تشهد أروقة مجلس الشيوخ الأمريكي حالة من الانقسام السياسي الحاد بشأن مشروع قانون الرئيس دونالد ترامب الضريبي الشامل، والذي يهدف إلى خفض الضرائب وزيادة الإنفاق، وقد استمرت المناقشات حول هذا المشروع حتى وقت متأخر من الليل، وسط انقسام واضح داخل الحزب الجمهوري نفسه، إلى جانب معارضة ديمقراطية متصاعدة.
وبينما يسارع الجمهوريون إلى تمرير المشروع قبل الموعد الذي حدده ترامب في الرابع من يوليو، تزامنًا مع عيد الاستقلال، أفادت تقارير بأن التصويت واجه عقبات إجرائية حالت دون ضمان أغلبية مريحة داخل مجلس الشيوخ، وتم اللجوء إلى تدخلات مباشرة من ترامب ونائبه جيه دي فانس لإقناع عدد من الأعضاء المترددين.
ووفقًا لما أعلنه مكتب الموازنة في الكونغرس، فإن النسخة الحالية من المشروع، والتي تتجاوز 940 صفحة، من المتوقع أن ترفع الدين الفيدرالي الأمريكي، البالغ حاليًا 36.2 تريليون دولار، بمقدار 800 مليار دولار إضافية مقارنة بنسخة مجلس النواب التي تم التصويت عليها مسبقًا.
تباين داخل الحزب الجمهوري بشأن مشروع القانون
انتقد تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، ما وصفه بـ”التحايل المحاسبي” الذي يعتمده الجمهوريون لإخفاء التكلفة الحقيقية للمشروع، وقال إن القانون المقترح يمنح إعفاءات ضريبية واسعة لفئة المليارديرات، مقابل تقليص تمويل برامج الدعم للفئات الضعيفة مثل “ميديكيد” وبرنامج المساعدة الغذائية، مما يؤثر على الوظائف والخدمات الاجتماعية الأساسية.
ورغم تصويت مجلس الشيوخ بنتيجة 51 مقابل 49 لفتح باب النقاش حول المشروع، استمرت المعارضة داخل الحزب الجمهوري، حيث أعلن السيناتور توم تيليس من ولاية نورث كارولينا رفضه للمقترح، محذرًا من أن التخفيضات ستؤدي إلى حرمان مئات الآلاف من التأمين الصحي.
اتهامات بالمراوغة المحاسبية وغياب الشفافية
بينما يحتفي ترامب على منصة “تروث سوشيال” بتقدم مشروع القانون، واصفًا إياه بـ”الانتصار العظيم”، يصرّح السيناتور الديمقراطي مارك وارنر بأن القانون قد يؤدي إلى فقدان ما يقرب من 16 مليون أمريكي لتأمينهم الصحي، داعيًا أعضاء الحزب الجمهوري الذين يعارضون المشروع بصمت إلى الإفصاح عن موقفهم بوضوح.
وبحسب القواعد الإجرائية، يخضع المشروع الآن لجلسة من النقاشات والتعديلات المكثفة فيما يعرف بـ”vote-a-rama”، وقد بدأت عملية قراءة النص الكامل للقانون منذ منتصف ليل السبت وحتى بعد ظهر الأحد، ومن المتوقع التصويت النهائي لاحقًا.
أما السيناتور راند بول، الجمهوري من ولاية كنتاكي، فقد أعلن رفضه للمشروع بسبب ما وصفه بـ”الارتفاع الخطير في سقف الاقتراض الفيدرالي”، والذي قد يبلغ 5 تريليونات دولار إضافية.
اقرأ أيضًا: قرار حظر السفر لأمريكا شمل 12 دولة وتقييدات على سبع دول أخرى
تأثير المشروع على سقف الاقتراض الفيدرالي
يهدف مشروع القانون إلى تمديد التخفيضات الضريبية التي أقرت عام 2017، مع زيادات في الإنفاق العسكري وأمن الحدود، غير أن الجمهوريين يرفضون تقديرات مكتب الموازنة، ويعتمدون على أساليب محاسبية بديلة، وصفها عدد من الخبراء الخارجيين بأنها “خدع مالية” لا تعكس الكلفة الفعلية.
وفي تحليله للمشروع، أكد الدكتور عمرو يوسف، أستاذ التشريعات الاقتصادية، أن هذا القانون يمثل تحولًا جذريًا في السياسة المالية الأمريكية، ويحمل في طياته مخاطر كبيرة على الاستقرار المالي على المدى البعيد.
وأوضح أن “السياسات التي تجمع بين خفض الضرائب وزيادة الإنفاق العسكري وأمن الحدود تحمل أهدافًا سياسية بحتة، أكثر منها اقتصادية”، مشيرًا إلى أن تمرير المشروع دون مراجعة دقيقة قد يُعمّق من أزمة الدين العام.
كما حذّر الدكتور عمرو يوسف من أن اعتماد الجمهوريين على “حسابات بديلة” لإظهار كلفة أقل للمشروع يعد نوعًا من المراوغة المحاسبية، وقال إنَّ “الاقتصاد الأمريكي لا يحتمل مثل هذه المقامرات، خاصة مع اقتراب الدين من حاجز 40 تريليون دولار”.
الرعاية الصحية في مهب الريح وسط تخفيضات الميزانية
من جانبها، قالت الدكتورة منال العشري، أستاذ الاقتصاد، إن مشروع قانون ترامب يعد من أكثر التشريعات إثارة للجدل، مشيرة إلى أن تأثيره المالي قد يتراوح بين 4 إلى 5 تريليونات دولار خلال عقد واحد، مما سيضيف أعباء هائلة على المالية الفيدرالية.
وأوضحت أنَّ المشروع يواجه معارضة حتى من داخل الحزب الجمهوري، لا سيما بسبب مقترحات تقليص “ميديكيد”، الذي يوفر الرعاية الصحية لملايين الأميركيين، وأضافت أن “الحديث عن تضرر أكثر من 9 ملايين شخص من خفض الميزانية الصحية يثير قلقًا بالغًا في الأوساط السياسية والاقتصادية”.
القانون يحمل مخاطر مالية جسيمة
أشارت الدكتورة منال العشري إلى أن الولايات المتحدة تنفق حاليًا نحو تريليون دولار سنويًا على فوائد الدين، موضحة أن تكلفة الاقتراض قد ترتفع إلى 2.7 مليار دولار يوميًا بسبب زيادة الفائدة المتوقعة، الأمر الذي ينذر بكارثة مالية محققة في حال عدم السيطرة على وتيرة الإنفاق.
واختتمت العشري حديثها بالتأكيد على أن تمرير مشروع القانون بصيغته الحالية، دون إدخال تعديلات جوهرية، سيضع الاقتصاد الأمريكي في مسار صعب يعمق العجز، ويُقوّض شبكات الحماية الاجتماعية، مشددة على أن “تحقيق التوازن بين النمو والاستدامة المالية يجب أن يكون الأساس في أي إصلاح تشريعي”.
قد يهمّك أيضًا: تفاصيل الاتفاق التجاري بين أمريكا والصين وتأثيره على الاقتصاد العالمي