هل ينهي ترامب الحرب الروسية الأوكرانية؟
في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتزايد تداعياتها على الساحة الدولية، تبرز تساؤلات حول احتمالية التوصل إلى تسوية دبلوماسية تنهي النزاع وتعيد الاستقرار للمنطقة. وبينما تخطط أوكرانيا للحصول على مزيد من الدعم العسكري والسياسي من حلفائها الغربيين، يظهر دونالد ترامب، المرشح للرئاسة الأميركية، بموقف مغاير، متعهداً بإنهاء الحرب “خلال 24 ساعة” في حال فوزه بالانتخابات.
موقف ترامب من استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا
أثار تعهد دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب، تساؤلات حول استراتيجياته وموقفه من الدعم الأمريكي لأوكرانيا، خاصة في ظل الانتقادات المتزايدة حول تكاليف هذا الدعم وضرورة تقاسم الأعباء بين الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا.
وقد سبق وصرح دونالد ترامب أن بإمكانه إنهاء الحرب في أوكرانيا بعد توليه منصب الرئاسة، وذلك عبر إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ورغم أنه لم يفصح عن تفاصيل هذه الخطة، إلا أنه ونائبه أعربا مرارًا وتكرارًا عن رأيهما بأنَّ أوكرانيا يجب أن تكون مستعدة لتقديم تنازلات، موضحين أنه لا ينبغي للولايات المتحدة الاستمرار في دعم أوكرانيا بتكاليف مرتفعة، مطالبين بأن يتحمل الحلفاء الأوروبيون جزءًا أكبر من هذا العبء المالي والعسكري.
ومع مرور أكثر من عامين ونصف على بداية الحرب الروسية الأوكرانية، باتت أوكرانيا تعتمد بشكل كبير على دعم حلفائها الغربيين، سواء من حيث تزويدها بالأسلحة المتطورة أو من خلال تقديم المساعدات المالية التي تستخدم في تمويل الرواتب والبنية التحتية الحيوية.
تأمل كييف أن يؤدي هذا الدعم إلى دفع بوتين نحو طاولة المفاوضات، ولكن يبدو أن الرئيس الروسي، الذي يعتقد أنه يمتلك زمام المبادرة في النزاع، غير راغب في تقديم أي تنازلات، حيث يعتمد على رهان بأنَّ الدعم الغربي لأوكرانيا سيتراجع تدريجيًا مع مرور الوقت، وتزايد التحديات السياسية والاقتصادية لدى الدول الداعمة.
كيف سيتعامل ترامب مع الحرب الروسية الأوكرانية؟
يقول الدكتور حسين العسيلي، الخبير الاقتصادي، في تصريحات خاصة لـ “Econ-Pedia”: “منذ ترشح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية لعام 2024، ازدادت التكهنات حول موقفه من هذه الحرب، خاصةً بعد تصريحاته المتكررة حول قدرته على إنهاء النزاع إذا تولى الرئاسة مجددًا”.
وأضاف الخبير موضحًا: “لطالما أبدى ترامب موقفًا إيجابيًا تجاه روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، وهو ما أثار جدلاً داخل الولايات المتحدة وخارجها، لكن يرى البعض أن نهجه تجاه روسيا قد يُسهم في تخفيف التوترات إذا خطط لتحقيق اتفاق دبلوماسي بين موسكو وكييف”.
الجلوس على المفاوضات
“رغم العقوبات القاسية التي فرضتها الإدارة الأميركية الحالية بقيادة بايدن على روسيا، إلّا أن ترامب ألمح إلى استعداده للعودة إلى التفاوض وتخفيف تلك العقوبات إذا ما قاد ذلك إلى تحقيق السلام في أوكرانيا”، حسب العسيلي.
وتابع الخبير: “إذا تولى ترامب الرئاسة، قد يلجأ إلى سياسة التفاوض المباشر بين روسيا وأوكرانيا. فقد اعتمد خلال رئاسته السابقة على الدبلوماسية المباشرة في عدة ملفات دولية، مثلما حدث في لقاءاته مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. ورغم أنَّ هذا النهج لم ينهِ التوترات، إلا أنه أتاح فرصًا للحوار، وبالتالي فإنَّ محاولة ترامب لمفاوضة الأطراف المعنية قد تفتح مسارًا جديدًا للسلام، خاصةً إذا شملت تعهدات من روسيا وأوكرانيا بتقديم تنازلات متبادلة تحت إشراف دولي.
