ما شروط ترامب لرفع العقوبات عن إيران؟

تقرير: باسل محمود

في موقف مفاجئ يحمل نغمة مرونة نادرة، ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، لكنه اشترط على طهران أن تُظهر نوايا سلمية واضحة، وتلتزم بعدم التسبّب في مزيد من الاضطرابات في المنطقة، بحسب بلومبرغ.

جاءت تصريحات ترامب في مقابلة مع برنامج “Sunday Morning Futures” على قناة فوكس نيوز، بعد أيام قليلة من الضربات العسكرية الأمريكية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية تحت الأرض.

وبينما واصل البيت الأبيض الإبقاء على العقوبات سارية، أوضح ترامب أن “العقوبات لا تزال قائمة، وإذا التزمت إيران بالهدوء وأظهرت لنا أنها لن تُسبب المزيد من الأذى فقد أرفع هذه العقوبات”.

هذا التلميح إلى تخفيف العقوبات، يفتح الباب أمام تحول جديد في مسار المواجهة الأمريكية الإيرانية، وقد ينعكس بشكل مباشر على أسواق الطاقة، ومسارات التفاوض النووي المتوقفة منذ سنوات.

تقلب الموقف الأمريكي

تصريحات ترامب حول إمكانية رفع العقوبات لا تأتي بمعزل عن السياق التصعيدي الأخير، بل بعد أيام من إعلان وقفٍ هشٍّ لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل، في أعقاب ضربات جوية أمريكية استهدفت منشآت نووية إيرانية محصّنة.

وكان ترامب قد أعلن سابقًا أنه يُعيد النظر في العقوبات، ثم عاد وشدّد على إبقائها قائمة مهاجمًا المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بعد إعلانه “النصر” في المواجهة مع إسرائيل.

جدير بالذكر أن ترامب ألمح في وقت سابق إلى ما يمكن اعتباره تخفيفًا ضمنيًا حين أعلن أنه لا يمانع شراء الصين للنفط الإيراني، وهو تصريح أثار جدلاً واسعًا قبل أن يسارع مسؤولون في البيت الأبيض إلى التوضيح بأن ذلك “لا يعني رفعًا رسميًّا للعقوبات”.

اقرأ المزيد حول تصريحات ترامب بشأن عودة النفط الإيراني إلى الأسواق

البرنامج النووي الإيراني يتراجع مؤقتًا بعد الضربات

في المقابلة ذاتها، شدّد ترامب على أن الضربات الأمريكية كانت “ناجحة بالكامل”، قائلاً إن أحد المواقع النووية الإيرانية تحت الأرض قد “دُمّر بالكامل”، وإن البرنامج النووي الإيراني كان على وشك إنتاج سلاح نووي.

ورغم هذه النبرة الحازمة، أقرّ ترامب ضمناً بأن الإنجاز ليس نهائيا، قائلاً إن “البرنامج النووي الإيراني تراجع على الأقل لفترة مؤقتة”، في إشارة إلى أن قدرة طهران على استعادة أنشطتها قد تكون مسألة وقت، لا حسم دائم.

هذا التقييم ينسجم مع تحذيرات صدرت عن مؤسسات استخباراتية أمريكية شكّكت في جدوى الضربات في تعطيل البرنامج بشكل دائم، معتبرةً أن الأضرار كانت جزئية ولم تُصِب المكوّنات الأساسية للقدرة النووية الإيرانية.

الجمهوريون يطالبون بشروط تفاوض جديدة

توازيًا مع موقف البيت الأبيض، دعا السيناتور الجمهوري البارز والمقرّب من ترامب، ليندسي غراهام، إلى ربط أي مفاوضات مستقبلية مع إيران بشروط سياسية واضحة، وفي مقابلة له مع برنامج “This Week”، على قناة “ABC”، طالب بأن تعترف إيران رسميًّا بحق إسرائيل في الوجود كشرط مسبق لأي حوار.

وقال: “على النظام الإيراني أن يقول للمرة الأولى، نحن نعترف بحق إسرائيل في الوجود، وإذا لم يتمكّن من قول ذلك فلن يكون هناك اتفاق يستحقّ عناء التفاوض”.

هذا الشرط – وإن كان يعكس خطًا تقليديًا داخل الجناح المتشدّد في الحزب الجمهوري، فإنّه يُعقّد أي مسار تفاوضي محتمل، ويضيف عقبات أمام استئناف محادثات الاتفاق النووي أو إبرام صفقة جديدة.

الوكالة الدولية: قدرات إيران النووية لم تُدمّر بالكامل

في تعارض مباشر مع تصريحات الرئيس الأمريكي، نفى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أن تكون الضربات الأمريكية قد أدت إلى تدمير كامل للقدرات النووية الإيرانية، وفي حديثه إلى برنامج “Face the Nation” على قناة “CBS”، قال: “لا يمكن الادعاء بأن كل شيء قد اختفى، صحيح أن هناك أضرارًا جسيمة، لكن الضرر ليس كليًّا”.

كما أكَّد غروسي أن إيران لا تزال تحتفظ بالبنية التقنية والقدرة الصناعية التي تتيح لها استئناف تخصيب اليورانيوم خلال “عدة أشهر فقط” إن رغبت في ذلك، مضيفًا أن الوكالة لا تمتلك حتى الآن معلومات كاملة حول ما تبقّى من البرنامج النووي الإيراني بعد الضربات.

وهذا يُشير إلى ثغرات استخباراتية في تقديرات ما تحقق فعليًّا من العملية العسكرية الأمريكية، ويضعف الحجة القائلة بأن الخيار العسكري وحده كفيل بإنهاء الطموح النووي الإيراني.

اطّلع على تفاصيل التقييم الاستخباراتي الأمريكي لجدوى الضربات على منشآت إيران النووية

هل تمهّد تصريحات ترامب لبداية مسار دبلوماسي جديد؟

تصريحات ترامب الأخيرة تعكس محاولة لربط الضغوط الاقتصادية بفرصة للتهدئة السياسية، لكنها لا تزال دون إطار مؤسسي واضح؛ فحتى اللحظة لم يُعلن عن أي تغييرات رسمية في نظام العقوبات، ولا تزال العقوبات الثانوية على النفط الإيراني والمفروضة على ناقلات وشركات قائمة دون تعديل.

وإذا استمرّت طهران في رفض الحوار، أو لم تُقدِّم إشارات ملموسة إلى السِّلم، فإن السيناريو المرجّح سيكون بقاء العقوبات وتجميد أي مسار تفاوضي.

أما إذا قررت إيران استغلال الفرصة والانفتاح على مفاوضات مشروطة، فقد يكون الحديث عن “صفقة جديدة” أقرب من أي وقت مضى، ولو بملامح تختلف عن اتفاق 2015.

الاقتصاد الإيراني في الانتظار وأسواق الطاقة تراقب

في خضم هذا السجال السياسي والدبلوماسي، تبقى الأسواق العالمية في حالة ترقب؛ إذ إن تخفيف العقوبات -ولو جزئيًّا- قد يُعيد النفط الإيراني إلى السوق، ويُغيّر موازين العرض العالمي، ما ينعكس على الأسعار والطلب، خاصة في آسيا حيث تُعدّ الصين من أبرز مستوردي النفط الإيراني.

ومن جهة أخرى، فإن بقاء الوضع على ما هو عليه قد يدفع طهران إلى تعزيز تحالفاتها الشرقية مع روسيا والصين، وزيادة الاعتماد على آليات التهريب والبيع غير الرسمي، وهو ما يُبقي الاقتصاد الإيراني في حالة شلل نسبي، ويُبقي الباب مفتوحًا أمام أزمات جديدة في السوق النفطية.

قد يهمّك أيضًا: الأسواق العالمية تنتعش بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة