موازنة تونس 2025: بين آمال التعافي الاقتصادي وخطر الاقتراض

تعيش تونس منذ سنوات صعوبات اقتصادية ومالية كبيرة انعكست بشكل مباشر على نسب التضخم المرتفعة والقدرة الشرائية المنخفضة للمواطنين، لهذا فإنّ موازنة تونس 2025 تكتسب أهمية استثنائية، خاصةً وأنّها تأتي بعد الفوز الكاسح للرئيس قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

ملامح موازنة تونس 2025

يرى مؤيدو الرئيس قيس سعيّد أن هذه الانتخابات كانت “نقطة فارقة”، حيث انتقلت البلاد من “إجراءات استثنائية” بدأت في 25 يونيو 2021 إلى “مرحلة جديدة” تركز على بناء الأجسام السياسية واستكمال المسار التنموي.

وقد وصف الرئيس هذه المرحلة بـ”البناء والتشييد”، في إشارة إلى الانتقال من معالجة الأوضاع الداخلية إلى تحقيق التنمية المنشودة، إلا أنّ التحديات الاقتصادية التي برزت بعد 25 يونيو 2021 لا تزال تؤثر بشكل كبير على البلاد، مما يضع الموازنة الجديدة أمام اختبار حقيقي لتجاوز هذه الصعوبات.

تقليص الاعتماد على القروض الخارجية

أبرز ملامح موازنة 2025 تقليص الاعتماد على القروض الخارجية بشكل كبير، حيث حدّدت الموازنة قيمة هذه القروض بنحو ملياري دولار فقط، مقارنةً بأكثر من 5 مليارات دولار في موازنة 2024.

أظهر هذا التوجه رغبة واضحة في تعزيز الاعتماد على الموارد المحلية والحد من الارتهان للخارج، خاصة بعد فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

ومع ذلك، فإنَّ التراجع عن القروض الخارجية قابله ارتفاع كبير في الاعتماد على الاقتراض الداخلي، فمن المتوقع أن تصل قيمة القروض المحلية إلى 7 مليارات دولار، أي ضعف ما كانت عليه في العام السابق.

وفي هذا الإطار، يحذّر خبراء اقتصاديون من أن التوسع في الاقتراض الداخلي يهدد بضغط كبير على القطاع المصرفي، حيث ستتم مزاحمة المستثمرين ورجال الأعمال الذين يعتمدون على القروض لتطوير أعمالهم، الأمر الذي قد يؤثر في قطاع الاستثمار والتنمية والتوظيف بشكل مباشر.

سياسات تقشفية صارمة

يقول الدكتور محمد الشوربجي الخبير المصرفي، تشير الموازنة الجديدة إلى استمرار السياسات التقشفية التي تنتهجها الحكومة، بما في ذلك إغلاق باب التوظيف في القطاع العام باستثناء بعض القطاعات الحيوية مثل الأمن والصحة والتعليم. بالإضافة إلى ذلك، تم تخصيص نسبة محدودة لا تتجاوز 5% من الموازنة للاستثمار في المشاريع العامة، مما يعكس رغبة الحكومة في ضبط النفقات.

إجراءات اجتماعية محدودة التأثير

أوضح الخبير في تصريحات خاصة لـ “Econ-Pedia” أنّه رغم تجميد زيادات الرواتب وتآكل القدرة الشرائية، إلا أنّ الموازنة تتضمن تخفيضًا ضريبيًا لنحو 80% من العمال والموظفين بهدف زيادة طفيفة في الأجور، لكن هذا الإجراء، بحسب الخبراء، لا يكفي لمواجهة التحديات الاقتصادية المتراكمة.

اقرأ أيضًا: تونس.. قانون الهجرة مقابل المال يثير الجدل

توقعات أكثر تحفظًا

تطمح الحكومة التونسية إلى تحقيق نسبة نمو اقتصادي تصل إلى 3.2% في عام 2025، مستندة إلى مؤشرات إيجابية مثل تحقيق قطاع السياحة مداخيل تُناهز ملياري دولار، ومداخيل مماثلة من قطاع زيت الزيتون، بالإضافة إلى 3 مليارات دولار من تحويلات المغتربين.

لكن تقرير البنك الدولي الأخير أظهر توقعات أكثر تحفظًا، إذ قدَّر نسبة النمو بنحو 2.3% فقط، محذرًا من آفاق سلبية في قطاعات مثل التطوير العقاري والنسيج، بالإضافة إلى استمرار غياب التمويل الخارجي.

وأشار  إلى أنَّ تونس بحاجة إلى تحقيق نمو اقتصادي يفوق 5% على مدى سنوات متتالية لضمان التعافي الاقتصادي، وهذه النسبة لم تحققها البلاد منذ عام 2011، ما يبرز التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة الحالية.

إرث العشرية السوداء والآمال المستقبلية

يرى المؤيدون للحكومة أن موازنة 2025 تسعى إلى إصلاح أخطاء ما يُعرف بـ”العشرية السوداء” التي سبقت 25 يونيو 2021، ويدعون إلى الصبر لتحقيق التعافي الاقتصادي، خاصة في ظل الجهود المبذولة للتخلص من الديون المتراكمة وتحسين الأوضاع الاجتماعية.

واختتم الخبير تصريحاته قائلًا: “تعكس موازنة 2025 رغبة جادة في تحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي وتلبية الاحتياجات الاجتماعية، لكن نجاحها يعتمد على مدى قدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات هيكلية واسعة النطاق لتعزيز الإنتاجية وجذب الاستثمارات، مع تقليل آثار السياسات التقشفية على الفئات الأكثر تضررًا”.

اقرأ أيضا: الاقتصاد التونسي.. أبرز الملفات على طاولة قيس سعيد

المخاطر الرئيسية للاقتراض الداخلي

أكَّد الدكتور رمزي الجرم، الخبير المصرفي، في تصريحات خاصة لموقع “Econ-Pedia” أنَّ الاقتراض الداخلي أصبح يمثل تحديًا اقتصاديًا كبيرًا لتونس في ظل الأزمات المالية المتتالية والعجز المستمر في الموازنة العامة، وأوضح أنَّ هذا النوع من الاقتراض، رغم كونه وسيلة لتوفير السيولة المالية بشكل سريع، يحمل العديد من المخاطر التي قد تؤثر على استقرار الاقتصاد الوطني وتوازن المالية العامة.

وأشار الجرم إلى أنَّ الاعتماد المتزايد على الاقتراض الداخلي يفرض على الحكومة إصدار سندات بفوائد مرتفعة، “وهذا الأمر يؤدي إلى زيادة عبء الدين العام على الموازنة، مما يستهلك جزءًا كبيرًا من الإيرادات العامة لتغطية خدمة الدين بدلاً من توجيهها إلى القطاعات الإنتاجية مثل الصحة والتعليم”، بحسب قوله.

كما أوضح أنَّ “التوسع في الاقتراض الداخلي يسبب مزاحمة القطاع الخاص، حيث تستنزف الحكومة الموارد المالية المتوفرة في السوق لتمويل احتياجاتها، ما يقلل من إمكانية حصول الشركات الخاصة على القروض اللازمة لتمويل مشاريعها الاستثمارية”.

زيادة معدلات التضخم

يرى الخبير المصرفي أن الاقتراض الداخلي قد يدفع البنك المركزي إلى طباعة المزيد من الأموال لتغطية الاحتياجات المالية، مما يرفع معدلات التضخم، وعلّق على ذلك قائلاً: “ارتفاع التضخم يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين وزيادة تكاليف المعيشة، الأمر الذي يضعف الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على حد سواء”.

ومن ناحية أخرى، أشار الجرم إلى أنَّ البنوك المحلية تُفضل الاستثمار في السندات الحكومية بدلاً من تمويل المشاريع الاقتصادية نظرًا لكونها أقل مخاطرة، مضيفًا أنّ “هذا التوجه يضعف قدرة البنوك على دعم النمو الاقتصادي، مما يُقلل من فرص العمل ويُعمق حالة الركود”.

واختتم الجرم حديثه حول مخاطر الاقتراض الداخلي مُبيِّنًا أنَّ “تراكم الديون الداخلية يؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين في قدرة الحكومة على إدارة اقتصادها بفعالية، مما قد يُضعف التصنيف الائتماني لتونس ويزيد من كلفة الاقتراض الخارجي مستقبلًا”.

اقرأ أيضًا: هل يتأثر الاقتصاد العراقي بالحرب في سوريا؟

حلول مقترحة

أكَّد الدكتور رمزي الجرم ضرورة تبني سياسات اقتصادية أكثر استدامة لتقليل المخاطر المرتبطة بالاقتراض الداخلي، ومن أبرز الحلول التي اقترحها ما يأتي:

  • إصلاح النظام الضريبي: تحسين كفاءة جمع الضرائب ومكافحة التهرب الضريبي يمكن أن يساهم في تعزيز الإيرادات العامة.
  • تعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي: وذلك من خلال خلق بيئة جاذبة للاستثمارات عبر تقليل البيروقراطية وتحسين مناخ الأعمال.
  • ترشيد الإنفاق الحكومي: ضبط النفقات الحكومية، خصوصًا في المجالات غير الضرورية، وتوجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية.
  • تنويع مصادر التمويل: البحث عن شراكات دولية واستثمارات مباشرة بدلًا من الاعتماد المفرط على الديون.

وأخيرًا، أكّد الجرم أن الاقتراض الداخلي لدعم موازنة تونس 2025 قد يكون حلًا مؤقتًا لتجاوز الأزمات، لكنه ليس خيارًا مستدامًا. وفي هذا السياق، دعا الحكومة التونسية إلى اعتماد سياسات اقتصادية متكاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين التمويل والنمو الاقتصادي، مع الحفاظ على الاستقرار المالي والاجتماعي.

اقرأ أيضًا: سعر الدولار في مصر.. لماذا ارتفع وهل يستمر الصعود؟

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة