بوينغ والطائرة الرئاسية: الأزمة والتدخل المفاجئ لإيلون ماسك

تقرير: باسل محمود

عندما قرَّرت الحكومة الأمريكية تكليف بوينغ بمهمة تصنيع الطائرة الرئاسية الجديدة، لم يكن أحد يتوقع أن تتحول العملية إلى كابوس مالي ولوجستي؛ إذ إنّ المشروع الذي بدأ في عام 2015 بهدف تسليم طائرة “VC-25B” بحلول عام 2024، بات الآن متأخراً بثلاث سنوات على الأقل، وتجاوزت خسائره 2 مليار دولار، وفق “businessinsider”.

في خضم هذه الفوضى، ظهر الملياردير إيلون ماسك كشخصية مفاجئة في المشهد، حيث دخل في مفاوضات مع بوينغ للمساعدة في تسريع عملية الإنتاج، مستعيناً بخبراته في إدارة سلاسل التوريد وتقنيات التصنيع الحديثة التي جعلت سبيس إكس وتسلا رائدتين في مجاليهما. لكن لماذا وصلت بوينغ إلى هذه المرحلة الحرجة؟ وكيف يمكن لماسك المساعدة في تسريع العملية؟

كيف تورطت بوينغ في مأزق الطائرة الرئاسية؟

كانت شركة بوينغ، لعقود طويلة، اللاعب الرئيس في تصنيع الطائرات الرئاسية الأمريكية؛ حيث إنّ الطائرة الرئاسية الحالية “VC-25A” التي يستخدمها الرئيس الأمريكي، دخلت الخدمة عام 1990، وهي نسخة معدلة من طائرة بوينغ 747-200B. ومع مرور الوقت، أصبح تحديث الطائرة ضرورة مُلحّة بسبب قدم التكنولوجيا المستخدمة فيها، فضلاً عن الحاجة إلى تعزيز أمنها وسرعة استجابتها في حالات الطوارئ.

في عام 2015، حصلت بوينغ على عقد رسمي لتطوير الطائرة الجديدة، والتي تحمل الاسم “VC-25B”، على أن يتم تسليمها بحلول 2024، لكن منذ ذلك الوقت شهد المشروع العديد من العقبات، بدءًا من تغير المواصفات الحكومية، ومشكلات التصنيع الداخلية، ونقص العمالة الماهرة، وانتهاءً بعقبات تصميمية وتقنية غير متوقعة.

إحدى أكبر المشكلات التي واجهت بوينغ كانت في الموارد البشرية؛ حيث لم يكن لدى بعض الموظفين العاملين على المشروع التصاريح الأمنية اللازمة لمتابعة العمل، مما أدى إلى تأخير بعض العمليات الحيوية. والأسوأ من ذلك، تورط بعض الموظفين في اختبارات مخدرات فاشلة، مما اضطر بوينغ إلى إعادة تدريب واستبدال فرق العمل.

في حادثة أثارت جدلاً واسعاً، تمَّ العثور على زجاجات صغيرة من “التكيلا” داخل إحدى الطائرات الرئاسية أثناء عمليات التفتيش، ما دفع الخبراء إلى التساؤل عن مستوى الرقابة داخل بوينغ ، ومدى جدية الشركة في إدارة مشروع بهذه الحساسية.

اقرأ أيضًا: بوينغ ترضخ لمطالب الموظفين.. هل تنتهي الأزمة؟

إيلون ماسك يدخل المشهد

إزاء هذه الفوضى، لجأت بوينغ إلى رجل الأعمال والتقنيات المبتكر إيلون ماسك للمساعدة في إعادة المشروع إلى المسار الصحيح.

ماسك، الذي بنى سمعة عالمية في إدارة المشاريع المعقدة وتحقيق اختراقات تكنولوجية سريعة، يُعرف بقدرته على تقليل التكاليف، وتحسين الكفاءة، وتسريع الإنتاج من خلال تطبيق مبادئ التصنيع الحديثة والذكاء الاصطناعي في العمليات الإنتاجية.

