لماذا رفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود ؟

اتخذت الحكومة المصرية، قرارًا برفع أسعار الوقود بنسبة 15٪، ويعد هذا الارتفاع جزءًا من خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادي، التي تهدف إلى تقليص الدعم الحكومي على الوقود تدريجيًا.

يأتي هذا القرار قبل أيام من مناقشة صندوق النقد الدولي برنامج مصر، بعدما أرجأ المراجعة الثالثة، التي كان من المفترض أن تُجرى الأسبوع الماضي، لمناقشة صرف الشريحة الثالثة من القرض بقيمة 820 مليون دولار، ووضعها على جدول اجتماعات مجلس إدارته في 29 يوليو الجاري.

وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إن أسعار المنتجات البترولية والكهرباء سترتفع تدريجيًا في مصر حتى ديسمبر 2025، مؤكدًا أن الدولة لا تستطيع التحمل وحدها الأعباء المالية لشراء المواد البترولية لتفادي انقطاع الكهرباء.

تأثير القرار على الاقتصاد والمواطن

القرار الجديد سيؤثر على معدلات التضخم المرتفعة في البلاد، بالإضافة إلى تأثيره على المواطن المصري، كما سيكون له تأثير واضح على القطاعين الصناعي والتجاري، نظرًا لزيادة تكاليف الإنتاج والنقل، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

ويقول الدكتور سيد قاسم عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، يعد النفط من السلع الأكثر أهمية على مستوى العالم، ويمثل حجر الزاوية للتنمية الاقتصادية، وتتعرض أسعار النفط للتقلب المستمر عبر الفترات الزمنية المختلفة، ولكن في هذه الفترة زادت حدة هذه التقلبات بشكل كبير،  لتؤثر على القطاعين الصناعي والتجاري وصولاً إلى المستهلك الأخير، أي المواطن.

انقطاع الكهرباء والطاقة في مصر

وأضاف قاسم في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia : شهدت مصر في الفترة الراهنة انقطاع الكهرباء والطاقة عن كل القطاعات الإنتاجية، وذلك بسبب وجود فجوة كبيرة بين معدلات الإنتاج والاستهلاك والطلب المحلي على النفط الخام ومشتقاته البترولية، واعتماد الدولة المصرية على الواردات النفطية، لذلك هناك احتمالية كبيرة أن تُسهم ارتفاع مستويات أسعار النفط في زيادة فاتورة الواردات النفطية، مما قد يؤثر على الاحتياطي النقدي المصري بشكل سلبي.

تأثير التوترات الجيوسياسية وارتفاع أسعار النفط على الموازنة العامة

وتابع عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع: لا شك أن الموازنة العامة للدولة ستشهد عامًا ماليًا من أصعب سنواتها، فمن جانب، تقاوم آثار التوترات الجيوسياسية التي تؤثر بشكل كبير على سلاسل الإمداد للعديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، ومن جانب آخر، ارتفاع أسعار النفط والطلب عليه، حيث قدرت مصر برميل خام برنت في موازنة العام الجاري عند 82 دولارًا، في حين تسجل أسعار النفط ارتفاعات متتالية حتى وصلت للتداول بنفس التقدير في الموازنة تقريبًا.

تأثير ارتفاع أسعار النفط على الإنتاج الصناعي

أوضحت الأدبيات الاقتصادية وجود عدة قنوات لانتقال أثر الصدمات في أسعار النفط إلى الناتج الصناعي،فمن ناحية العرض، يكتسب النفط أهمية كبرى باعتباره أحد المدخلات الأساسية لعملية الإنتاج. وبالتالي، ارتفاع أسعار النفط يزيد من ندرته النسبية، مما يفرض قيودًا عديدة على الإنتاج، ويزيد من تكاليف الإنتاج، مما يبطئ معدل نمو الناتج الصناعي. كما أن انخفاض مستويات الإنتاج يجعل الشركات لا تنتج بكامل طاقتها، مما يتطلب تخفيض عدد العمال نتيجة انخفاض هوامش الربح، الأمر الذي يترتب عليه المزيد من الانخفاض في الناتج.

