشهد فيها أسعار الأصول –مثل الأسهم، أو السندات، أو العقارات، أو العملات– ارتفاعًا متواصلاً يتجاوز 20% خلال فترة زمنية تبلغ 52 أسبوعًا. وتُعد هذه الظاهرة مؤشّرًا على دخول الأسواق في موجة إيجابية طويلة الأمد قد تمتد لعدة أشهر أو حتى سنوات، وتتميّز بارتفاع مستويات التفاؤل وثقة المستثمرين. ومن الجدير بالذكر أن تحديد السوق الصاعدة غالبًا ما يتم بأثر رجعي، إذ يصعب على المحللين التنبؤ بها بدقة عند بدايتها.
وتنشأ الأسواق الصاعدة في الغالب بالتوازي مع أداء اقتصادي قوي، حيث تترافق مع نمو الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض معدلات البطالة، وارتفاع أرباح الشركات، مما يؤدي إلى تحفيز معنويات المستثمرين وتعزيز شهيّتهم نحو ضخ المزيد من السيولة في السوق. وفي مثل هذا المناخ الإيجابي، تنشط عمليات الاكتتاب العام الأولي (IPO)، بالإضافة إلى ازدياد وتيرة الاستحواذات والاندماجات، باعتبارها دلائل على الثقة بمستقبل النمو.
الخصائص العامة للسوق الصاعدة
تتسم السوق الصاعدة بعدة خصائص واضحة، منها:
- ارتفاع الثقة الاستثمارية: حيث تسود حالة من التفاؤل تجعل المستثمرين أكثر استعدادًا للمخاطرة، مع توقعات إيجابية لاستمرار الصعود.
- تدفقات سيولة قوية: يُقبل المستثمرون على شراء الأصول بكثافة اعتقادًا منهم أن الأسعار ستواصل ارتفاعها، مما يُعزز من الطلب ويدفع الأسعار إلى مستويات أعلى.
- ارتفاع في الأسعار وحجم التداول: تزداد أحجام التداول وعدد الصفقات، كما تشهد الأسواق إدراج شركات جديدة في البورصة.
- تجاهل نسبي للأخبار السلبية: بفعل المناخ الإيجابي العام، لا تُحدث الأخبار السلبية تأثيرًا بالغًا، في حين تُقابل الأخبار الإيجابية بتفاعل كبير يدفع السوق لمزيد من المكاسب.
- ارتباط وثيق بالنمو الاقتصادي: تتزامن الأسواق الصاعدة مع توسّع اقتصادي حقيقي، يتجلى في ارتفاع معدلات التوظيف وزيادة الإنتاجية.
ما هي السوق الهابطة؟
يُعرف السوق الهابط بأنه الحالة التي تنخفض فيها مؤشرات الأسهم بنسبة 20% أو أكثر من أعلى مستوياتها السابقة، ويُعد أحد المراحل المحورية في دورة السوق، حيث تتزامن هذه الحالة غالبًا مع تباطؤ اقتصادي عام، وضعف في نتائج الشركات، وارتفاع معدلات البطالة نتيجة عمليات التسريح وتقليص الإنفاق.
في ظل السوق الهابط، تسود مشاعر الخوف والقلق بين المستثمرين، ما يؤدي إلى موجات من البيع المكثف مدفوعة بالتشاؤم والتوقّع بمزيد من الخسائر، وهو ما يفاقم من تراجع الأسعار ويخلق حلقة سلبية يصعب كسرها بسهولة. وقد تمتد هذه المرحلة لأشهر أو حتى سنوات، كما حدث خلال فترة الكساد العظيم، التي استمر فيها السوق الهابط لما يقرب من عقد كامل، وقد مرّت وول ستريت بين عامي 1900 و2008 بنحو 32 سوقًا هابطة، مما يبرز تكرار هذه الظاهرة كجزء طبيعي من دورات الأسواق المالية.
تعرّف إلى مؤشرات الأسهم الأمريكية الأشهر في العالم
الخصائص العامة للسوق الهابطة
السوق الهابطة تتّسم بعدد من السمات الواضحة التي تعكس حالة التراجع والانكماش، وهي كما يأتي:
- مدة متوسطة تصل إلى 18 شهرًا، لكنها قد تطول بحسب حدة الأزمة أو طبيعة الركود الاقتصادي المرافق.
- غياب الثقة وتفاقم التشاؤم، مما يدفع المستثمرين إلى التخلص من أصولهم وتجنب المخاطر بأي ثمن.
- انخفاض حاد في أسعار الأصول، ليس فقط في الأسهم، بل يمتد التأثير إلى العملات والذهب والنفط، وغيرها من الأصول ذات الحساسية الاقتصادية.
- تراجع أسعار السلع الاستهلاكية بفعل ضعف الطلب العام وتراجع القوة الشرائية لدى الأفراد.
- ارتباط وثيق بفترات الركود، حيث تكون الأسواق الهابطة غالبًا مؤشرًا أو نتيجة مباشرة لانكماش اقتصادي.
- قابلية التنبؤ بها من خلال مراحل الدورة الاقتصادية، حيث تظهر الأسواق الهابطة عادة بعد فترات من الازدهار المفرط أو نمو غير مستدام.
الفرق بين الأسواق الصاعدة والهابطة | ||
البند | السوق الصاعدة | السوق الهابطة |
تدفقات رأس المال | رأس المال يتدفق من الملاذات الآمنة للأصول الخطرة | رأس المال يتدفق من الأصول الخطرة للملاذات الآمنة |
أسعار الفائدة | معدلات الفائدة تكون منخفضة | معدلات الفائدة تكون في ارتفاع |
أداء الاقتصاد | معدلات النمو مرتفعة | معدلات النمو منخفضة أو في انكماش |
استراتيجيات استثمارية مناسبة في السوق الصاعدة
في ظل السوق الصاعدة، حيث تتجه الأسعار نحو الارتفاع المستمر، تتاح للمستثمرين فرصة مثالية لاستثمار أموالهم في توقيتات مدروسة تعزز من احتمالات تحقيق الأرباح الرأسمالية. ويُنصح في هذه المرحلة بالدخول المبكر إلى السوق من خلال شراء الأسهم عند مستويات منخفضة نسبيًا، ومن ثم بيعها عند بلوغ الذروة، حيث تكون الخسائر في الأسواق الصاعدة مؤقتة ومحدودة غالبًا، إذ إنّ التفاؤل العام وثقة المستثمرين يعززان العوائد من استقرار الزخم الإيجابي.
ويشيع في الأوساط المالية القول: “الجميع يبدون عباقرة في السوق الصاعدة”، في إشارة إلى سهولة تحقيق الأرباح خلال فترات النمو القوي، إلا أنّ الاستثمار الذكي في هذه المرحلة يتطلب استراتيجيات واضحة ومنضبطة، من أبرزها:
الشراء والاحتفاظ
تُعد من الاستراتيجيات الكلاسيكية والأكثر فعالية، وهي تركّز على اختيار شركات ذات أساسيات قوية واستقرار مالي، ثم شراء أسهمها والاحتفاظ بها في المحفظة لفترات طويلة دون التأثر بالتقلبات اللحظية. وتُناسب هذه الاستراتيجية المستثمرين الذين لا يعتمدون على الاستثمارات كمصدر دخل فوري، بل يتطلعون إلى بناء ثروة مستدامة على المدى البعيد، وهي المنهج الذي اعتمده المستثمر الشهير وارن بافيت، الذي يعد من أبرز المدافعين عن هذه المقاربة.
اقرأ كتاب “طريقة وارن بافيت” لتتعرّف إلى استراتيجياته التي جعلته أحد أغنى أغنياء العالم
الشراء على التصحيحات
حتى في الأسواق الصاعدة، لا يخلو الأمر من فترات تصحيح قصيرة الأجل، تنخفض خلالها أسعار بعض الأسهم بسبب عمليات جني الأرباح من قبل المتداولين، ويستغل بعض المستثمرين هذه التراجعات المؤقتة لشراء الأسهم عند مستويات سعرية أكثر جاذبية، مدركين أن السوق عادة ما يستعيد زخمه سريعًا، وتُعد هذه الاستراتيجية فعالة لتحقيق عوائد أعلى مع تقليل المخاطر الناتجة عن الشراء في قمم الأسعار.
استخدم الرافعة
يلجأ بعض المتداولين المحترفين إلى الرافعة المالية لزيادة حجم استثماراتهم باستخدام أموال مقترضة من الوسطاء الماليين، لكن رغم أن هذه الطريقة قد تعزز العوائد المحتملة في السوق الصاعدة فإنها تنطوي على مخاطر كبيرة، خصوصًا في حال انعكاس الاتجاه فجأة.
اقرأ تفاصيل أكثر حول الرافعة المالية وطريقة عملها
كيفية تجنب مخاطر الأسواق الهابطة؟
رغم ما تحمله الأسواق الهابطة من ضغوط وتقلبات حادة، فإنها لا تدوم إلى الأبد؛ فمع مرور الوقت تعود عجلة الاقتصاد إلى الدوران، وتبدأ الأصول في استعادة قيمتها تدريجيًا، ما يؤكد أهمية عدم التسرع في بيع الأصول الجيدة بأثمان متدنية تحت وطأة الذعر أو الخوف.
ولتفادي الخسائر الكبيرة والحفاظ على استقرار المحفظة الاستثمارية خلال هذه الفترات الصعبة، ينصح الخبراء باتباع مجموعة من الاستراتيجيات الوقائية التي تساهم في تقليل المخاطر وتعزيز المرونة، من أبرزها:
- التحوط المسبق وتقليل المخاطر من خلال مراجعة توزيع الأصول وتقليل مكونات المحفظة عالية المخاطر.
- التركيز على أسهم القيمة التي تمثل شركات ذات أساسيات قوية وتقييمات سعرية جاذبة، مقارنة بأسهم النمو التي تعتمد على التوسع المستقبلي.
- اختيار صناديق الاستثمار المتوازنة التي أثبتت أداءً جيدًا في فترات الهبوط السابقة.
- التوجه نحو الملاذات الآمنة مثل الذهب والسندات الحكومية، إلى جانب الأسهم الدفاعية لشركات تعمل في قطاعات لا تتأثر بشكل كبير بتقلبات الاقتصاد، مثل الغذاء والرعاية الصحية والمرافق العامة.
- تفضيل السندات الفردية التي توفر قدرًا أكبر من الأمان، حيث يمكن الاحتفاظ بها حتى تاريخ الاستحقاق مع ضمان استرداد أصل الاستثمار، على عكس صناديق السندات المشتركة التي قد تتأثر بشكل أكبر بالتقلبات اليومية في أسعار الفائدة والأسواق.
في الختام، تمثل دورة السوق عنصرًا حيويًا يجب على كل مستثمر إدراكه وفهمه، إذ إنَّ التفاعل مع الأسواق الصاعدة والهابطة بأسلوب مدروس ومبني على تحليل عميق يُمكن أن يحدّ من المخاطر ويزيد من فرص الربح.
اقرأ أيضًا: الفرق بين صناديق الـ ETF وصناديق الاستثمار المشترك