ووفقًا للرئيس التنفيذي لشركة بوينغ، كيلي أورتبيرغ، فإنَّ ماسك وفريقه التقني يعملون حالياً مع إدارة الكفاءة الحكومية لإعادة تقييم المشروع وإيجاد طرق لخفض التكاليف وتبسيط عمليات الإنتاج.

موضوع ذو صلة: كيف أصبحت الطائرة الرئاسية كابوسًا لشركة بوينغ؟

إعادة التفاوض وخفض التكاليف

عندما تولى دونالد ترامب الرئاسة في عام 2017، كان من أول قراراته الاقتصادية مراجعة صفقة الطائرة الرئاسية، إذ إنّ ترامب، الذي لطالما اعتبر نفسه رجل صفقات، انتقد المشروع واعتبره “باهظ التكلفة بشكل غير معقول”، وهدَّد علنًا بإلغائه ما لم يتم خفض الميزانية المرصودة له.

نتيجة لهذا الضغط، قامت بوينغ عام 2018 بتقديم حل بديل، حيث وافقت على استخدام طائرتين كانتا مخصصتين في الأصل لشركة طيران روسية أعلنت إفلاسها، مما ساعد في تخفيض بعض التكاليف، لكنَّه لم يكن كافياً لإنهاء الأزمة التشغيلية التي تعاني منها الشركة.

تصميم بوينغ الجديد.. وعوائق غير متوقعة

لم تكن المشكلة في التكلفة فحسب، بل كانت كذلك بالتصميم الخارجي للطائرة الذي أثار جدلاً واسعاً؛ فعندما كشف ترامب عن رؤيته للطائرة الرئاسية، أراد أن تعكس هوية أمريكا الوطنية، فاقترح نظام ألوان جديد يجمع بين الأحمر والأبيض والأزرق، ليحل محل اللون الأزرق الفاتح الذي كان معتمداً منذ عهد الرئيس الراحل جون كينيدي.

لكن العقبة الكبرى جاءت من القوات الجوية الأمريكية، التي أجرت تحليلاً حرارياً للطائرة ووجدت أنَّ اللون الأزرق الداكن المقترح قد يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة بعض الأجزاء في بيئات مناخية معينة، ما قد يسبب مشكلات تقنية تتطلب اختبارات إضافية.

وفي عام 2023، قرر الرئيس جو بايدن العودة إلى التصميم الأصلي باللون الأزرق الفاتح، متجنباً أيّ مخاطر قد تنجم عن التعديلات التي اقترحها ترامب، لكن هذا القرار لم يرضِ ترامب الذي لا يزال مُصمماً على تنفيذ رؤيته الخاصة.

قد يهمّك أيضًا: صناعة الطيران في المغرب.. مستقبل واعد للمملكة

هل ينجح ماسك في حل معضلة بوينغ؟

في حال نجح ماسك في إعادة هيكلة عمليات الإنتاج وتسريع الجدول الزمني، فقد يتم تسليم الطائرة الرئاسية الجديدة قبل عام 2027، لكن إذا استمرت العراقيل البيروقراطية والمشكلات التشغيلية، فقد تكون هذه الطائرة واحدة من أكثر المشاريع تعقيداً في تاريخ صناعة الطيران العسكري.

لكن ماسك ليس غريبًا على مثل هذه التحديات؛ فقد تمكّن خلال السنوات الماضية من تحقيق اختراقات كبيرة في صناعة السيارات الكهربائية وتكنولوجيا الفضاء والذكاء الاصطناعي، وربما يكون هذا المشروع هو الاختبار الحقيقي لقدرته على تطبيق مبادئ الابتكار التي يستخدمها في مشاريعه الخاصة داخل مؤسسة عريقة مثل بوينغ التي تتبع نهجًا أكثر تقليدية.

في عالم الطيران، حيث الوقت يساوي المال، فإنَّ كل يوم تأخير يُكلف بوينغ ملايين الدولارات، وكل يوم انتظار يزيد من إحباط البيت الأبيض، ومع دخول ماسك على الخط، باتت الطائرة الرئاسية الجديدة على مفترق طرق بين الفشل المدوي والإنجاز الاستثنائي.

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة