Apple بين وعود الذكاء الاصطناعي وقلق المستثمرين: هل ينهار العملاق؟
تقرير: باسل محمود
قبل عام واحد فقط بدا أنَّ شركة “أبل” على موعد مع مستقبل استثنائي، فقد أعلنت الشركة في فعالية ضخمة بوادي السيليكون عن استراتيجيتها الطموحة في الذكاء الاصطناعي تحت مسمى “Apple Intelligence”، الأمر الذي دفع بأسهمها إلى قفزة تاريخية تجاوزت 200 مليار دولار في يوم واحد، وهي واحدة من أكبر المكاسب اليومية في تاريخ الأسواق الأمريكية.
لكن بحسب ” The Economist” تلك اللحظة الذهبية لم تُترجم إلى واقع ملموس، كما تحول التفاؤل إلى قلق وجودي حقيقي بشأن مستقبل الشركة بعد عام، الأمر الذي أدى إلى طرح تساؤلات خطيرة حول ما إذا كان التاريخ سيُعيد نفسه و”أبل” ستُكرر مصير نوكيا؟
إخفاقات متكررة لـApple في عالم الذكاء الاصطناعي
ما وصف يومًا بأنَّه “ثورة قادمة” في عالم الذكاء الاصطناعي بدأ يتحول إلى ما يشبه “السراب التكنولوجي”؛ فمشروع تطوير المساعد الصوتي “سيري” تم تأجيله إلى أجل غير مسمى، بينما لم تتمكن خاصية “Apple Intelligence” من مجاراة مساعدات منافسة مثل “Gemini” من “Google”.
هذا التأخر يزداد خطورة في ظل التحديات الجيوسياسية، إذ كشفت الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هشاشة تموضع أبل في الصين التي تعد مركزًا رئيسيًا لسلسلة توريدها. وفي الوقت ذاته تتعرض الشركة لضغوط قانونية وتنظيمية تمس أحد أعمدة نموذجها الربحي، وهو قطاع الخدمات عالي الهوامش.
هبوط سهم أبل ومقارنة مقلقة
انخفض سهم Apple بنسبة تقارب 20% منذ بداية العام، متخلفًا عن عمالقة التكنولوجيا مثل “Microsoft” و”Alphabet” و”Amazon”، لكن الأخطر من ذلك أن المقارنة بدأت تجرى مع شركات فقدت بريقها مثل “Nokia” و”General Electric”.
في كتابه الجديد “Apple in China”، يرسم الصحافي “باتريك ماكجي” صورة مقلقة، مشبها “تيم كوك” -الذي رفع القيمة السوقية للشركة إلى أكثر من 3 تريليونات دولار في 2022- بالرئيس التنفيذي الأسطوري لـGE، “جاك ويلش”، الذي أخفى تحت أرقام النمو نقاط ضعف هيكلية قاتلة.
اقرأ أيضًا: مايكروسوفت تهدد عرش شركة أبل
غياب الرؤية الكبرى في مؤتمر المطورين
يأتي “مؤتمر المطورين العالمي WWDC” في 9 يونيو محملًا بآمال معلقة، لكن التوقعات تشير إلى أنَّ أبل ستكتفي بالإعلان عن تحديثات برمجية روتينية دون تقديم رؤية ثورية في الذكاء الاصطناعي.
المحلل “كريغ موفيت” من “MoffettNathanson” يرى أن نجاحات Apple الكبرى جاءت من إعادة اختراع أشكال الاستخدام”Form Factors”، من الماك إلى الآيبود والآيفون.
واليوم، قد يكون الذكاء الاصطناعي هو التحدي المنتظر، بل إنَّ “إيدي كيو”، رئيس قطاع الخدمات بالشركة، اعترف أن الذكاء الاصطناعي قد يجعل “الآيفون غير ضروري خلال عقد”.
المنافسون يتقدمون و”أبل” تتباطأ
بينما تتقدّم “Google” و”Meta” بتطوير نظارات ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتراهن شركات صينية مثل “Xiaomi” و”Baidu” على الابتكار السريع، تبقى أبل في موقع المتفرّج.
وكانت الضربة الكبرى إعلان “OpenAI” عن شراكة بـ6.4 مليار دولار مع “جوني آيف”، المصمم الأسطوري السابق في أبل، لتطوير جهاز ذكاء اصطناعي خاص، ما اعتُبِر رسالة مباشرة بأن أبل تأخّرت كثيرًا، ورغم أنَّ أبل تستعد لطرح هاتف قابل للطي العام المقبل فإنَّها تسير على درب فتح منذ سنوات على يد “Samsung” و”Motorola”.
