تأثير الأزمة السورية على العراق: الأمن الغذائي والاقتصاد تحت المجهر

في ظل تطورات الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية، أكَّدت الحكومة العراقية أنَّ هذه الأزمة لن تؤثر سلباً على الاقتصاد العراقي أو الأمن الغذائي في البلاد، مشيرةً إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها لضمان استقرار الأوضاع على مختلف الأصعدة الأمنية والاقتصادية. وتأتي هذه التصريحات في إطار سعي العراق لتحصين حدوده وتعزيز استقراره الداخلي لمواجهة أيِّ ارتدادات محتملة للأزمة السورية.

الأمن الغذائي في العراق

أكَّد المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة العراقية، محمد حنون، أنَّ الأمن الغذائي يمثل أولوية قصوى لدى الحكومة العراقية منذ تشكيلها، مبيّنًا دور الوزارة في تحقيق استقرار كبير في توفير السلع الأساسية عبر اتباع سياسات استيرادية واسعة النطاق، وتسويق كميات ضخمة من القمح المحلي، مما ساهم في تعزيز السلة الغذائية الوطنية.

 وقد سجَّل العراق هذا العام إنتاجًا غير مسبوق من القمح بلغ 6.3 مليون طن، ما يعكس نجاح السياسات الزراعية الحكومية، وأشار حنون في هذا السياق إلى امتلاك البلاد مخزونًا استراتيجيًا يبلغ 3 ملايين طن من القمح، بالإضافة إلى كمِّيات كبيرة من المواد الغذائية الأساسية الأخرى، مما يعزز استقرار الإمدادات.

كما اعتمدت الحكومة خطةً مرنةً لتنويع مصادر الاستيراد من دول الجوار ومختلف الأسواق العالمية، لضمان استمرار تدفق السلع إلى الأسواق العراقية دون أيِّ انقطاع.

علاوةً على ذلك، تعمل وزارة التجارة العراقية على توفير المواد الغذائية بأسعار تنافسية من خلال إطلاق مبادرات متعددة، مثل افتتاح متجر “هايبر ماركت” في منطقة البياع، مع التخطيط لافتتاح ستة مراكز أخرى قريبًا لتلبية احتياجات المواطنين وتعزيز استقرار السوق.

اقرأ أيضًا: 100 مليار دولار .. استثمارات جديدة في العراق

كيف تؤثر الحرب في سوريا على أمن العراق؟

يرى منير أديب، المحلل السياسي، أنَّ الوضع في سوريا يُشَكِّل تحديًا أمنيًا مباشرًا للعراق، بحكم الجوار الجغرافي والعلاقات العربية المشتركة، حيث يولي العراق أهمية كبيرة لتأمين حدوده المشتركة مع سوريا، والتي تمتد على طول 635 كيلومترًا.

وأوضح الخبير في تصريحات خاصة لموقع “Econ-Pedia” أنه بعد الأزمة السورية عام 2011، تمكَّن تنظيم داعش من التسلل إلى العراق والسيطرة على ثلث أراضيه، مما دفع العراق إلى تعزيز تحصيناته الحدودية منذ عام 2017، خاصةً مع الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.

ومن ناحية أخرى، لفت المُحلل إلى أنَّ الحكومة العراقية أرسلت ألوية إضافية إلى الحدود، وعزَّزت التحصينات الأمنية على مستويات متعددة، كما ناقش السوداني مع البرلمان الخطوات الأمنية المتخذة لضمان منع أي تسلل محتمل للعناصر الإرهابية.

موجات النزوح إلى العراق

أوضح أديب أنّ الحكومة العراقية تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية محتملة جراء الأزمة السورية، منها تدفقات اللاجئين، فمع بُعد العمليات العسكرية الحالية عن الحدود العراقية بنحو 450 كيلومترًا، تقلُّ احتمالية نزوح اللاجئين السوريين إلى العراق، إلَّا أن الحكومة تبقى على استعداد لمواجهة أيِّ تطورات إنسانية، كما فعلت سابقًا مع اللاجئين اللبنانيين. وأكَّد الخبير أنَّ أيَّ موجات نزوح قد تزيد الضغط على البنية التحتية العراقية والموارد الاقتصادية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.

التنظيمات الإرهابية في العراق

قال المحلل السياسي إن “الوضع الأمني الحالي في العراق أفضل بكثير مقارنةً بعام 2014″، موضحًا أنَّ الحواضن الشعبية للإرهاب لم تعد موجودة بنفس الزخم الذي كانت عليه في الماضي، مما يقلل من فرص عودة التنظيمات الإرهابية إلى المشهد، كما أنَّ القوات العراقية اكتسبت خبرة واسعة في محاربة الإرهاب، مع تأمين الحدود بشكل كبير.

لكن رغم التقدم المحرز، شدَّد أدريب على ضرورة التحسُّب لكل الاحتمالات، خاصةً مع التطورات المفاجئة في سوريا التي قد تؤثر في استقرار المنطقة بأسرها، كما دعا إلى تعزيز التنسيق بين الدول العربية لمواجهة أيِ تهديدات مشتركة للأمن القومي.

اقرأ ايضًا: سعر الدولار في مصر.. لماذا ارتفع وهل يستمر الصعود؟

العلاقات التجارية مع سوريا

خلال محادثة له مع فريق “Econ-Pedia”، أكَّد الدكتور عمرو سلامة، الخبير الاقتصادي، قوة الاقتصاد العراقي وقدرته على مواجهة التحديات الإقليمية، مشيرًا إلى أن العراق يتمتع بتدفقات مالية مستقرة وعلاقات تجارية دولية متينة. كما بيّن أن التوترات في سوريا، بما فيها الأحداث الأخيرة وسقوط نظام بشار الأسد، لن تؤثر بشكل جوهري في الاقتصاد العراقي الذي يعتمد على سياسات اقتصادية مركزية وإيرادات نفطية قوية.

وأوضح سلامة أنَّ الاقتصاد السوري يعاني بالفعل من عقوبات اقتصادية مشددة فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى غياب العلاقات المصرفية بين العراق وسوريا بشكل كامل.

وأكَّد أنَّ التجارة مع سوريا تقتصر على تبادلات حدودية بسيطة تشمل المحاصيل الزراعية وبعض السلع المدنية، مما يجعل تأثير التوتّرات السورية في الاقتصاد العراقي محدودًا للغاية.

“ومن ناحية أخرى، لا تُشكّل التجارة الحدودية مع سوريا نسبةً كبيرة من إجمالي التبادل التجاري للعراق، بل تعتمد على قطاعات بسيطة ومدنية، وبالتالي فإنَّ التوترات الراهنة في سوريا لن تؤثر على الأداء الاقتصادي للعراق أو استقراره المالي”، وفقًا لسلامة.

ارتفاع سعر الدولار في الأسواق العراقية

فيما يتعلق بالتذبذب الأخير في أسعار صرف الدولار، أوضح الدكتور عمرو سلامة أنَّ الأسواق العراقية شهدت ارتفاعًا طفيفًا من 1495 دينارًا إلى 1510 دنانير للدولار الواحد عقب التطورات الميدانية في سوريا، مؤكدًا أنَّ هذا الارتفاع يعود إلى المضاربات في السوق الموازية، والتي تستغل أي أزمة إقليمية لرفع الأسعار.

وقال سلامة: “الاقتصاد العراقي يعتمد على تدفقات نقدية عالية من عائدات النفط، التي تمثل العمود الفقري للدخل الوطني، لهذا فإن التذبذب في أسعار الصرف مجرد مضاربات وقتية لا تعكس الوضع الاقتصادي الحقيقي للعراق”.

التبادل التجاري بين العراق وسوريا

أشار الدكتور سلامة إلى أنَّ حجم التبادل التجاري بين العراق وسوريا يتجاوز المليار دولار سنويًا، وفقًا للتقارير الرسمية. وبيّن أنَّ هناك جهودًا مستمرة لتطوير هذا التبادل عبر استخدام عملات بديلة، مثل اليورو، أو الروبل الروسي، أو اليوان الصيني، أو الدرهم الإماراتي، وذلك لضمان استدامة التجارة بين البلدين بعيدًا عن العقوبات الدولية.

وأضاف: “التوجه نحو استخدام العملات البديلة في التبادل التجاري مع سوريا يعكس مرونة الاقتصاد العراقي وقدرته على التكيف مع التحديات الإقليمية والدولية، مما يعزز مناعته الاقتصادية”.

استقرار الاقتصاد العراقي رغم التوترات الإقليمية

ومن جانبه، أشاد الدكتور عمرو سلامة بمناعة الاقتصاد العراقي أمام التوترات الإقليمية، مشيرًا إلى أن السياسات الاقتصادية المركزية والإيرادات النفطية المستقرة تمنح العراق قدرة كبيرة على مواجهة أي تقلبات.

وقال: “الاقتصاد العراقي يتمتع ببنية قوية، وسياساتنا النقدية والمالية تضمن استقرار السوق المحلية، وحتى التوترات الإقليمية الكبرى، مثل الأزمة السورية، لا تشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار الاقتصاد العراقي”، مضيفًا أن “السوق الموازية التي تشهد تذبذبًا مؤقتًا في أسعار الصرف لا تعكس الوضع الحقيقي للاقتصاد، حيث يعود الارتفاع السريع لأسعار الدولار إلى وضعه الطبيعي مع استقرار الأوضاع”.

واختتم الدكتور سلامة تصريحاته بالتأكيد على أنَّ الاقتصاد العراقي في وضع آمن ومستقر، بعيدًا عن تأثيرات الأزمات الإقليمية، بما في ذلك الأحداث في سوريا، مشيرًا إلى أنَّ السياسات الاقتصادية المنضبطة للعراق، إلى جانب الإيرادات النفطية العالية، تجعل البلاد في وضع اقتصادي قوي وقادر على مواجهة أي تحديات مستقبلية.

اقرأ أيضًا: الكوارث الطبيعية تكبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة

تأثير الأزمات الإقليمية على الاقتصاد العراقي

يرى الدكتور علي الريامي، الخبير الاقتصادي، أنَّ العراق يُعاني من تحديات اقتصادية كبيرة بسبب الأزمات السياسية والعسكرية في بعض الدول المحيطة، إلَّا أنَّ تأثير هذه الأزمات على الاقتصاد العراقي ما يزال محدودًا إلى حد ما. وأوضح أنَّ حجم التبادل التجاري مع سوريا ولبنان يعتبر صغيرًا نسبياً ولا يمثل تهديدًا كبيرًا على الأسواق العراقية.

كما أضاف أنَّ الحرب في سوريا لا تُشَكِّل خطرًا مباشرًا على العراق نظرًا للانقسام الداخلي الذي يعيشه الشعب السوري، والذي لن يمتد ليؤثِّر بشكل كبير على العراق في الوقت الحالي غالبًا، مؤكدًا أنَّ العراق لا يتوقع توسعًا سريعًا في الأزمة، وأنَّ الوضع سيظل تحت السيطرة في المرحلة المقبلة.

ومن ناحية أخرى، تطرق الريامي إلى مخاوف المواطنين من ارتفاع أسعار الدولار وتأثيرها على الأسواق المحلية، وقال إن “الأسواق قد تشهد تذبذبًا في الأسعار نتيجة لتخوُّف التجار من أيِّ تطورات مستقبلية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الأسعار بشكل غير مبرر، وأكَّد أنَّ هذه الحالة تستدعي مراقبة دقيقة من الحكومة لضمان استقرار الأسعار وحماية الفئات الفقيرة.

قد يهمّك أيضًا: اقتصاد سوريا .. من انهيار النظام إلى آفاق إعادة الإعمار

خطة طوارئ لضمان استقرار السوق العراقية

“يجب أن تضع الحكومة العراقية خطة طوارئ فعالة لضمان استمرار تزويد السوق بالسلع الأساسية، مثل المواد الغذائية والتموينية، وعلى الرغم من المخاوف التي قد يثيرها البعض حول استيراد السلع من الدول المجاورة، إلَّا أن العراق يمتلك القدرة على تعويض أيِّ نقص في المواد عبر أسواق أخرى مثل تركيا وإيران ودول الخليج”، وفقًا للريامي.

وفيما يتعلق بمستقبل الاقتصاد العراقي في حال استمرار الحروب في المنطقة، أكَّد الدكتور الريامي أنَّ تأثيرات الأزمات الحالية على الاقتصاد العراقي تبقى نسبية، مشيرًا إلى أنَّ تأثيرها على حركة التجارة الداخلية والخارجية سيكون محدودًا إذا ما تم التعامل مع الوضع بحذر واتباع سياسة اقتصادية مرنة. وأضاف أنَّ الأزمة السياسية في بعض الدول المجاورة قد تعطي فرصةً للعراق لتعزيز استيراده من دول أخرى وفتح أسواق جديدة.

وفي النهاية، طالب الريامي الحكومة العراقية بتكثيف جهودها لمراقبة الأسعار وضمان استقرار السوق، مع العمل على تطوير الصناعات المحلية والزراعة لمواجهة تحديات المستقبل. وأكَّد أن العراق بحاجة إلى تحسين بيئة الأعمال ودعم القطاعات الإنتاجية لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير فرص عمل جديدة للمواطنين.

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة