كيف يؤثر خفض أسعار الفائدة على القطاعات الاقتصادية المختلفة؟

للمرة الأولى منذ أكثر من 4 سنوات، قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، عند نطاق يتراوح بين 4.75% و5%، وذلك بعد أن شهدت اجتماعاته الثمانية السابقة تثبيت معدلات الفائدة عند أعلى مستوياتها.

أوضح الدكتور محمد عبد الهادي خبير أسواق المال، في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia، أنّ أسعار الفائدة تُعد من الأدوات الأساسية التي تستخدمها البنوك المركزية لضبط النشاط الاقتصادي، إذ يمكن أن يؤثر خفض الفائدة بشكل كبير على القطاعات المختلفة للاقتصاد، علمًا أنّ بعض القطاعات تتأثر سلبًا أكثر من غيرها.

القطاعات الأكثر تضررًا

قال الخبير إنّ “خفض أسعار الفائدة يمكن أن يكون له تأثيرات متباينة على مختلف القطاعات الاقتصادية، ففي حين أن بعض القطاعات قد تستفيد من خفض أسعار الفائدة، فإن قطاعات أخرى قد تواجه تحديات كبيرة، وهذا يتطلب من صانعي السياسات والمستثمرين مراقبة هذه التأثيرات عن كثب واتخاذ خطوات للتخفيف من المخاطر المحتملة”. فما هي القطاعات المتضررة؟

قطاع البنوك

وفقًا للخبير، يُعتبر القطاع المصرفي أكثر القطاعات تضررًا، فالبنوك تعتمد على الفرق بين أسعار الفائدة على القروض والإيداعات لتحقيق أرباحها، وبالتالي عندما تنخفض أسعار الفائدة يقل هامش الفائدة الصافي الذي تحققه البنوك، مما يؤثر على قدرتها على تحقيق الأرباح، ومع تراجع الأرباح المصرفية تتقلص قدرة البنوك على تقديم القروض ودعم النمو الاقتصادي.

قطاع التأمين

يأتي قطاع التأمين في المرتبة الثانية كأكثر القطاعات تضررًا، حيث إن شركات التأمين تستثمر جزءًا كبيرًا من أموالها في أدوات الدخل الثابت مثل السندات، والتي تؤثر على عوائدها بشكل مباشر، ومع انخفاض أسعار الفائدة تنخفض عوائد هذه الاستثمارات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تقليص القدرة على توفير عوائد مستقرة للمستثمرين وزيادة تكلفة التأمين على المدى الطويل.

صناديق التقاعد

صناديق التقاعد تُعتبر من القطاعات المتضررة أيضًا، حيث إنّها تستثمر بشكل كبير في السندات والأدوات ذات العوائد الثابتة، وانخفاض أسعار الفائدة يؤدي إلى انخفاض العوائد على هذه الاستثمارات، وهذا التأثير السلبي على عوائد صناديق التقاعد قد يؤثر على قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين.

اقرأ أيضًا: فيتش تراهن على مواصلة الفيدرالي بيع سنداته

القطاع العقاري

رغم أن خفض أسعار الفائدة يمكن أن يكون إيجابيًا بالنسبة للمقترضين في القطاع العقاري، إلا أن المستأجرين في العقارات التجارية قد يتضررون من انخفاض الطلب، في ظل تراجع النمو الاقتصادي وضعف الطلب على المساحات التجارية الذي قد يؤدي إلى تراجع الإيجارات وارتفاع معدلات الشغور.

الصناعات الثقيلة

قطاع الصناعات الثقيلة يتأثر كذلك، فعلى الرغم من أن الشركات في هذا القطاع غالبًا ما تعتمد على القروض لتمويل مشاريعها الكبيرة، ورغم أن انخفاض أسعار الفائدة يمكن أن يقلل من تكلفة الاقتراض، إلا أن الأثر الإجمالي على الطلب على منتجاتها قد يكون سلبيًا إذا تراجع النمو الاقتصادي بشكل عام، ما يمكن أن يؤدي إلى تقليص الإنتاج وتباطؤ النمو في هذا القطاع.

تأثير خفض أسعار الفائدة على الذهب

تقول الدكتورة رانيا الجندي، عضو اتحاد الأوراق المالية المصري، إن هذا الخفض هو  الأول منذ بدء السياسة التشديدية التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على مدى السنوات الأخيرة. وفي تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia، أوضحت أن هذا الخفض قد يعطي دفعة قصيرة الأجل للأسواق، خصوصاً فيما يتعلق بالذهب الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً منذ بداية سبتمبر، واقترب من مستويات قياسية جديدة.

وأكد الخبيرة أن هذا الصعود الملحوظ في أسعار الذهب كان مدفوعًا بشكل رئيسي بتوقعات خفض الفائدة، مضيفة أنّه رغم هذه الزيادة، فمن المتوقع  أن يشهد الذهب تصحيحًا في الأسعار بعد فترة الصعود الماضية، إذ إنّه ارتفع  بسبب التوقعات بخفض الفائدة.

القطاعات المستفيدة من خفض الفائدة

يقول شوقي في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia، إن هناك عددًا من القطاعات الرابحة من خفض أسعار الفائدة الأميركية، حيث إن هذا الحدث من شأنه أن يعزز النمو الاقتصادي ويغير ديناميات السوق بشكل كبير. وفيما يأتي بيان لأبرز القطاعات المُستفيدة من هذا التغير في السياسة النقدية:

قطاع الأسهم الأمريكية

حول أبرز القطاعات استفادة من قرار خفض الفائدة، أوضحت الجندي أن قطاع الأسهم الأميركية، وخاصة الشركات التي تعتمد على التمويل والرهن العقاري هو الأكثر استفادة من هذا القرار، متوقعة  أن يشهد قطاع الرهن العقاري نشاطًا ملحوظًا بعد فترة التباطؤ التي شهدها خلال عامي 2022 و2023، مما يشير إلى عودة النشاط إلى هذا القطاع. 

قطاع العقارات

يُعتبر قطاع العقارات من أكبر المستفيدين من خفض أسعار الفائدة، إذ عندما تنخفض أسعار الفائدة تصبح القروض العقارية أرخص، وهذا يزيد من قدرة الأفراد والشركات على الاقتراض لشراء أو تحسين العقارات، ويشجع على زيادة الطلب على المساكن والممتلكات التجارية، مما يعزز نشاط القطاع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي خفض الفائدة إلى زيادة قيمة العقارات بفضل التوسع في التمويل والرهن العقاري.

القطاع المالي والمصرفي

تستفيد البنوك والشركات المالية من خفض أسعار الفائدة بشكل كبير؛ إذ إنّها تتمكن من تقديم قروض بأسعار أقل، فتجذب عملاء جددًا ويزيد حجم الإقراض، الأمر الذي يُسهم في تعزيز أرباح البنوك، بالإضافة إلى أنّ تحسُّن الظروف الاقتصادية العامة يقلل مخاطر القروض ويعزز الاستقرار المالي.

قطاع المستهلكين والتجزئة

انخفاض أسعار الفائدة يعني زيادة في الدخل المتاح للأفراد، حيث تنخفض مدفوعات الفوائد على القروض الشخصية وبطاقات الائتمان، فتزداد القدرة الشرائية للأفراد، مما يؤدي إلى زيادة في الإنفاق على السلع والخدمات. كما يُمكن أن تستفيد متاجر التجزئة والشركات التي تركز على المنتجات الاستهلاكية بشكل كبير من هذه الزيادة في الطلب.

قطاع التكنولوجيا

على الرغم من أن قطاع التكنولوجيا لا يعتمد بشكل كبير على الاقتراض، فإنه يستفيد بشكل غير مباشر من خفض أسعار الفائدة، فعندما تكون تكلفة التمويل أقل، يمكن للشركات التكنولوجية أن توجّه المزيد من الموارد نحو البحث والتطوير وابتكار المنتجات الجديدة، كما أن زيادة الإنفاق من قبل المستهلكين والشركات على التكنولوجيا يعزز من أرباح الشركات التكنولوجية.

قطاع الصناعة والبنية التحتية

يشمل هذا القطاع الشركات التي تعتمد على تمويل المشاريع الكبيرة والبنية التحتية، حيث يمكن أن يسهم انخفاض الفائدة في تقليل تكلفة التمويل لهذه المشاريع، مما يشجع على تنفيذ مشاريع جديدة وتوسع الأعمال، فضلًا عن الفائدة التي ستُحققها شركات البناء والتشييد من زيادة في الطلب على المشاريع الكبرى.

قطاع الطاقة

في بعض الحالات، قد يستفيد قطاع الطاقة من خفض أسعار الفائدة، خاصةً إذا كانت الشركات بحاجة إلى تمويل مشاريع جديدة أو توسيع عملياتها، إذ إنّ انخفاض الفائدة يمكن أن يقلل من تكلفة تمويل مشاريع الطاقة مثل التنقيب والإنتاج، مما يعزز من نمو القطاع.

أسباب خفض أسعار الفائدة

أصدر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بيانه الأخير بشأن الفائدة الذي يعكس توجهاته حيال السياسة النقدية في ضوء التطورات الاقتصادية الراهنة، فتضمن ما يأتي:

  • النشاط الاقتصادي: أظهرت المؤشرات الأخيرة أن النشاط الاقتصادي استمر في التوسع بوتيرة ثابتة، مما يشير إلى استقرار الأداء الاقتصادي العام.
  • سوق العمل: شهدت مكاسب الوظائف تباطؤًا، وارتفع معدل البطالة، لكنه لا يزال عند مستويات منخفضة نسبيًا، مما يعكس بعض التحديات في سوق العمل.
  • التضخم: أحرز التضخم تقدمًا نحو هدف اللجنة البالغ 2%، لكنه ما يزال عند مستويات مرتفعة نسبيًا، إذ تستمر اللجنة في السعي لتحقيق التوازن بين استغلال سوق العمل والحفاظ على معدل التضخم عند 2% على المدى الطويل.
  • التوقعات الاقتصادية: اكتسبت اللجنة ثقة أكبر في أن التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو هدف 2%، وتعتقد أن المخاطر المرتبطة بتحقيق أهداف سوق العمل والتضخم متوازنة تقريبًا، على الرغم من عدم اليقين المحيط بالتوقعات الاقتصادية.

اقرأ أيضًا: فيتش تراهن على مواصلة الفيدرالي بيع سنداته

الاتفاق على قرار الفائدة

في ضوء التقدم المحرز في مكافحة التضخم وتوازن المخاطر، قرر الاحتياطي الفيدرالي خفض النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار 0.5% ليصبح في النطاق 5.00%. وقد اتخذ هذا القرار بأغلبية الأعضاء، حيث عارضه عضو الفيدرالي الأمريكي بومان، الذي فضل خفض الفائدة بمقدار 0.25% فقط. وفي المجمل فإنّ هُناك حزمة من الإجراءات التي يُمكن اتخاذها في المستقبل في ضوء المعطيات الجديدة، وهي كما يأتي:

  • التعديلات المستقبلية: ستقوم اللجنة بتقييم البيانات الواردة بعناية، ودراسة التوقعات المتطورة، والموازنة بين المخاطر قبل اتخاذ أي تعديلات إضافية على النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية.
  • حيازة السندات: ستواصل اللجنة خفض حيازتها من سندات الخزانة وديون الوكالات والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، مما يعكس التزام الفيدرالي الأمريكي بدعم التشغيل الأقصى وإعادة التضخم إلى هدفه البالغ 2%.
  • مراقبة السياسة النقدية: في ظل تقييم الموقف المناسب للسياسة النقدية، سيواصل الفيدرالي الأمريكي مراقبة تأثير المعلومات الواردة على التوقعات الاقتصادية، ويظل مستعدًا لتعديل موقف السياسة النقدية حسب الحاجة إذا ظهرت مخاطر قد تعيق تحقيق أهدافه.
  • مراعاة الظروف الراهنة: سيأخذ الفيدرالي الأمريكي في اعتباره مجموعة واسعة من المعلومات عند اتخاذ قراراته المستقبلية؛ بما في ذلك الظروف الحالية لسوق العمل، والتضخم، فضلاً عن التطورات المالية والدولية.

في نهاية الأمر، يمكن أن يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى تحفيز الاقتصاد عبر تعزيز الإنفاق والاستثمار في مختلف القطاعات، مما يساهم في نمو اقتصادي مستدام وتحسين الظروف المالية للعديد من الشركات والأفراد، لكن هذا لا يمنع من تضرر بعض القطاعات من هذا القرار بمديات مختلفة، وقد اختلف الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي، مع رأي عبد الهادي حول التأثير السلبي لقرار خفض الفائدة على القطاعين المصرفي والعقاري، وما تزال الآثار قيد الملاحظة.

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة