لماذا ينسحب المستثمرون الأميركيون من صناديق الأسهم؟

تشهد الأسواق المالية الأميركية في الآونة الأخيرة تحولات جذرية تعكس تغيرًا ملحوظًا في استراتيجيات المستثمرين، حيث يتزايد الانسحاب من صناديق الأسهم بشكل غير مسبوق، يأتي هذا التحول في ظل ظروف اقتصادية عالمية مضطربة وأزمات سياسية متصاعدة، ما جعل المستثمرين يعيدون النظر في قراراتهم الاستثمارية بحثًا عن خيارات أكثر أمانًا واستقرارًا.

قلق متزايد لدى صناع القرار والمستثمرين

صرّحت الخبيرة الاقتصادية الدكتورة راندا حامد بأن التحولات الأخيرة في حركة رؤوس الأموال بالأسواق الأميركية تعكس حالة من القلق المتزايد لدى المستثمرين بشأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة، وأوضحت أن انسحاب المستثمرين من صناديق الأسهم وضخهم الأموال في صناديق أسواق المال يُعدّ دليلاً واضحاً على السعي إلى تقليل المخاطر في مواجهة حالة عدم اليقين التي فرضتها السياسات النقدية المتوقعة من “الاحتياطي الفيدرالي”، إلى جانب التوجهات التجارية المرتقبة لإدارة ترامب.

وأضافت حامد في تصريحات خاصة لـ “Econ-Pedia” أنَّ تسجيل صناديق أسواق المال تدفقات صافية بقيمة 56.19 مليار دولار، وهو أكبر تدفق منذ ديسمبر 2024، يعكس قلقاً حقيقياً بشأن استقرار أسعار الفائدة وضغوط التضخم. وأشارت إلى أن محضر اجتماع “الاحتياطي الفيدرالي” الأخير أظهر قلقاً لدى صناع القرار حيال تأثير الضغوط السعرية المستمرة وتبعات السياسات الاقتصادية المستقبلية للإدارة الجديدة، ما عزز توجه المستثمرين نحو أدوات مالية أكثر أماناً.

اقرأ أيضًا: صفعة قوية من الفيدرالي للأسواق العالمية

الخروج الكبير

علقت الدكتورة راندا حامد على أداء الصناديق القطاعية بقولها: “الخروج الكبير من صناديق الصناعات، التي سجلت تدفقات خارجة بلغت 467 مليون دولار، يعكس المخاوف بشأن أداء هذا القطاع في ظل السياسات الجديدة. ومع ذلك، فإن التدفقات الإيجابية التي شهدتها قطاعات التكنولوجيا والاتصالات تُبرز تفاؤل المستثمرين بقدرة هذه القطاعات على تحقيق النمو رغم التحديات”.

أما بالنسبة لصناديق السندات، فقد أوضحت حامد أن عودة التدفقات الإيجابية بقيمة 9.14 مليار دولار بعد ثلاثة أسابيع من المبيعات الصافية تُظهر تحولاً في ثقة المستثمرين نحو أدوات الدخل الثابت، وأضافت: “الطلب القوي على صناديق الدخل الثابت المحلية الخاضعة للضريبة العامة، التي سجلت أعلى مستوياتها منذ عام تقريباً، يُعدّ مؤشراً على أن المستثمرين يبحثون عن استثمارات توفر لهم عوائد مستقرة وسط التقلبات”.

واختتمت حامد تصريحاتها بالتأكيد على أهمية مراقبة تطورات السياسات النقدية والتجارية للإدارة الأميركية الجديدة، مشيرةً إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب استراتيجيات استثمارية مرنة لتقليل المخاطر واغتنام الفرص في القطاعات الواعدة.

من جانبه يقول الدكتور محمد عبد الهادي، الخبير الاقتصادي، إن السوق المالي الأمريكي يشهد حاليًا انسحابًا ملحوظًا من صناديق الأسهم من قِبَل العديد من المستثمرين، مما يعكس تحولًا كبيرًا في استراتيجيات الاستثمار.

إعادة تشكيل ملامح المشهد الاستثماري

وأوضح عبد الهادي في تصريحات خاصة لـ “Econ-Pedia” أن هذا الاتجاه ناتج عن عدة عوامل اقتصادية وسياسية تؤثر مباشرة على قرارات المستثمرين، مما يؤدي إلى إعادة تشكيل ملامح المشهد الاستثماري.

وأشار عبد الهادي إلى أن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بشكل متكرر. وأضاف: “هذه الزيادات تقلل من جاذبية الأسهم لأنها تزيد من تكاليف الاقتراض، وتضغط على أرباح الشركات، مما يؤدي إلى تراجع أسعار الأسهم، وبالتالي تصبح خيارات مثل السندات أكثر جذبًا للمستثمرين”.

كما أكد عبد الهادي أن حالة عدم اليقين الاقتصادي التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي والعالمي، نتيجة الحروب التجارية والتوترات الجيوسياسية والمشكلات في سلاسل التوريد، دفعت العديد من المستثمرين إلى تقليل المخاطر. وأضاف: “في بيئة كهذه، يفضل المستثمرون تحويل أموالهم إلى استثمارات آمنة، مثل الذهب والسندات الحكومية”.

وأوضح عبد الهادي أن الأسواق المالية الأمريكية، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا والطاقة، شهدت تراجعات كبيرة. وقال: “هذا التراجع جعل المستثمرين يترددون في ضخ المزيد من الأموال في صناديق الأسهم، وبدلاً من ذلك يتجهون إلى العوائد المستقرة”.

أشار عبد الهادي إلى أن هناك تحولًا ملحوظًا نحو الاستثمار في الأصول البديلة مثل العملات المشفرة، العقارات، وصناديق التحوط. وقال: “المستثمرون يبحثون عن عوائد أعلى وأقل تقلبًا، خاصة مع حالة عدم الاستقرار التي تعيشها الأسواق التقليدية”.:

أضاف عبد الهادي أن مستويات الديون المرتفعة في العديد من الشركات الأميركية دفعت المستثمرين لإعادة تقييم مخاطر استثماراتهم. وقال: “مع ارتفاع الفائدة، قد تجد بعض الشركات صعوبة في الوفاء بالتزاماتها المالية، مما يجعل المستثمرين حذرين من ضخ أموالهم في الأسهم”.

اقرأ أيضًا: كيف تفاعلت الأسواق المالية العالمية مع التوترات الجيوسياسية الراهنة؟

تغيرات جذرية في نمط التفكير الاستثماري

أكّد الدكتور عبد الهادي على أنَّ الانسحاب من صناديق الأسهم لا يعبر فقط عن رد فعل تجاه الأوضاع الراهنة، بل يعكس تحولًا طويل الأمد في التفكير الاستثماري. وقال: “يسعى المستثمرون اليوم إلى حماية رأس المال والبحث عن استثمارات أكثر أمانًا واستقرارًا. هذا التوجه قد يؤدي إلى تغيرات كبيرة في الاتجاهات الاستثمارية خلال الفترة المقبلة”.

واختتم عبد الهادي بتوجيه نصيحة للمستثمرين بضرورة تنويع محافظهم المالية والاستعداد لمواجهة تقلبات السوق في ظل بيئة اقتصادية وجيوسياسية معقدة.

خلال الأسبوع المنتهي في 8 يناير، شهدت الأسواق المالية تحولات كبيرة، حيث انسحب المستثمرون الأميركيون من صناديق الأسهم متجهين إلى صناديق أسواق المال الآمنة. هذا التحول جاء مدفوعاً بحالة عدم اليقين المرتبطة بمسار أسعار الفائدة التي يعتمدها “الاحتياطي الفيدرالي” والتوجهات السياسية والتجارية المرتقبة من إدارة ترامب القادمة.

وفقاً لبيانات شركة “إل إس إي جي”، قام المستثمرون بسحب صافي 5.05 مليار دولار من صناديق الأسهم الأميركية. في المقابل، تم ضخ 56.19 مليار دولار في صناديق أسواق المال، وهو ما يمثل أكبر تدفق صافي أسبوعي منذ 4 ديسمبر 2024.

أظهر محضر اجتماع “الاحتياطي الفيدرالي” الذي انعقد في 17 و18 ديسمبر تصاعد القلق بين المسؤولين حيال الضغوط المستمرة على الأسعار، وتأثير التوجهات السياسية والاقتصادية للإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب.

صناديق الأسهم

شهدت صناديق الشركات ذات القيمة السوقية الكبيرة سحب صافي بلغ 4.88 مليار دولار، مقارنةً بصافي مشتريات 5.43 مليار دولار في الأسبوع السابق. كما سجلت صناديق الشركات المتوسطة تدفقات خارجة بقيمة 1.2 مليار دولار، في حين خسرت صناديق الشركات الصغيرة 751 مليون دولار. ومع ذلك، سجلت صناديق الشركات الصغيرة تدفقات صافية إيجابية بلغت 272 مليون دولار.

على المستوى القطاعي، سجلت الصناديق المرتبطة بالصناعات تدفقات خارجة كبيرة بلغت 467 مليون دولار. وعلى النقيض، حققت قطاعات خدمات الاتصالات والتكنولوجيا أداءً إيجابياً، حيث استقبلت تدفقات صافية بلغت 348 مليون دولار و338 مليون دولار على التوالي.

بعد ثلاثة أسابيع من المبيعات الصافية، عادت صناديق السندات لتسجل تدفقات واردة صافية بلغت 9.14 مليار دولار. كانت صناديق الدخل الثابت المحلية الخاضعة للضريبة العامة الأكثر جذباً، حيث شهدت استثمارات بقيمة 3.52 مليار دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ ما يقارب العام.

كما استقطبت صناديق الاستثمار القصيرة والمتوسطة، وصناديق المشاركة في القروض، وصناديق الحكومة والخزانة ذات الأجل القصير إلى المتوسط، تدفقات صافية بلغت 2.62 مليار دولار، و2.17 مليار دولار، و2.02 مليار دولار على التوالي.

قد يهمّك أيضًا: ترامب والعملات المشفرة.. مرحلة جديدة من التفاؤل والفرص

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة