شهد سوق العملات المشفرة تقلُّبات حادة، حيث تعرَّضت كبرى الأصول الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين والإيثر، لانخفاضات كبيرة دفعتها إلى أدنى مستوياتها منذ أشهر، هذه التراجعات لم تأتِ من فراغ، بل جاءت كنتيجة مباشرة لمزيج من العوامل الاقتصادية والتقنية زادت من الضغوط على السوق وأثارت مخاوف المستثمرين.
وفقًا للبيانات الصادرة، سجَّلت عملة البيتكوين انخفاضًا كبيرًا بنسبة 6% ليصل سعرها إلى 88,567 دولارًا، وهو أدنى مستوى لها منذ بداية الشهر، ويُعزى ذلك إلى تراجع ثقة المستثمرين بسبب تصاعد التوترات التجارية العالمية، مما أثر سلبًا على معنويات السوق.
لم تكن عملة إيثر بمنأى عن هذا التراجع، حيث شهدت انخفاضًا بنسبة 11%، ليصل سعرها إلى 2,590 دولارًا، وهو أدنى مستوى تسجله منذ أكتوبر الماضي، كما تأثرت العملات الأخرى بانخفاضات كبيرة، مما أدى إلى هبوط جماعي في سوق العملات الرقمية.
لماذا تراجع سوق العملات المشفرة؟
أكد الخبير الاقتصادي أبو بكر الديب أنَّ هذا الهبوط الحاد جاء نتيجة تراجع ثقة المستثمرين في الأصول الرقمية، بالتزامن مع تصاعد القلق بشأن التوترات التجارية العالمية وتأثيرها على الأسواق المالية.
وأوضح الخبير الاقتصادي أنَّ سوق العملات الرقمية تعرض لموجة بيع مكثفة، مما أدى إلى خسائر تجاوزت 150 مليار دولار من إجمالي القيمة السوقية للعملات المشفرة، وهذا يرجع إلى عدة عوامل متشابكة، أبرزها التوترات الاقتصادية العالمية، وتراجع أداء أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، والتي تلعب دورًا محوريًا في دعم استثمارات العملات الرقمية.
كما لفت الديب إلى أنَّ اختراق منصة Bybit، وهي واحدة من كبرى منصات تداول العملات الرقمية، تسبب في تصفية مراكز مالية كبيرة، مما عزز المخاوف بشأن أمان منصات التداول، وزاد من الضغوط البيعية في السوق.
وفيما يخص العملات الأخرى، أكد الديب أن عملة سولانا تعرضت لانخفاض حاد بنسبة 25% منذ يوم الجمعة الماضي، حيث هبطت من 180 دولارًا إلى 135 دولارًا، موضحًا أنَّ السبب الرئيسي وراء هذا التراجع هو التقلبات الكبيرة في عملات الميم التي يتم إنشاؤها على شبكتها، مما أدى إلى موجة بيع واسعة.
التوقعات المستقبلية: هل ينتعش السوق أم يستمر التراجع؟
يترقب المستثمرون تطورات السوق بحذر؛ حيث تعتمد استعادة الثقة على استقرار العوامل الاقتصادية العالمية وتحسن الأوضاع الأمنية في منصات التداول، فمع استمرار التقلبات يبقى السوق عرضة لمزيد من الصدمات، مما يجعل الفترة القادمة حاسمة لمستقبل العملات المشفرة.
وحول مستقبل العملات الرقمية، قال الديب إنَّ التقلبات ستظل السمة الغالبة على السوق في الفترة المقبلة، حيث يعتمد تعافيه على عدة عوامل رئيسية، منها:
- استقرار الأوضاع الاقتصادية العالمية وعودة ثقة المستثمرين.
- السياسات النقدية للبنوك المركزية ومدى تأثيرها على الأصول عالية المخاطر.
- تعزيز الأمان السيبراني لمنصات تداول العملات المشفرة.
كما أكَّد الخبير أنَّ العملات الرقمية لا تزال تمثل فرصة استثمارية مهمة، لكن المستثمرين بحاجة إلى إدارة مخاطرهم بحذر في ظل الظروف الحالية، مشيرًا إلى أن البيتكوين قد يشهد محاولات للتعافي إذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية وتراجع الضغط البيعي على السوق.
الاتجاه العام لسوق العملات المشفرة
في مذكرة بحثية صدرت يوم الأربعاء، أكَّد محللو بنك الاستثمار البريطاني، ستاندرد تشارترد، أنَّ سوق العملات المشفرة يواجه موجة تراجع حادة، مع استمرار انخفاض البيتكوين إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أشهر. وأوضح المحللون أنَّ الاتجاه العام للسوق لا يزال هبوطيًا، وسط ضغوط بيعية متزايدة أثرت بشكل كبير على أداء العملات الرقمية الكبرى.
ورغم هذا الانخفاض، شدَّد البنك على أنه لا يزال من المبكر جدًا الشراء في هذه المرحلة، نظرًا لاحتمال تعرُّض السوق لمزيد من التراجع في الأيام المقبلة. وأشار المحللون إلى أنَّ البيتكوين، وعلى الرغم من صموده النسبي مقارنة بباقي العملات الرقمية، يتأثر بشكل ملحوظ بالضغوط البيعية المستمرة التي تشهدها سوق الأصول المشفرة حاليًا، والتي تعود جزئيًا إلى التطورات المتعلقة بشبكة سولانا.
وبحسب المذكرة، فإنَّ المحللين في ستاندرد تشارترد يتوقعون مزيدًا من الانخفاض في سعر البيتكوين، فمن المرجح أن يتراجع بنسبة 10% إضافية، مما قد يدفعه إلى مستوى 80 ألف دولار أو أقل خلال الفترة المقبلة. ويرجع هذا الانخفاض المتوقع إلى تزايد عمليات التخارج من صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين، والتي شهدت مؤخرًا تدفقات نقدية خارجة بوتيرة متسارعة، ما يشير إلى ضعف ثقة المستثمرين في السوق الحالية.
نصائح للمستثمرين في ظل تقلبات العملات المشفرة
أوضح التقرير الصادر عن بنك الاستثمار البريطاني أنَّ التراجع في عائدات سندات الخزانة الأمريكية قد يوفر دعمًا محتملًا للبيتكوين على المدى الطويل، لكن في الوقت الحالي لا تزال السوق تعاني من ضغوط قوية تجعل الاستثمار في البيتكوين محفوفًا بالمخاطر.
ومن ناحية أخرى، أوضح المحللون أنَّ التوجهات الحالية للمستثمرين تميل إلى الابتعاد عن الأصول عالية المخاطر، مثل العملات المشفرة، خاصة مع عدم وجود إشارات واضحة على استقرار الأسعار في المستقبل القريب.
كما أكَّد البنك أنَّ المستثمرين يجب أن يكونوا حذرين في اتخاذ قرارات الشراء في ظل استمرار العوامل السلبية المؤثرة على السوق، حيث لا تزال هناك احتمالات قوية لانخفاضات إضافية، مُشيرًا إلى أن َّالأسواق المشفرة تمر حاليًا بمرحلة عدم يقين، مما يجعل من الصعب تحديد نقطة دخول مثالية للاستثمار في البيتكوين أو غيره من الأصول الرقمية.
بناءً على هذه التوقعات، أوصى ستاندرد تشارترد بضرورة الانتظار وعدم التسرع في شراء البيتكوين في الوقت الحالي، إذ إنَّ العوامل الاقتصادية والمالية السائدة قد تدفع السوق إلى مزيد من التقلبات خلال الفترة المقبلة.
اقرأ أيضًا: العملات المشفرة لعائلة ترامب تحفز الأسواق الرقمية