سياسة الضغوط الاقتصادية
يرى الخبير أنَّ إحدى الأدوات التي قد يعتمد عليها ترامب هي سياسة الضغوط الاقتصادية، حيث يمكنه استخدام العقوبات كوسيلة للتفاوض، بحيث يعرض تخفيفها مقابل التوصل إلى تسوية للنزاع.
ومن الممكن أيضًا أن يُشجع ترامب روسيا على الانسحاب من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها مقابل تجميد بعض العقوبات أو إلغائها، ورغم أن هذا الخيار قد يواجه انتقادات من حلفاء الولايات المتحدة، إلّا أنه قد يحقق تقاربًا بين واشنطن وموسكو ويمهد لحل دبلوماسي للنزاع.
تقليص الدعم العسكري لأوكرانيا
من المتوقع أن يعيد ترامب النظر في سياسة الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا إذا عاد إلى البيت الأبيض، فقد أبدى عدة مرات تحفظه على تكاليف هذا الدعم وتبعاته على الاقتصاد الأمريكي. وهذه الخطوة من شأنها أن تؤثر على الوضع في أوكرانيا، إذ إنّ الجيش الأوكراني يعتمد على الدعم الغربي، وخاصة من الولايات المتحدة، بشكل كبير، وفي حال قلص ترامب هذا الدعم أو أعاد النظر فيه، فإنّه يضغط على أوكرانيا للقبول بتسوية تنهي الحرب.
سيناريوهات محتملة
“هناك مخاوف دولية من أن أيَّ تقارب بين ترامب وروسيا قد يضعف الموقف الغربي في أوكرانيا، كما أن أن أيَّ تساهل أمريكي مع روسيا سيُشَجِّعها على التمادي في سياساتها التوسعية، مما قد يعيد إحياء النزاعات في مناطق أخرى من العالم. وفي المقابل، يرى البعض أن الحلَّ الأمثل هو الضغط المستمر على روسيا حتى تُنهي حربها بشكل كامل، بدلًا من تقديم تنازلات قد تضعف سيادة أوكرانيا”، وفقًا للعسيلي.
وقد أوضح الخبير خلال حديثه عددًا من السيناريوهات المحتملة في حال تولَّى ترامب الرئاسة؛ أحدها أن يُخطط ترامب لتفعيل مفاوضات سلام بين أوكرانيا وروسيا، مع تقديم حوافز لكلا الطرفين للوصول إلى تسوية، وهناك سيناريو آخر يتمثل في انسحاب واشنطن التدريجي من دعمها المباشر لأوكرانيا، مما قد يجبر كييف على تقديم تنازلات.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم هو مدى استعداد روسيا للتعاون في ظل قيادة ترامب، وهل سيتجاوب بوتين مع هذه الخطوات؟
وفقًا للخبير، يبدو أن وعد ترامب بإنهاء حرب أوكرانيا يتوقف على قدرته على تفعيل أدوات الضغط والتفاوض لإقناع روسيا وأوكرانيا بالتوصل إلى اتفاق سلام، ورغم المخاطر المصاحبة لهذا النهج، فإنه قد يمثل فرصة لإنهاء نزاع أدى إلى خسائر كبيرة وأزمة اقتصادية واسعة.
دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا
منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، أصبحت الولايات المتحدة من أبرز الداعمين لأوكرانيا في مواجهتها ضد الجيش الروسي، وقد تميز الدعم الأميركي بطابعٍ استراتيجي؛ حيث شمل مساعدات عسكرية ضخمة وأخرى مالية وإنسانية، الأمر الذي يعكس التزام واشنطن بمنع موسكو من بسط سيطرتها على كييف، ودعم استقرار أوروبا وأمنها في مواجهة التهديدات الروسية.
الدعم العسكري
شكّل الدعم العسكري العمود الفقري للمساعدات الأمريكية لأوكرانيا؛ حيث زودت واشنطن كييف بأسلحة نوعية تهدف إلى تحسين قدرتها الدفاعية ومواجهة الهجمات الروسية، وهي تشمل صواريخ جافلين المضادة للدروع، وأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة مثل باتريوت وهيمارس، بالإضافة إلى مدافع هاوتزر وأنظمة رادار متطورة.
كما وفَّرت الولايات المتحدة لأوكرانيا تدريبات عسكرية متقدمة لمساعدة الجنود الأوكرانيين على استخدام الأسلحة الحديثة بفعالية أكبر، والتصدي للهجمات الروسية وتحقيق بعض المكاسب في ساحة المعركة، رغم التفوق العددي والعسكري لروسيا.
اقرأ أيضًا: الأصول الروسية المجمدة.. سلاح ذو حدين في إعادة إعمار أوكرانيا
الدعم المالي والاقتصادي
خصصت الولايات المتحدة مساعدات مالية ضخمة لدعم الاقتصاد الأوكراني والحفاظ على استقراره، حيث قدمت مليارات الدولارات في شكل منح وقروض لمساعدة الحكومة الأوكرانية على دفع رواتب الموظفين وتغطية تكاليف الخدمات الأساسية، فضلاً عن دعم البنية التحتية التي تضررت بشدة من الحرب.
هذا الدعم المالي يهدف إلى تعزيز صمود الاقتصاد الأوكراني ومنع انهياره، ما يساعد كييف على الاستمرار في مواجهة التحديات الناتجة عن الحرب.
الدعم الإنساني
امتدت المساعدات الأمريكية لتشمل الدعم الإنساني، حيث قدَّمت واشنطن مساعدات عاجلة للنازحين والمتضررين من الحرب، تضمنت توفير الغذاء والمأوى والرعاية الطبية، إضافة إلى دعم المنظمات الإنسانية العاملة على الأرض، والتي تهدف لمساعدة ملايين الأوكرانيين المتأثرين بالنزاع، ويعد هذا الدعم جزءاً من الجهود الأمريكية لتخفيف معاناة الشعب الأوكراني في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
قد يهمّك أيضًا: المال السياسي.. أداة حاسمة في انتخابات الرئاسة الأميركية 2024
الضغوط الداخلية والدولية
على الرغم من الدعم الواسع، تواجه الإدارة الأميركية تحديات في إدارة الموقف الدولي، إذ تحاول واشنطن الحفاظ على توازن دقيق بين دعم أوكرانيا وتجنب التصعيد المباشر مع روسيا، وقد رفضت الولايات المتحدة حتى الآن بعض المطالب الأوكرانية، مثل توفير صواريخ بعيدة المدى والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
تهدف واشنطن من خلال هذا الموقف إلى تجنب تحويل النزاع إلى حرب شاملة بين القوى النووية، لكنَّها في الوقت ذاته تؤكد دعمها لأوكرانيا، وتلتزم بمواصلة الدعم العسكري طالما دعت الحاجة.
ومن ناحية أخرى، يواجه الدعم الأمريكي لأوكرانيا ضغوطاً داخلية، حيث ينتقد بعض السياسيين في الولايات المتحدة، خاصة المحافظين، حجم الإنفاق الهائل على الحرب الأوكرانية، مطالبين بضرورة التركيز على المشاكل الداخلية للبلاد.
رؤى متباينة في ظل التحديات الاقتصادية
رغم الدعم الشعبي والسياسي القوي لأوكرانيا، إلّا أن التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها واشنطن قد تؤدي إلى تقليص مستوى المساعدات على المدى الطويل، خاصة مع زيادة أعباء الدين الداخلي والتحديات الاقتصادية.
وعلى الرغم من أنّ واشنطن ما تزال ملتزمةً بدعم أوكرانيا، إلا أنّ مستقبل هذا الدعم يعتمد على تطورات النزاع ومدى فعالية الدعم في إحداث توازن استراتيجي يحفز روسيا على التفاوض. كما قد يؤثر تغيير الإدارة الأمريكية على السياسة الخارجية تجاه أوكرانيا، خاصة إذا جاء رئيس جديد له رؤية مغايرة للدعم العسكري الحالي.
في المقابل، تؤكد الإدارة الحالية، بقيادة الرئيس بايدن، أن دعم أوكرانيا جزء من حماية الأمن الأوروبي ومنع عودة النفوذ الروسي إلى أوروبا الشرقية.