ويرى المحلل “ريتشارد ويندسور” أنَّ ورقة Apple الرابحة قد تكون في الاستثمار السابق بـ”Vision Pro” خوذة الواقع الافتراضي التي لم تُحقق نجاحًا حتى الآن، لكنها قد تمهد الطريق لنظارات ذكية أكثر نضجًا.
تعرّف أيضًا إلى: مستقبل أسهم التكنولوجيا الكبرى 2025
الخصوصية.. من فضيلة إلى عبء
إحدى أبرز القيم التي دافعت عنها أبل كانت الخصوصية، لكنَّها الآن قد تُصبح عبئا تنافسيا، ويقول “بن طومسون” من “Stratechery” إن أبل اعتمدت على “الخصوصية التفاضلية” التي تجمع بيانات المستخدمين بدلًا من تحليلها تفصيليًا، ما يضعف قدرتها على تدريب نماذج ذكاء اصطناعي قوية.
كما أنَّ إصرار أبل على تشغيل الذكاء الاصطناعي محليًا على أجهزتها يحرمها من الاستفادة من مزايا الحوسبة السحابية، ولعل الدليل الأوضح على التراجع هو سماح أبل لمستخدمي بعض ميزات “Apple Intelligence” بالوصول إلى “ChatGPT” وهي خطوة تُوصف بأنها تنازل تكتيكي.
تحالفات المستقبل غير مضمونة
حتى خيار الاستحواذ على مطوري نماذج اللغة الكبيرة “LLMs” يبدو صعبًا؛ فـ”OpenAI” ارتبطت بجوني آيف، و”Anthropic” مدعومة من “Amazon”، أما باقي الشركات فهي إما صينية أو صغيرة جدًا لا تتناسب مع طموحات أبل.
وفي ظل هذه المعطيات، قد يكون على “أبل” أن تتخلى عن عقيدتها القديمة في “الحديقة المسوّرة” أي تكامل خدماتها داخليًا فقط، وتتعاون مع مزوّدي “LLM” خارجيين كما فعلت “Motorola”.
نموذج “كوك”.. الكفاءة أولا
ربما كانت أعظم مزايا “تيم كوك” هي الانضباط والكفاءة التشغيلية، إذ إنّه لم يكن مهووسا بالابتكار مثل “ستيف جوبز”، بل مهندسًا ماليًا حول “أبل” إلى ماكينة أرباح، ولكن الحقبة الجديدة تحتاج إلى أكثر من ذلك.
يقول “موفيت” إنَّ فلسفة كوك القائمة على “تقدم العمليات على الابتكار” وصلت إلى حدودها، خاصة مع استمرار اعتماد “أبل” على الصين كمركز رئيسي للإنتاج، رغم كل المحاولات لنقل التجميع إلى الهند.
عائدات تحت التهديد.. ومخاطر سياسية جديدة
التحدي الأخطر أمام “أبل” اليوم لا يكمن في الأجهزة أو الابتكار، بل في مصادر الإيرادات، فقطاع الخدمات الذي أنقذ الشركة من تأثير تباطؤ مبيعات “أيفون” يواجه الآن تهديدين مباشرين؛ الأول هو مدفوعات “Google” مقابل جعلها محرك البحث الافتراضي على أجهزة “أيفون” تقدر بنحو 20 مليار دولار سنويًا، قد تُلغى إذا قرر القضاء الأمريكي أن هذه الشراكة تمثل احتكارًا.
أما التهديد الثاني فيتعلق بإيرادات متجر التطبيقات “App Store”، التي تصل إلى نحو 31 مليار دولار سنويًا، والتي أصبحت تواجه ضغوطًا متزايدة بفعل تشريعات الاتحاد الأوروبي الجديدة، فضلًا عن الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الشركة في الولايات المتحدة.
وتشير تقديرات بنك “UBS” إلى أن خسارة الشراكة مع “Google” وحدها قد تُكبّد أبل انخفاضًا في الإيرادات يُناهز 10 مليارات دولار سنويًا، وهو ما قد يتسبب في “صدمة أرباح” قوية تهز موقعها في “وول ستريت” وتؤثر على ثقة المستثمرين في أدائها المستقبلي.
قد يهمّك أيضًا: الصين تعيد رسم خريطة الرقائق الإلكترونية بقرار “بلد المنشأ” الجديد