أزمة جديدة بين مصر والولايات المتحدة: هل تتوقف المساعدات الأمريكية؟

شهدت الساعات الماضية تصاعدًا جديدًا في التوتر بين مصر والولايات المتحدة، بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي لمّح فيها إلى وقف المساعدات الأمريكية لمصر والأردن إذا لم يوافقا على استقبال اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة، ويأتي هذا التهديد في سياق الضغوط التي تمارسها واشنطن في ظل التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، خاصة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة ومحاولات تهجير السكان.

في مقابلة مع الصحافيين في البيت الأبيض، قال ترامب ردًا على سؤال حول إمكانية وقف المساعدات المالية لمصر والأردن قائلاً: “نعم، ربما يكون ذلك أمرًا سهلًا، لم لا؟ إذا لم يوافقا، يمكنني ألا أقدم المساعدة”، مضيفًا أنَّ لديه قناعة بأنَّ ملك الأردن عبد الله الثاني ودولًا عربية أخرى لن ترفض استقبال الفلسطينيين.

وقف المساعدات الأمريكية لمصر.. ورقة ضغط

أوضح الدكتور أحمد عناني، المحلل السياسي، أنّ هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الولايات المتحدة استخدام ورقة المساعدات كأداة ضغط سياسي، لكنَّ مصر أثبتت مرارًا أنَّها لا تخضع لمثل هذه التهديدات، فمنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، أصبحت المعونة الأمريكية جزءًا من علاقة استراتيجية بين البلدين وليست منحة بلا مقابل، حيث تشمل جوانب عسكرية واقتصادية تفرض التزامات على الجانبين.

وعلى مدار السنوات الماضية، تعاملت مصر بحزم مع أيّ محاولات أمريكية لاستخدام المساعدات كورقة ضغط، حيث أكَّدت أنَّ سيادتها واستقلال قراراتها السياسية أمر غير قابل للمساومة.

وأضاف عناني في تصريحات خاصة لـ”Econ-Pedia” أنّ الموقف المصري من القضية الفلسطينية واضح وثابت، حيث ترفض القاهرة أيّ محاولات لفرض واقع جديد من خلال تهجير سكان قطاع غزة إلى أراضيها، وتتمسك بأنَّ الحل يجب أن يكون عبر تسوية سياسية عادلة تُحَقِّق الحقوق المشروعة للفلسطينيين. ومع تزايد الضغوط الدولية، تدرك مصر أنَّ استمرارها في هذا الموقف قد يدفع واشنطن إلى تصعيد أكبر، لكنّ القاهرة لديها العديد من البدائل لمواجهة أي تحركات أمريكية ضدها.

وتابع عناني: “في حال تنفيذ تهديد ترامب، فإن التأثير الاقتصادي على مصر لن يكون كبيرًا كما يتصور البعض، إذ إنّ القاهرة عملت خلال السنوات الأخيرة على تنويع مصادر دعمها المالي وتعزيز علاقاتها مع قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، كما أنَّ الاقتصاد المصري، رغم التحديات، أصبح أكثر قدرة على التعامل مع الأزمات، وهو ما يمنح الدولة هامشًا أكبر للمناورة في مواجهة مثل هذه التهديدات”.

اقرأ أيضًا: هل يعيد وقف الحرب على غزة الاستقرار للاقتصاد المصري؟

دور مصر في القضايا الإقليمية

أكَّد المُحَلِّل السياسي أنّه من الناحية الدبلوماسية، تمتلك مصر أوراق ضغط قوية؛ فهي لاعب رئيسي في القضايا الإقليمية، خاصةً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وأمن البحر الأحمر وليبيا، وهو ما يجعل أيّ قرار أمريكي بقطع المساعدات محفوفًا بالمخاطر السياسية. كما أنَّ واشنطن تُدرك أن علاقتها مع مصر تتجاوز مجرد المساعدات، حيث إنّها تعتبر القاهرة شريكًا استراتيجيًا لا يمكن التخلي عنه بسهولة في ظل التحديات الإقليمية المتزايدة.

واختتم عناني تصريحاته قائلاً: “إنَّ التصعيد الحالي يعكس طبيعة العلاقة المتوترة بين مصر وإدارة ترامب، لكنّه لا يعني بالضرورة أنّ التهديدات الأمريكية ستتحول إلى قرارات فعلية، فمصر تُدرك جيدًا حدود القوة الأمريكية في هذا الملف، كما أنَّ واشنطن تعلم أنَّ القاهرة ليست دولة يُمكن الضغط عليها بسهولة. وبينما تستمر المساومات السياسية، يبقى موقف مصر ثابتًا في رفض أيّ حلول تأتي على حساب سيادتها الوطنية أو حقوق الشعب الفلسطيني”.

ومن جانبه، يقول الدكتور ياسر حسين، الخبير الاقتصادي، إنه في ظل التوترات الإقليمية والتغيرات الجيوسياسية، يبرز الحديث عن إمكانية إلغاء أو تقليص المساعدات الأمريكية لمصر كأحد التطورات التي قد تحمل انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة؛ حيث يُنظر إلى هذه المساعدات، التي تُقدر بحوالي 1.3 مليار دولار سنويًا في المجال العسكري، إلى جانب الدعم الاقتصادي والتنموي، على أنَّها جزء من التفاهمات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.

هل تعود أزمة البحر الأحمر؟ تداعيات تصريحات ترامب على الملاحة

دور المساعدات الأمريكية في الاستقرار الإقليمي

أوضح الخبير في تصريحات خاصة لـ”Econ-Pedia” أنّ المساعدات الأمريكية لمصر كانت جزءًا من السياسات الأمريكية لضمان استقرار المنطقة؛ حيث تلعب القاهرة دورًا محوريًا في التوازن الإقليمي والوساطة في النزاعات، لا سيَّما في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهذه المساعدات لم تكن مجرد دعم مالي، بل أداة نفوذ أمريكي في الشرق الأوسط تضمن استمرار التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، وتحقق حالة من الاستقرار السياسي في المنطقة.

لكن مع تزايد الضغوط السياسية الداخلية في واشنطن، والتغيُّرات الحاصلة في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، أصبح استمرار هذه المساعدات محلَّ جدل، الأمر الذي يُهَدِّد استقرار التفاهمات القائمة منذ عقود.

من ناحية أخرى، أكَّد الخبير أنَّ وقف المساعدات الأمريكية لمصر أو حتى تخفيضها قد يدفع مصر إلى إعادة تقييم التزاماتها تجاه اتفاقية السلام مع إسرائيل؛ فعلى مدار أكثر من أربعين عامًا، كانت هذه الاتفاقية إحدى ركائز الاستقرار في الشرق الأوسط، لكنها استندت إلى توازنات دقيقة تشمل التزامات اقتصادية وأمنية متبادلة.

وفي حال شعرت القاهرة بأنَّ واشنطن لم تعد ملتزمة بجانبها من الاتفاق الضمني، فقد تعيد النظر في بعض الجوانب الأمنية أو الدبلوماسية لعلاقتها مع إسرائيل، ما قد يؤدي إلى توتر في العلاقات الثنائية، ويفتح الباب أمام مشهد سياسي وأمني جديد يحمل في طياته احتمالات غير متوقعة.

الشرق الأوسط على صفيح ساخن

أشار الخبير إلى أنَّ الشرق الأوسط يشهد بالفعل حالة من عدم الاستقرار المستمر، مع تصاعد الأزمات في عدة دول مثل السودان، وليبيا، وسوريا، واليمن، إلى جانب استمرار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وفي ظل هذا المشهد المعقد، فإنَّ أي إضعاف للدور المصري في المنطقة قد يؤدي إلى فراغ استراتيجي قد تستغله أطراف أخرى، سواء كانت قوى إقليمية منافسة أو جماعات غير حكومية.

كما لفت حسين إلى أن مصر لعبت دورًا رئيسيًا في مكافحة الإرهاب، وضمان أمن البحر الأحمر، وحماية الحدود الليبية، بالإضافة إلى دورها كوسيط في الأزمات الفلسطينية، وفي حال تمَّ إضعاف قدراتها العسكرية نتيجة تقليص الدعم الأمريكي، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة النشاط الإرهابي، وارتفاع وتيرة النزاعات الإقليمية، وخلق بيئة أكثر خطورة في الشرق الأوسط.

مرحلة جديدة من الصراعات

يرى حسين أنَّ وقف المساعدات الأمريكية لمصر، قد يكون بداية لمرحلة جديدة من الصراعات في الشرق الأوسط، حيث إنَّ التهديدات لم تعد محصورة في الحروب التقليدية، بل باتت تتضمن صراعات غير نظامية تشمل الحرب بالوكالة، والحروب السيبرانية، والضغوط الاقتصادية، وإنّ تراجع الدعم الأمريكي لمصر قد يُعَزِّز تدخل قوى إقليمية أخرى، مثل روسيا والصين، في المعادلة السياسية والعسكرية في المنطقة، ما قد يُغَيِّر التوازنات التقليدية التي حكمت المنطقة لعقود.

من جانب آخر، فإنَّ هذا القرار قد يُؤدي إلى زيادة التعقيد في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث إنَّ دور مصر كوسيط تاريخي في هذا الملف قد يتأثر سلبًا، وهذا سيسمح باندلاع موجات جديدة من التصعيد، كما أنّ أيّ تغيُّر في السياسة المصرية تجاه الحدود مع قطاع غزة قد يكون له انعكاسات مباشرة على الأمن الإسرائيلي، وهو ما قد يدفع تل أبيب إلى اتّخاذ إجراءات أكثر تشددًا عسكريًا في المنطقة، مما يزيد من مخاطر اندلاع صراع واسع النطاق.

الخيارات المتاحة لمصر في ظل التغيرات الجيوسياسية

يرى الخبير الاقتصادي، أنّ مصر قد تتجه إلى تنويع خياراتها الاستراتيجية، سواء من خلال تعزيز التعاون العسكري مع قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين، أو من خلال زيادة الاعتماد على التمويل الإقليمي من دول الخليج لتعويض أيّ نقص في الدعم الأمريكي. كما قد تعمل القاهرة على إعادة هيكلة سياساتها الاقتصادية والعسكرية لتقليل اعتمادها على المساعدات الخارجية، والبحث عن بدائل لتعزيز أمنها القومي واستقرارها الداخلي.

وشدَّد على أنَّ إلغاء المساعدات الأمريكية  لمصر لا يعني مجرد تغيير في السياسة المالية، بل هو قرار قد يعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط بأكملها، فإذا لم يتم التعامل معه بحذر، فقد يؤدي إلى اضطرابات سياسية وأمنية قد تمتد إلى خارج حدود مصر، وتؤثر على المنطقة بأسرها.

واختتم الخبير تصريحاته مؤكدًا أنَّ المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل العلاقات المصرية-الأمريكية، وبيان مدى قدرة الشرق الأوسط على تجنب الدخول في صراع جديد أكثر تعقيدًا وقسوة.

اقرأ أيضًا: مصر في “بريكس”.. انطلاقة جديدة في التعاون الدولي

تابعنا على صفحتنا على فيسبوك

تابعنا أيضًا على صفحتنا على إنستغرام

أخبار ذات صلة