 تأثير ارتفاع أسعار النفط على الطلب

من ناحية الطلب، توجد قناة الأسعار، حيث يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة تكاليف النقل وأسعار المدخلات الأخرى ومستلزمات الإنتاج، مما يؤدي إلى زيادة أسعار المنتجات النهائية وارتفاع معدل التضخم. هذا بدوره يقلل من الطلب الكلي على السلع والخدمات (الاستثماري والاستهلاكي)، وانخفاض مستوى النشاط الاقتصادي، وبالتالي انخفاض الاستثمار والإنتاج والصادرات، مما يؤدي إلى انخفاض الناتج الصناعة

اقرأ أيضا: لجنة تصفية الأصول في مصر تثير مخاوف الخبراء
واختتم قاسم، أخيرًا من المتوقع أن تحمل التقلبات في الأسعار العالمية للنفط احتمالية إحداث أثر انكماشي على معدل نمو الناتج الصناعي، مما يعوق نسبياً النمو في قطاع التصنيع بصفة خاصة في مصر، لذلك لن يشعر المواطن بجهود الدولة لرفع الأجور على الأقل في الأجل القصير.

رفع الدعم والموازنة

ويقول الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي: مع توجهات الحكومة لخفض أعباء ملف الدعم في الموازنة العامة المصرية وإعادة هيكلته، قامت برفع الدعم عن أسعار المحروقات خلال العام 2024، مع الحفاظ على تثبيت سعر المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية، يأتي هذا الإجراء في محاولة لاحتواء معدلات التضخم على السلع الغذائية، إلا أن هناك جزءًا آخر يتمثل في تكلفة النقل للسلع، والذي سيكون له أثر على ارتفاع الأسعار وتكلفة المواصلات للأفراد، وستحتاج الحكومة إلى مجهود مكثف لتشديد الرقابة على الأسواق السلعية 

تأثير تكلفة النقل على الأسعار

وأضاف الخبير في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia : سيكون لتكلفة النقل أثر مباشر في نقل السلع بعد هذا الارتفاع في أسعار المحروقات، حيث يتم نقل 94% من البضائع داخل مصر من خلال وسائل النقل البري، وحوالي 5% من خلال السكك الحديدية، وأقل من 1% بالنقل المائي الداخلي.

تمثل تكلفة النقل أحد أهم العوامل المؤثرة في ربحية المنشآت وقدرتها التنافسية لأي عمل تجاري. كما تعتمد تكلفة النقل على عوامل مختلفة مثل المسافة والوزن والحجم والوقود والعمالة والنفقات الأخرى المرتبطة بعملية النقل.

وحول أسباب رفع أسعار المحروقات في مصر أكد هاني أبو الفتوح الخبير الاقتصادي في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia ، أن هناك عدة أسباب دفعت الحكومة لزيادة أسعار الوقود في الوقت الراهن كالتالي: 

 ارتفاع أسعار النفط العالمية: زيادة الطلب على النفط وتأثير الأحداث العالمية على الإنتاج.
تحرير سعر الصرف: تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، مما زاد تكلفة الاستيراد.
تكاليف النقل: ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين بسبب الأحداث الجيوسياسية.
تصحيح الأسعار: محاولة الحكومة لتعكس التكاليف الفعلية للإنتاج والاستيراد.
الضغوط الاقتصادية: التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، والأزمات العالمية.

الآثار المترتبة

ارتفاع التضخم: زيادة أسعار السلع والخدمات.
زيادة الأعباء على المواطنين: خاصة ذوي الدخول المحدودة.
تأثير على النشاط الاقتصادي: تباطؤ النمو الاقتصادي.

الفئات الأكثر تضرراً من رفع الأسعار

ذو الدخل المحدود: هم الأكثر تضرراً حيث تشكل الزيادات في أسعار المحروقات نسبة كبيرة من دخلهم، مما يقلل من قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
العاملون في القطاع غير الرسمي: مثل سائقي التاكسيات والباعة المتجولين، حيث تعتمد دخولهم بشكل مباشر على أسعار الوقود.
الشركات الصغيرة والمتوسطة: قد تجد صعوبة في تغطية تكاليف الإنتاج المتزايدة، مما قد يؤدي إلى تقليص العمالة أو زيادة الأسعار على المستهلك النهائي.
المزارعون: يعتمدون على الوقود في تشغيل الآلات الزراعية، مما يزيد من تكاليف الإنتاج ويؤثر على أسعار المنتجات الزراعية.

العلاقة بين رفع أسعار المحروقات وسعر صرف العملة

تأثير مباشر: ارتفاع أسعار المحروقات يزيد من تكلفة الإنتاج في العديد من القطاعات، مما يؤدي إلى ضغوط تضخمية ويدفع الدولار للارتفاع.
تأثير غير مباشر: قد يؤدي ارتفاع أسعار المحروقات إلى زيادة الطلب على الدولار من أجل استيراد النفط والمنتجات البترولية.
زيادة تكلفة النقل: تؤثر على أسعار جميع السلع والخدمات 

تراجع النشاط الاقتصادي: بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتقليل القدرة الشرائية للمواطنين.

تكلفة المنتجات

من جانبه ذكر محمد محمود عبد الرحيم عضو اللجنة الاقتصادية بالجمعية المصرية للأمم المتحدة، أن دعم البترول في الموازنة العامة للدولة وصل  إلى نحو 147 مليار جنيه تقريبًا في العام المالي 2024/2025، ومع تحرك الأسعار الحالية، يتوقع توفير مبلغ يتراوح بين 15 إلى 20 مليار جنيه تقريبًا.

اقرأ أيضا: الحكومة الجديدة في مصر.. تحديات وآمال اقتصادية
وأكد عبدالرحيم في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia ، أن تحرك أسعار المنتجات البترولية يؤثر بشكل مباشر على تكلفة معظم المنتجات، والتي يتحملها المواطن والمستهلك النهائي في النهاية، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم المرتفعة من الأساس والتي بدأت في الانخفاض في الربع الثاني من العام الجاري.

وأضاف عبدالرحيم: مصر ليست دولة مصدرة للطاقة، وخصوصًا المواد البترولية، وفي نفس الوقت تعد من الدول كثيفة الاستهلاك نتيجة ارتفاع عدد السكان، بالنظر إلى استهلاك السولار في مصر، نجد أنه يصل إلى حوالي 45 مليون لتر يوميًا، والبنزين حوالي 28 مليون لتر يوميًا. وبالتالي، فإن الإنتاج المحلي لا يكفي لتغطية كل احتياجات السوق، مما يدفع الدولة إلى استيراد كميات من المواد البترولية لتلبية احتياجات السوق المحلي، وخصوصًا في ظل أزمة الكهرباء التي زادت من الضغط على قطاع البترول و تحتاج مصر إلى استيراد ما قيمته نحو 1.18 مليار دولار من الغاز الطبيعي والمازوت لإنهاء انقطاع الكهرباء.

مقترح جديد

واقترح عضو اللجنة الاقتصادية بالجمعية المصرية للأمم المتحدة، دراسة إنشاء صندوق لتمويل فروق أسعار المنتجات البترولية لمزيد من التحوط وتقليل الآثار السلبية على الموازنة العامة للدولة، دون تحميل المواطن هذه الفروق، أو على الأقل تحميله بشكل نسبي مع مراعاة عجز الموازنة العامة للدولة. وأعتقد أن هذا الشكل هو الأنسب للحالة المصرية، التي لا تتحمل الزيادات المستمرة.

فيما أكد  الدكتور محمد عبد الهادي خبير أسواق المال، أن  قرار رفع أسعار الوقود كان من المقرر اتخاذه في وقت سابق، ولكن الدولة المصرية، لمراعاة الأبعاد الاجتماعية وتأثير تلك القرارات على الاقتصاد والمواطن المصري، حاولت تأجيل القرار، إلا أن صندوق النقد الدولي أرجأ المراجعة من يوم 10 يوليو إلى يوم 29 يوليو مما اضطر الحكومة لرفع الأسعار قبل المراجعة. 

وأشار عبدالهادي في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia إلى أن الدولة  تسعى نحو تخفيض المصروفات وخفض عجز الموازنة، لتلبية اشتراطات صندوق النقد الدولي.

أسباب زيادة أسعار البنزين

وحول أسباب زيادة أسعار الوقود في مصر اتفق عبد الهادي مع رأي سيد قاسم، مؤكدًا أن التوترات في منطقة الشرق الأوسط أثرت على الموارد الدولارية، خاصة من إيرادات قناة السويس التي انخفضت إلى 50% من الإيرادات، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط عالمياً في ظل عدم انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية حتى الآن واستمرار سياسة دول أوبك+ في خفض الإنتاج.

واختتم الخبير، سيؤدي هذا بالتأكيد إلى ارتفاع كافة أسعار السلع، خاصة أن القرار إذا اقتصر فقط على البنزين فإن تأثيره سيكون محدوداً. ولكن التأثير الأكبر سيكون في حالة زيادة أسعار السولار، مما يؤدي إلى التحرك في دائرة مغلقة وانعكاسها على ارتفاع التضخم الذي سجل انخفاضاً في آخر إحصائية وسجل 27.5% على أساس التضخم العام.

إقرأ أيضاً : لجنة تصفية الأصول في مصر تثير مخاوف الخبراء

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضا على صفحتنا على انستغرام

أخبار ذات صلة